خضير فليح الزيدي: النقد العربي إخواني النزعة

الكاتب العراقي يرى أن النقد العربي يعتمد على العلاقات والصداقات ولا يهتم بعنصر الاكتشافات وصيد الجواهر الثمينة.
السرد والمدونات السردية المختزلة أو المطولة هي الوجه المعبر عن قبح هذا الكوكب المرتبك في مشاعر سكانه
ومعظم كتاب الرواية المعاصرين حين يكتبون لا يفكرون في تحويل روايتهم إلى فليم أو دراما تلفزيونية

يصحبُ عملية الكتابة القلقُ والهواجس الداهمة وقد يكونُ الأمر مع كتابة الرواية أكثر مدعاة للتوتر بما أنَّ مغامرة اقتحام هذا العالم يتطلبُ وعياً مسبقاً بمناخه ودراية بطبيعة فضاءاته المُتشابكة مع الروافد الفلسفية والمعرفية، كما أنّ الإلمام بتشكيلة المادة السردية عنصر أساسي في تركيبة النص الروائي حول فن الرواية ودور النقد في دعم الحراك الإبداعي.
وكان لنا حوار مع الروائي العراقي خضير فليح الزيدي الذي صدرت له أخيرا من دار السطور رواية "المدعو صدام حسين فرحان" سألناه عن قراءاته الأولى وماشدهُ إلى عالم ألبرتو مورافيا وخصوصية أسلوبه الذي يبدو مغايرا عن أسلوب صاحب "السأم" فأجاب موضحاً بأنَّ معرفته بألبرتو مورافيا سبقت متابعته لغيره من الأدباء الأجانب. نعم حدث هذا التأثير في أسلوب البرتو مورافيا في فترة مبكرة من حياتي الأدبية. ولكن هذا التأثير لم يدم طويلا بعد أن تعددت القراءات والشغف بالأساليب العالمية لكبار الكتاب الروائيين في العالم. 
أنا أؤمن بأن الكاتب شبيه الأسفنجة التي تمتص الواقع ولكنه يفرزه برؤيا مغايرة عن الواقع تحت تأثير الحدث، بعد أن يفسح الكاتب لخياله أن ينطلق بحرية كاملة في قراءة الاحداث التاريخية وفق مختبره الفكري والإحساس الـدبي بما هو مهمل من تاريخ الوقائع، بما هو يمكن أن يقال بصيغة أدبية عالية الإحساس بتاريخ الفجائع. ثمة تأثر بالبرتو مورافيا من حيث الجرأة الأدبية في قراءة المسكوت عنه عندما بزغ نجم العلوم النفسية ونظرية سيجموند فرويد وتلامذته فيما بعد. لكن الحياة غدت أكثر تعقيدا عقب تلك المرحلة التاريخية حتى غدا ذلك التعقيد مغزى ملتبساً لسبر أغوار الشخصيات، لذا استدعت الضرورة في الذهاب لفهم العالم بطريقة أكثر واقعية. وما أسميته ذات مرة بالواقعية العراقية الجديدة.
وفي سياق حوارنا مع صاحب "الملك في بجامتهط انتقلنا إلى السؤال عن دوافع الكتابة، أشار محدثي إلى صعوبة تحديد الدافع الأساسي مضيفاً لا أعرف بالضبط لم اخترت الكتابة السردية على وجه الدقة، لأني بصراحة ربما اكتشف العالم وأدركه ولكني بالمقابل لا أستطيع أدراك نفسي الأمارة بشغف الواقع. كانت أطاريح الدكتور علي الوردي في فترة مبكرة جعلتني أميل إلى الكتابة النثرية أكثر من الشعر وحسب مقولة الدكتور الوردي أن الشعر صيغة غير متحضرة لمواكبة العالم التقني أو العالم الغارق في هوس التطور اللحظي. ربما السرد هو الأكثر تعبيرا عما يجول في نفس الإنسان من رؤى غاية في التعقيد لا تدركها النرجسية الشعرية المترفة. الشعر سينقرض حتما وتتحول معظم القصائد الخالدة إلى متحفية لغوية لا تنفع إلا للفرجة اللغوية، بينما السرد والمدونات السردية المختزلة أو المطولة فهي الوجه المعبر عن قبح هذا الكوكب المرتبك في مشاعر سكانه.

الروايات العظيمة التي تحولت إلى أفلام يساء غالبا إدراك لذتها الخفية وتتحول كشخص متحول جنسيا إن صحت المقولة

عن حضور الذات في النصوص الأولى ورأيه حول ما يقوله النقاد بهذا الشأن حيثُ يؤكدون على أن النص الروائي الأول ليس إلا سيرة ذاتية فكانت رؤية فليح الزيدي أتت مغايرة لهذا الرأي حيث شرح قائلاً لا اعتقد أن المقولات الجاهزة تنطبق كثيرا على سرديتي الأولى. أعتقد أن منجم الأزمات الفردية والهم الثقافي للتعبير هو الدافع لكتابة الرواية الأولى أو القصة البكرية الأولى، لكن ثمة حقيقة يجب أن تقال هنا، إن كل السرديات الأولى لمعظم كتاب العالم هي غير مرضية لكتابها بعد حين. هي بمثابة مران فردي لتطويع اللغة والأفكار معا. بينما يتطور الكاتب في مرانه السردي تستقر أسلوبيته وقدرة التعبير باقتصاد لغوي وفكري وإحساس عال بما تفرزه اللغة بنوع من الإشارات الرمزية التي تصل القارئ بيسر.
عن رؤيته لواقع النقد ومواكبته لما يسمى بالتضخم الروائي قدم مؤلف "فاليوم عشرة" أشار محدثي إلى ظاهرة الأخوانية في مجال النقد غير أنهُ لم ينكر دور النشاط النقدي لافتاً إلى أن النقد الأدبي مختبر صحي لتفكيك الجسد الأدبي، لكن أحيانا تلك الفحوصات المختبرية تعطي نتائج سلبية أو غير صحيحة إذا ما كان النقد يشتغل على الحداثة والأسلوب النقدي إجرائي كلاسيكي. يجب أن تتطور المدارس والحقول النقدية لتصل إلى مصاف الحداثة النقدية أو ما بعدها لأدراك المعاني المشفرة بمختبرات التقانة الصحية المتطورة لتفكيك النصوص التي تشتغل في حداثة تواكب عالم التقنيات. 
النقد العربي إخواني النزعة يعتمد على العلاقات والصداقات ولا يهتم بعنصر الاكتشافات وصيد الجواهر الثمينة. نعم ربما نخسر نصوصا عظيمة غير مكتشفة بسبب الإعلام أو المدراس النقدية الإخوانية، وربما لا تكتشف إلى الأبد. أكتب وأمض هذا شعار الكاتب الحاذق ولا يلتفت بما يدونه النقد.
حول تجربته مع ورشات مخصصة لكتابة الرواية ودور تلك الفعاليات في النهوض بالمواهب الكامنة قال محدثي نحن نعيش في عصر جديد وعلى الكاتب أن يعي ذلك مسبقا. ورشة الكتابة هي مختبرات لمراجعة الكاتب في التواصل الدقيق مع ظله من الكتاب الجدد أو أجيال الشباب. الورشة هي أن يحرق الكاتب المتدرب مراحل ويختزل تجارب الكتاب. هي المرآة عالية الوضوح ليرى الكاتب تجربته بعيون المتدربين. غالبا ما أميل إلى العمل مع الجيل الشاب في ورش الكتابة وإجراء التجارب السردية من خلال حدث واحد يكتب من مجموعة كتاب متدربين، حتما ستكون النتائج مذهلة في النظر إلى زاوية الحدث وفق الحس السردي ومشاعر التفاعل.
أخيراً كان السؤال حاضراً بشأن وفرة نصوص روائية وغياب المحاولات لنقل المنجز الروائي إلى الشاشة حيث علق خضير فليح الزيدي على هذا الأمر قائلاً: كما تعلم أن السينما صناعة تعتمد في مادتها الرواية الحدثية. ومعظم كتاب الرواية المعاصرين حين يكتبون لا يفكرون في تحويل روايتهم إلى فليم أو دراما تلفزيونية. وهناك كوادر درامية تتحول إلى وسيط فني بين الروائية والفيلم وفق محددات مدركة. ربما سينجح الفيلم المتحول عن الرواية وربما يفشل فتلك قضية شائكة، ولكني أنظر دائما إلى أن الروايات العظيمة التي تحولت إلى أفلام يساء غالبا إدراك لذتها الخفية وتتحول كشخص متحول جنسيا إن صحت المقولة.