حيرة العرب بين غزة وحماس

السعودية يمكن أن تدعو إلى قمتين عربية وإسلامية بحكم ما يجب أن تفعله دولة عربية كبيرة. لكن مستويات تأثير القمتين تظل مرهونة بقوة الدول التي حضرتها.

يظن الكثيرون في العالم العربي أن في إمكان الدول العربية أن تفعل شيئا من أجل إيقاف العدوان على غزة وأهلها ولم تفعله. ذلك ظن ليس في محله. لا لأن النظام السياسي العربي قد اتخذ موقفا سلبيا من الفلسطينيين، بل لأن الظرف الدولي كله لا يسمح بالقيام بمبادرة إيجابية من شأنها أن تردع نتنياهو وتدفعه إلى التراجع عن هدفه المعلن وهو إطلاق سراح الأسرى الذين اختطفتهم حركة حماس في ضربتها المفاجئة يوم 7 اكتوبر الماضي.

واقعيا فإن الدول العربية لا تملك وسيلة للضغط على إسرائيل حتى لو طردت دول التطبيع سفراء الدولة العبرية من أراضيها. وهو إجراء لا ينفع في شيء. أما الضغط على الدول الكبرى من أجل دفعها إلى التدخل ومنع استمرار الهيجان الإسرائيلي فذلك أشبه بالمزحة الكئيبة. فمعظم الدول العربية تعيش وضعا مزريا لا يساعدها على التصدي لمشكلاتها الداخلية. ومَن يتحدث في السياسة عليه أن يعرف جيدا قبل ذلك أن جزءا كبيرا من العالم العربي قد تم إخراجه من النظام السياسي الدولي أما الدول التي لا تزال تملك السيادة على أراضيها فقد تم تطويقها أو عزلها تنفيذا لإملاءات اللوبيات الصهيونية المتنفذة في مواقع صنع القرار في الجزء الأقوى من العالم.

على من يلوم العرب على تراخيهم وعدم حزمهم وارتخاء إرادتهم أن يتذكر ما الذي حدث للعراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا وأيضا وإن بطريقة أقل ضراوة لتونس ومصر والسودان عبر العشرين سنة الماضية. توزع العرب بين دول لا تملك جيوشا ودول مهددة بالإنهيار الإقتصادي ودول تموت إن قاطعها العالم. كان من اليسير أن تُكتب بيانات الدول العربية المستنكرة للعدوان بلغة نارية زائفة لا يُراد منها إلا شراء المشاعر الشعبية وإستثارة الغرائز البدائية من غير أن تعبر عن رغبة في القيام بفعل حقيقي. ولكن ذلك لن يُزيد الأمور إلا سوءا. وهو ما لن يقبض منه الشعب المعذب في غزة شيئا ولن يدفع نتنياهو إلا إلى ممارسة المزيد من العنف. لا يفرق اللائمون والساخرون بين التظاهرات الشعبية والمواقف الرسمية للدول. وعلى العموم فإن الرهان على التظاهرات هو رهان خاسر بعد أن عجزت التظاهرات المليونية عن منع غزو العراق واحتلاله عام 2003.  

حين دعت المملكة العربية السعودية إلى قمتين عربية وإسلامية فإنها فعلت ما يجب أن تفعله دولة عربية كبيرة لا تزال تملك كلمة في أروقة الدبلوماسية العالمية ولكن مستويات تأثير القمتين تظل مرهونة بقوة الدول التي حضرتها وتأثيرها في القرار السياسي العالمي وهو ما لا تملك المملكة فيه شيئا. ولابد أن يكون واضحا أن هناك خلطا للأوراق جرى فيما يتعلق بمسألة غزة كان قد استفاد منه دعاة الحرب في إسرائيل. فغزة ليست حماس ولكن حين تكون غزة هي مجموعة الأنفاق التي يختبئ فيها مقاتلو حماس فإن إسرائيل لا تجد فرقا بين الإثنين. لقد أدعت أنها تدافع عن نفسها وأكدت حركة حماس ذلك الإدعاء الذي كان كاذبا دائما من خلال آسر مدنيين، البعض منهم كان في حفل موسيقي. وبهذا تكون الحركة الإسلامية قد سبقت إسرائيل في خلط الأوراق. وكان ذلك مريحا لنتنياهو.

كان نتنياهو في حاجة إلى حرب تنقذه من المطاردات القانونية التي تدعو إلى استقالته والانتهاء من عهده فجاءت ضربة حماس لتنقذه. تلك حقيقة يقف أمامها السياسي الرسمي العربي في حالة من الارتباك والحيرة. ثم أن ما لا يمكن إخفاؤه أن حركة حماس التي بدأت الحرب كانت غير مرة قد أعلنت غير مرة عن ارتباطها الإستراتيجي بإيران وقطيعتها مع النظام السياسي العربي وبالأخص الدول العربية التي لا تزال فاعلة عالميا كالسعودية والإمارات. حقيقتان وضعتا العرب بين قوسي الدفاع عن غزة كما لو أنهم يدافعون عن حركة حماس والدفاع عن أهل غزة كما لو أنهم يتهمون حركة حماس بالتسبب في الكارثة.   

لا يملك العرب على المستوى السياسي أن يفعلوا شيئا مؤثرا، من شأنه أن يقود إلى نتائج ملحوظة يمكن أن تؤدي إلى إيقاف الحرب في غزة إلا إذا أطلقت حماس سراح الأسرى المدنيين الذين اختطفتهم يوم السابع من أكتوبر. ولكن المشكلة الأساسية ستظل قائمة. فغزة التي هي ليست حماس، ستظل مختطفة. وهو ما يعني ان خلط الأوراق سيستمر. سيكون ذلك ذريعة لأي عدوان إسرائيلي متوقع من غير أن يتمكن العرب من قول كلمة لردعه.