حقبة استعمارية مظلمة من تاريخ الغرب الأميركي في 'الأفق'

المخرج والممثل كيفن كوستنر يصور في فيلمه مشاهد دفن سكان الأباتشي الغربيين وبناء مساكن للمستوطنين الأميركيين ويصور العواقب الكارثية الناتجة عن تصاعد العنف.

الرباط - تدور أحداث فيلم "مدينة الأفق- الفصل الأول" للمخرج كيفن كوستنر في إطار من الدراما الغربية خلال فترة الـ15 عاما ما قبل وبعد الحرب الأهلية، متناولا العديد من الأحداث التاريخية التي شكّلت الغرب الأميركي.

العمل من  سيناريو كيفن كوستنر وجون بيرد، وبطولة كل من كيفن كوستنر، جينا مالون، إيزابيل فورمان، سيينا ميلر، آبي لي، وجيمي كامبل باور.

تبدأ قصة "مدينة الأفق- الفصل الأول" في وادي سان بيدرو بجنوب شرق أريزونا، حينما يقوم المساحون برسم الحدود بين الأراضي الزراعية للمستوطنين الجدد، ما يمثل ساحة معركة حقيقية بين الحضور الثقافي للأميركيين المستوطنين وبين حياة السكان الأصليين، إذ  تمثل الأرض هوية ومصدر حياة للسكان الأصليين، وموارد جديدة تفتحها الأرض للمستوطنين، فيبرز الصراع بين من يراها موطنا تاريخيا ومن يراها ساحة للاستثمار والتوسع، وهذا التوتر الجغرافي يؤدي إلى ظهور مشهدين متناقضين، فالأول هو السعي للاستقرار وفرض السيطرة على الأراضي، والثاني هو المقاومة والتساؤل عن حقوق الاستمرار على تلك الأرض، وتجسد الأرض في هذا السيناريو مشهدا حيا يتفاعل معه الجميع ويؤثر في قراراتهم ويساهم في تأطير مصيرهم.

وتبرز متتاليات المشاهد أسباب الاحتقان بين الأباتشي والمستوطنين الأميركيين، وتوضح الصراع بين القبائل المختلفة تفكيرا متباينا حول كيفية التعامل مع الوجود المشترك على الأرض، وتمثل شخصية "بيونسيناي" العنف والمقاومة الشديدة التي يبديها السكان الأصليون تجاه ما يرونه تهديدا لهويتهم وأراضيهم، إذ تتجسد مقاومته للغزو الاستعماري في سعيه للتصدي بقوة لكل محاولة لتغيير التوازن الذي عايشوه لأجيال، بينما تعبر شخصية "توايسيه" الموقف المعتدل، الذي يرى أن التعايش مع المستوطنين ممكن إذا تم التوصل إلى تفاهم، رغم المشاهد و اللقطات العنيفة التي تسبق هذا التعايش مثل حرق منازل الدخلاء، وهذا التباين بين القبائل يفسر التنوع في الرؤى داخل المجتمع الواحد، ويبرز الأزمة العرقية التي يعاني منها السكان الأصليون في مواجهة الوجود الاستعماري، بينما يفتح هذا الاحتلال المجال لتساؤلات عن خيارات المقاومة والتكيف في مواجهة القوى الخارجية المهيمنة.

 تتجاوز الآثار الناتجة عن المواجهات العسكرية على الجانب الجسدي فقط، لتؤثر في النفس البشرية، فعلى سبيل المثال يبرز مشهد هجوم الأباتشي على مستوطني أوريزون كأحد النقاط المحورية التي تكشف عن التداعيات النفسية للعنف على الأفراد، خاصة في مشهد مقتل النساء والأطفال بطريقة وحشية، ليترسخ الخوف في نفوس الأطفال، مثل شخصية "راسل جانز" الذي يجسد رعب الناجين من المجزرة، وهذه المشاهد تبين تأثيراته العاطفية والنفسية على النفوس البشرية التي تعيش في هذا الواقع الدموي، فالصدمة النفسية التي يعاني منها الأفراد نراها في سلوكهم وردود أفعالهم، ويجعلهم يتحولون إلى شخصيات أقل قدرة على التفاعل مع محيطهم الاجتماعي، ويظل هذا التأثير النفسي محفورا في شخصيات الفيلم.

ويعالج تكوين اللقطات في عمقه بين "بيونسيناي" و"توايسيه" في قبيلة الأباتشي كمعركة على القيم والهوية، مع التركيز على الخلافات العرقية التي تنشأ في مواجهة الاستعمار، ويبرز كيف أن الجروح التي يصيبها الغزو، وتطال أيضًا النفوس التي تعيش بينهم في المجتمع حيث يصبح التحدي الأكبر في الحفاظ على وحدة القبيلة وسط حياة اجتماعية محقنة، تتحول فيها العلاقات إلى ميدان اختبار للهوية الثقافية والمواقف الأخلاقية.

وكل فيلم حتى لو كان خيالا علميا يحمل في طياته عواقب كارثية  تنتج عن تصاعد العنف، مثل مدينة مشوهة بالدماء والدمار، هذه الحبكة التقطتها كاميرا المخرج لابراز النتائج الاجتماعية المدمرة للصراع المستمر بين الأباتشي والمستوطنين، فتزداد مشاعر الحقد والانتقام بين الجانبين، ويبين المخرج أن كل عملية عنف تساهم في تجذير الكراهية أكثر فأكثر بين المجموعات المختلفة، ويصبح الجميع ضحايا لآثار العنف المستمر على الأرض وبين الناس، وبينما الحروب التي تدور على الأراضي الاصلية تشمل معركة على مستوى الروح والمجتمع، واستحالة إعادة بناء الحياة الاجتماعية دون تحمل تبعات الصراع التاريخي الذي تم التورط فيه.

ونجح الممثل كيفن كوستنر في تجسيد أداء تمثيلي قوي ومتوازن كشخصية مركبة مليئة بالغموض و الشكوك، وأظهر لغة جسد منسجمة مع دور رجل قوي وصامت يحمل أسرار و يأتي من مكان بعيد كجندي سابق عاد ليحرر ما تبقى من الأراضي، بينما استطاع كوستنر الجمع بين أدائه كممثل ورؤيته كمنتج وكاتب سيناريو بجودة مشهود لها من طرف كل من شاهد هذا العمل في اجزائه الثلاثة، كانت له القدرة على دمج رؤيته الإخراجية في أدائه التمثيلي.

أضافت الممثلة الأسترالية آبي مشاهد ولقطات مرحة من خلال كونها مراهقة وبائعة هوى، إذ أدت دورها بعفوية وأنوثة تماما كعاهرات تلك الفترة من الزمن، واللقطات والمشاهد التي ظهرت فيها جعلتها جزءا أساسيا من أحداث الفيلم لانها رغم طيشها فهي أيضا إنسانة مهتمة برضيع اختها وتحميه من الاشرار و القتلة، كأداء يتسم بالقوة والضعف في آن واحد، واستطاعت الموازنة بين الغريزة الجنسية لديها و العمل الانساني.

ويعد الفيلم جزءا أول من سلسلة تحمل الاسم ذاته، عرض للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي في مايو 2024، وحقق إيرادات عالمية بلغت 34 مليون دولار، رغم تلقيه ردود فعل متباينة وفشله في شباك التذاكر، ومن المقرر عرض الجزء الثاني في مهرجان البندقية السينمائي، على أن يطرح لاحقًا ، بينما بدأ تصوير الجزء الثالث ويتم تطوير الجزء الرابع، وقد بدأ  كوستنر في تطوير فيلم "هورايزون" كفيلم مستقل منذ عام 1988، ثم قدم المشروع لاحقًا لشركة أفلام والت ديزني بعد نجاح فيلمه "المدى المفتوح" في 2003.

وتم في يناير/حزيران 2022 الإعلان عن تولي كوستنر إخراج وإنتاج الفيلم، إضافة إلى التمثيل فيه. انضمت شركتا وارنر برذرز بيكتشرز ونيو لاين سينما إلى المشروع في أبريل/نيسان لتوزيعه، وفي يونيو/حزيران 2022، صرّح كوستنر بأنه يخطط لتحويل الفكرة إلى سلسلة من أربعة أفلام، مع إشراك أكثر من 170 ممثلًا في العمل، بدأ تصوير الجزء الأول في جنوب يوتا في 29 أغسطس/اب 2022 وانتهى في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.