'حكايات المقهى العتيق' رواية مشتركة لتسعة كتّاب أردنيين

صاحب فكرة الرواية هو الروائي جلال برجس الذي كتب الفصل الأول منها حول الحقبة المؤابية وابتدع شخصية الدكتور مؤاب.
أحداث الرواية تُسرد على لسان شخصية متخيلة لعالم أردني
رواية تشهد تنوعا تاريخيا وتعددا في الروائيين
تجربة غير مسبوقة على مستوى كتابة الرواية العربية

تجربة نادرة يخوضها سبعة كتّاب وكاتبتان من الأردن في كتابة رواية مشتركة بعنوان "حكايات المقهى العتيق" تسلط الضوء على مدينة مادبا التاريخية في ماضيها وحاضرها. وهي مدينة تشكّل نموذجا للتعايش الإسلامي المسيحي في المملكة، أسسها المؤابيّون في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وتشتهر بكونها مدينة الفسيفساء، حيث تحوي المعهد الوحيد في العالم لتعليم هذا الفن.
صاحب فكرة الرواية، الصادرة حديثا عن منشورات وزارة الثقافة الأردنية، هو الروائي والشاعر جلال برجس، الذي كتب الفصل الأول منها حول الحقبة المؤابية وابتدع شخصية الدكتور مؤاب، وشارك في كتابة بقية الفصول علي شنينات (الحقبة الأشورية)، إسلام حيدر (الحقبة النبطية)، نوال القصار (الحقبة الرومانية)، بلقيس عجارمة (الحقبة البيزنطية)، سلميان قبيلات (الحقبة الأيوبية)، يوسف غيشان (رحيل المسيحيين من الكرك إلى مادبا)، عيسى الحميد (الحقبة العثمانية)، وبكر السواعدة (مرحلة تأسيس الإمارة)، وهم جميعهم من محافظة مادبا.
تُروى الرواية على لسان شخصية متخيلة لعالم أردني من أبناء مادبا يقيم في أميركا يُدعى "الدكتور مؤاب"، يستعيد دور الحكاء بعد أن وجد مقهى يسمى "مقهى الحكايات العتيق" في الوقت الذي يتعرّض فيه لوابل من الأسئلة التي تبحث عن إجابة حول مفهوم الهوية ومدى تزوير التاريخ.

تجربة غير مسبوقة على مستوى  كتابة الرواية العربية، تنحاز إلى الجنس الأدبي (الرواية) على حساب التاريخ الذي لم تغب صورته نهائيا

ورغم تنوع الأقلام المشاركة في الرواية وتعدد الساردين، فقد اشتمل نصها على حبكة سردية، إذ يكتشف الدكتور مؤاب، العالم المهتم باستعادة الأصوات من الفضاء، أنه لا يعلم عن جذوره شيئا، إثر سؤال ونقد وجها له ضربا في المنطقة الحساسة للهوية وصراع الحضارات، فيقرأ معظم ما كُتب عن مادبا ويزورها مع زوجته الأميركية، وابنته عازفة البيانو، أول مرة، وهو المولود في أميركا لأب وأم توفيا هناك، ويكتشف أن أباه لم يخبره عن مادبا شيئا، ولا حتى عن البيت الذي ولد وعاش فيه، الأمر الذي يجعله يفتش عن ذلك البيت فلا يجده. لكنه يتعرف في مادبا إلى عازف عود يعزف مساء في مقهى الحكايات العتيقة، ومن هناك يكتشف أن الناس غير مهتمين بالتاريخ، فيتخذ مكانة الحكاء، التي انقرضت هذه الأيام، ويروي لهم حكايات من حقب تاريخية مرت بها مادبا، ويخبرهم أنه استعاد بعض الأصوات من الفضاء، ويروي لهم ما سمعه منها. 
كما يتعرف مؤاب على رجل مسن شارك في حرب 48 ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلاله يمسك بطرف الخيط في معرفة سيرة أبيه الضائعة، ليفاجئ القارئ أخيرا بنهاية غير متوقعة ولها علاقة بالسؤال الذي جعله يقرأ تاريخ مدينته، ويتحول إلى حكّاء في أحد مقاهيها.
ويظهر المقهى في الرواية بأبعاده الواقعيّة والمتخيلة مرتبطا بالتاريخ وشخوصه في منظومة سرديّة ذات إيقاعات نفسيّة وحركيّة واضحة، فهو يمارس فعل السرد وتأطير الأحداث زمنيّا. كما تمكن الساردون من إضاءة دور المقهى في إثارة خيال المتلقي بتحولات الزمن المستمرة، وحركة الشخوص الفاعلة لإبرازا العمق الحضاري الذي تجسّده مدينة مادبا عبر العصور.

رواية تمثّل فتحا جديدا في الرواية العربية عموما، والأردنية خصوصا، كونها سابقة في الرواية العربية

توزعت المقاطع السرديّة في الرواية عبر حقب زمنية تقوم على محورين متوازيين، الأوّل هو الزمن الداخلي للرواية الذي يتمثّل في متواليات سردية تتابع فيها الأحداث بحبكات متداخلة، والثاني هو الزمن الخارجي الذي يخترق النص بإحالاته على الواقع ليتقابل مع البنية التاريخية العامة للرواية.
يقول الباحث حنا القنصل، في تصديره للرواية، "إنها تمثّل فتحا جديدا في الرواية العربية عموما، والأردنية خصوصا، كونها سابقة في الرواية العربية يكتبها تسعة رواة يحافظون فيها على البناء الروائي، من دون أن يشعر القارئ بتعدد الرواة".
أما جلال برجس، فيوضح أن فكرة الرواية كانت قد بدأت تنمو منذ أربع سنوات، وهي رواية تشهد تنوعا تاريخيا وتعددا في الروائيين الذين كتبوا تسع حقب مرت بها مادبا من خلال قيام كل راوٍ باستلهام الحقبة التاريخية في حكاية.
ويضيف برجس أنه يؤمن بالكتابة ذات الأبعاد المتعددة التي ينجزها عدد من الكتاب، مع اعتبار تنوع المستويات اللغوية واختلاف زوايا النظر الروائية. وهذا ما دفعه إلى التفكير في كتابة رواية تتطرق لمعظم الحقب التاريخية التي مرت على مدينة "مادبا". لكن كانت أمامه عقبة سردية هي كيفية ربط ما يكتب بعضه ببعض، ومن هنا ولدت فكرة المقهى، وخلق شخصية الدكتور مؤاب ليتولى سرد الحكايات. ويعترف برجس بأن كتّاب الرواية كانوا يعلمون أنهم مقدمون على مغامرة روائية، إلا أن اتفاقهم على المخطط المسبق للرواية، والحقب التاريخية التي سيتطرقون إليها جعلهم يطمئنون إلى أن الفكرة ستجد قبولا لدى القارئ.
ويرى الناقد عماد الضمور، في قراءته النقدية للرواية، أنها تجربة غير مسبوقة على مستوى  كتابة الرواية العربية، تنحاز إلى الجنس الأدبي (الرواية) على حساب التاريخ الذي لم تغب صورته نهائيا، بل إنه أمد بنية الرواية بالأحداث التاريخية التي صاغها المبدعون  في بناء فني يمتاز بسرد التفاصيل، والبوح بسر التكوين، وقد حققت نجاحا واضحا في تطوير الملامح والأبعاد الحضرية للشخوص؛ مشيرا إلى أن مادبا ملهمة بكل هذه التفاصيل التي جاءت من خلال عالم روائي متخيل متمكن في الوجدان وراسخ في الذاكرة.