حين يقع الشعب في فخ الخبز

ثمة إهانة فاقعة للسودانيين حين تطالب المعارضة الانتهازية باسمهم بالخبز.

تجد أحزاب المعارضة السودانية أن من حقها أن تستفيد من جوع الشعب لتتقدم في اتجاه الحكم. نفعيتها تلك في جزء كبير منها وهي تعبير عن رغبتها في التغطية على حقيقة الأسباب التي تدعوها إلى الخلاف مع السلطة.  

البشير وحزبه وموالوه والمستفيدون منه لم يفرطوا في لوم الشعب بل أظهروا تعاطفهم معه في أزمته وهم من خلال ذلك انما يسعون إلى إفراغ خطاب المعارضة من محتواه الملفق الجديد واعادته إلى حقيقة أسبابه.

يحاول الطرفان، الحكم ومعارضته أن يضفيا طابعا سياسيا على صراعهما. كما لو أن الخبز مسألة سياسية. وهنا يرتكبان خطأً عظيما. ذلك لأن البضاعة التي يتاجران بها لا تتحمل الكثير من الامتهان الذي تنطوي عليه انتهازية السياسيين. إذا كان هناك مجال للنظر إلى ما يقع في السودان باعتباره شأنا سياسيا. وهو أمر مشكوك فيه.

هناك خوف مشترك يجمع أهل الحكم وأهل المعارضة في السودان من أن تكون الاحتجاجات الشعبية تمهيدا لإبعاد الإسلاميين عن الحكم والاطاحة بهم. في ذلك يتحقق اجماع على تحميل الشيوعيين مسؤولية خروج الاحتجاجات عن طابعها المدجن الذي لا يشكل تهديدا لنظام الحكم الذي لا يؤثر تغيير الوجوه على استمراره.

مشكلة المعارضة الإسلامية هي ليست مع النظام بل مع جهاز الحكم الذي هو الآخر اسلاموي مثلها. لذلك يركز المعارضون على تغيير البشير من غير أن يعني ذلك الدعوة إلى تغيير النظام بما يسمح للحريات العامة في الانطلاق بحثا عن عدالة اجتماعية يكون هدفها إقرار مبدأ المواطنة.

حين يركز الحكم ومعارضوه على مشكلة الخبز فما ذلك إلا محاولة لتصغير المشكلة من أجل كسب الوقت الذي يسمح بالتفاوض على تقاسم مغانم السلطة، وهو شأن لا علاقة للشعب به من وجهة نظر الطرفين المتصارعين. ذلك لأنه لا يملك ما يدعوه للنزول إلى الشارع سوى الخبز وعدد من المشكلات الاقتصادية الصغيرة كالوقود مثلا وهي مشكلات إن حلت فإن الشعب يكون قد أدى مهمته في الشارع وعاد إلى بيته.

لعبة تخفي الكثير من السخرية السوداء.

فالسودان لا تلعب السياسة بمعناها الحديث دورا مهما في نظامه الاجتماعي الذي يستند إلى تعددية تتخذ طابعا عنصريا على أسس عديدة، ليست القبلية والجهوية والعرقية والطائفية إلا الجزء الظاهر منها. هناك الكثير مما لا يفهمه العالم الخارجي من تلك الأسس.

وإذا ما كان اخوانيو الحكم والمعارضة يجمعون على ضرورة بقاء النظام الإسلامي فإن ذلك الاجماع لا يمنعهم من استلهام أسباب التمييز حسب أجندات سودانية خاصة في صراعهم على السلطة.      

لذلك يمكن القول أن متاجرة المعارضة بالخبز يمكن أن ينهيها البشير إذا ما فتح بابه لعدد من رموز تلك المعارضة. اما إذا قرر البشير أن يتفهم مشكلة الخبز ومن حولها مشكلات قابلة للحل فإنه سيوجه من خلال ذلك ضربة للمعارضة قد تفقدها صوابها لسنوات طويلة.

في ذلك يمكن القول إن الصراع بين البشير ومعارضيه لن يؤدي إلى نتائج إيجابية، يلقي الشعب السوداني من خلالها خطوة على طريق تحرره واستقلاله ومواطنته وما يرنو إليه من عدالة اجتماعية.

من الصعب التعويل على الاحتجاجات الشعبية في إحداث تغيير تاريخي في السودان إلا إذا أدت إلى قلب المعادلات القائمة حالياً بين الحكومة القائمة ومعارضيها الجاهزين.  

كما أن من المهين إنسانيا أن يكون الخبز هو السبب.

لقد دعا البشير على توسيع المشاركة السياسية. وفي تلك الدعوة ما يدعو إلى التشاؤم، ذلك لأنها تخفي نوعا من التواطؤ مع المعارضين الاسلاميين الذين هم من طينة البشير.

وهو ما يعني أن الشعب سيبقى في إطار صورته مطالبا بالخبز.