خامنئي يرفع العصا في وجه من عصى عن التصويت


التركيز يتم على فوز المرشح إبراهيم رئيسي المحتمل بوصفه المثال الأبرز على التشدّد، إلا أن تلك الفكرة لا تستطيع الصمود بمجرد إطلاق سؤال ومتى كانت إيران ومنذ أربعة عقود معتدلة؟
غالبية الإيرانيين الذين سئموا المصاعب الاقتصادية متشائمون من التغيير، لذلك يخططون لمقاطعة انتخابات لا تبدو باعثة لأيّ بارقة أمل لمستقبلهم في بلد معزول.

بمجرد انتهاء الأمر بتقبيل يد المرشد الإيراني علي خامنئي، تفقد اللعبة الديمقراطية في إيران جدواها وأهميتها بالنسبة إلى المواطن الإيراني، مثلما لا يعوّل عليها العالم في علاقاته السياسية مع إيران.

هناك سبعة مرشحين في انتخابات الرئاسة الإيرانية، عادة ما تقع وسائل الإعلام في فخ مكرّر بتقسيمهم إلى متشدّدين وإصلاحيين، وهو في حقيقة الأمر تقسيم فاقد للمعنى الجوهري للكلمة، عندما نرى أن جميع المرشحين يتوقون في النهاية إلى نيل رضا المرشد!

لذلك لا تبدو الانتخابات أكثر من قشرة للتغطية على التحالف الراسخ بين رجال الدين الراديكاليين مالكي السطوة السياسية والمالية والحرس الثوري الحاكم الفعلي للبلاد.

في الأشهر الماضية وبّخ الحرس الثوري وزير الخارجية محمد جواد ظريف أكثر من مرة، محذّرا إياه من التطفّل على خططهم وعملهم. ووصل الأمر بوصفه بـ”الجاهل” و”الفتى الأميركي” الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالة شكلية لم تتحقق.

ومن المفيد هنا استعادة تصريح لوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو وهو يتحدث عن استقالة ظريف بعد توبيخه من قبل الحرس الثوري “ظريف وحسن روحاني مجرد واجهة للمافيا الدينية الفاسدة، وأن المرشد الأعلى يتخذ جميع القرارات النهائية”. علينا تذكر أن روحاني وظريف يتقدمان صفوف “الإصلاحيين!”

وحتى إذا كانت ثمة بذرة لحركة إصلاحية تصاعدت في تسعينات القرن الماضي مع فوز محمد خاتمي بالرئاسة، فإنها قد وصلت إلى طريق مسدود، أو وفق تعبير أحد النشطاء الإيرانيين الذي شارك في التظاهرة الناقمة على النظام إبان عهد الشعبوي المتشدّد محمود أحمدي نجاد “أدركنا أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه”.

جزء من الدراما الانتخابية الإيرانية المقبلة أن اللائذين بعباءة المرشد من الحرس الثوري ورجال الدين الذين يعرّفون أنفسهم بأصحاب الدموع المنهمرة على الموروث الشيعي، ينعتون كل من ينظرون إليهم بعين عدم الاتفاق بأنهم “فتية نيويورك” لبث المزيد من الكوميديا في المشهد الدرامي الإيراني، بينما في النهاية أن مرشح خامنئي سيفوز بانتخابات وصفها الكاتب الإيراني أمير طاهري بـ”دمى جديدة من أجل إضافة مسحة جذابة على العرض في عيون من سبقت لهم مشاهدة العرض المئات من المرات من قبل”.

إنه يتحدث عن الانتخابات الإيرانية التي يبدو مشهدها قبل أيام من التصويت مقبلا على هزيمة لفكر النظام وتراجع تأثيره حتى عند الإيرانيين الذين كانوا يؤمنون بدستور الجمهورية الإسلامية في يوم ما، بغض النظر عما إذا كان إبراهيم رئيسي الفائز أو غيره. بينما تتفق غالبية القراءات على أنه لن يكون الرئيس الإيراني القادم، بل المرشح الذي يتم إعداده من قبل حراس ولاية الفقيه ليكون خليفة خامنئي.

فغالبية الإيرانيين الذين سئموا المصاعب الاقتصادية متشائمون من التغيير، لذلك يخططون لمقاطعة انتخابات لا تبدو باعثة لأيّ بارقة أمل لمستقبلهم في بلد معزول.

“لقد طفح الكيل” قال زاري لصحيفة فايننشيال تايمز، وهو موظف في شركة خاصة كان عمره تسعة أعوام عند قيام الثورة الإيرانية عام 1979 “لقد تعرضنا للسخرية مرات عديدة من خلال لعبة التصويت للإصلاحي السيء حتى لا نقع تحت طائلة المتشدد الأسوأ! لكن هذه المرة ستكون مختلفة جدا لن أصوت، الإصلاحيون صورة طبق الأصل من المتشددين”.

تحمل الانتخابات الإيرانية “الخطوط الحمراء” معها والتي تبدأ من التشكيك بمبدأ الجمهورية الإسلامية أو مبدأ “ولاية الفقيه”، الذي يمنح السلطة الدينية وصاية على السياسة.

ذلك ما يفسر العصا التي رفعها المرشد الأعلى علي خامنئي مبكرا في وجه من عصى من الإيرانيين، بتأكيده أن الامتناع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية يحقق “إرادة الأعداء، أعداء إيران وأعداء الإسلام وأعداء الديمقراطية الدينية”.

غير أن صحيفة “حزب الله” التابعة لمكتب المرشد الإيراني، نشرت ما هو أشد وهي تنقل في معرض إفتاء خامنئي على سؤال من قبل أتباعه بشأن عدم التصويت لمرشح معين في الانتخابات الرئاسية قائلا “إذا كان الإدلاء بورقة فارغة (بيضاء)، فهذا حرام شرعا”.

لكن “العصيان” المرتقب لأوامر المرشد بقدسية الانتخابات لا يغيّر من ميزان القوى السائد حاليا في إيران لصالح الحرس ورجال الدين، منذ أن غادر الخميني ظل شجرة التفاح في فرنسا كي يشيع في المنطقة منذ أربعة عقود الأفكار الأيديولوجية المسكونة بالخرافة الشيعية السائدة اليوم بين ميليشيات العراق حتى حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

يتم التركيز اليوم على فوز المرشح إبراهيم رئيسي المحتمل بوصفه المثال الأبرز على التشدّد المقبل الذي تعد فيه إيران العالم، إلا أن تلك الفكرة لا تستطيع الصمود بمجرد إطلاق سؤال: ومتى كانت إيران ومنذ أربعة عقود معتدلة؟

إذا كانت تلك الانتخابات ستفضي إلى نتيجة ما، فإن سطوة خامنئي وأقطاب الحرس الثوري ستحاسب من كان يعرّف نفسه بـ”الإصلاحي” لمجرد الجهر بصوته المختلف عن طبيعة النظام الراديكالية، بل إن الوعود انطلقت هذا الأسبوع لمحاسبة بعض المرشحين لأنهم لمّحوا بالانتقاد للنظام خلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة!

أما “الأمل” الذي يعد فيه الرئيس الأميركي جو بايدن بإيران متراضية مع محيطها الإقليمي، فهو أقرب إلى الوهم من أي شي آخر، ذلك ما يفسّره اندفاع النظام في طهران إلى الأتباع المؤمنين بنظريته، أو وفق تعبير محمود بارغو مؤلف كتاب “الانتخابات الرئاسية في إيران” والباحث في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة في جامعة ديكين في فيكتوريا بأن “النظام يفقد بطريقة ما شهيته للمخاطرة، كما يتضح من هؤلاء المرشحين الموالين والممتثلين لراديكاليته”.

ويؤكد على أن “هذا يظهر ببساطة أن النظام يشعر بالتهديد الشديد من الانتخابات ولا يشعر بالأمان الكافي لوجود نوع من المنافسة الجادة”.

فإذا كان فوز رئيسي أمرا مفروغا منه، فكيف بعدها يمكن للنظام تبرير إقصاء المنافسين له ممن كانوا يجرون كالسلاحف في سباق لا عدالة فيه.

أما رئيسي الذي يرفع شعارا في حملته الانتخابية “إقامة العدل ومحاربة الفساد”، فإنه إذا فاز كيف يمكن له إقناع الإيرانيين بعدالة فوزه في انتخابات معبّرة عن الإقصاء بامتياز.

دعونا نترقّب المقاطعة الشعبية للتصويت لنرى درجة هزيمة النظام قبل فوز أي مرشح، إن لم تحدث مفاجأة.