داعش يسيطر بـ"الكامل" على مدينة غازية في موزمبيق

تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مقتل العشرات من الأجانب ومن جيش موزمبيق بعد أيام من مواجهات دامية وهجمات مباغتة في بلدة بالما الساحلية، في خطوة تفتح له منفذا حيويا في إفريقيا لتشكيل نواة صلبة بعد أن انحسر نفوذه في الشرق الأوسط.
داعش ينجح في التمدد في إفريقيا وسط بيئة من الفوضى والفراغات الأمنية
سيطرة داعش على مدينة بالما ضربة محرجة لفرنسا العالقة في منطقة الساحل
التنظيمات الجهادية تخترق بسهولة نسيجا أمنيا وعسكريا هشا في إفريقيا

بيروت - أعلن تنظيم الدولة الإسلامية الاثنين السيطرة على مدينة بالما الساحلية في شمال موزمبيق، إثر هجوم بدأه يوم الأربعاء وتخللته اشتباكات استمرت ثلاثة أيام وأوقعت عشرات القتلى والجرحى.

وبدأت أفرع للتنظيم المتطرف في آسيا وإفريقيا تبحث عن موطئ قدم ثابت بعد انهيار التنظيم الأم في كل من سوريا والعراق ومقتل معظم قادة الصف الأول بمن فيهم أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم.

ونجح داعش في النفاذ إلى المناطق المضطربة مثل أفغانستان ومنطقة الساحل الإفريقي مستثمرا بيئة الفوضى الأمنية وهي الأفضل بالنسبة للجماعات الجهادية حيث يسهل اختراقها على غرار ما حدث في موزمبيق التي كانت على أجندة التنظيم المتطرف بعد مالي والصومال، في محاولة لبناء نواة صلبة قادرة على استقطاب الأفرع المحلية في المنطقة.

ويبدو الوضع في أفغانستان أكثر تعقيدا في ظل وجود قوات أجنبية بقيادة الولايات المتحدة وأيضا وجود حركة طالبان الموالية لتنظيم القاعدة وانخراطها في مفاوضات سلام للعودة للحكم من بوابة سياسية بنظام إسلامي قد لا يحظى بقبول كل المكون الأفغاني، لكنها تبدو أقوى في كل الحالات.

والفرع الأفغاني لداعش يبدو أقل قوة رغم أنه ينفذ من حين إلى آخر هجمات دموية ولم ينجح إلى الآن في تأسيس نواة صلبة تكون مركز القوة في الساحة الأفغانية المضطربة.

وعلى العكس تماما من الوضع الأفغاني، كانت المنافذ الإفريقية أوسع بكثير لجذب جماعات متطرفة تتنافس على النفوذ وهي أفرع لتنظيمي القاعدة وداعش وقد نجحت عموما في أن تشكل رقما صعبا في معادلة الاستقرار المفقود.

وفي غفلة أو تراخ دولي في مواجهة تنامي أفرع داعش في إفريقيا، أطلّ التنظيم المتطرف في الفترة الأخيرة وبشكل مباغت في أكثر من منطقة واستقر المقام في بالما الساحلية بينما لم تهدأ توسعاته وهجماته في منطقة الساحل الإفريقي موجها في الوقت ذاته ضربة قاصمة لجهود مكافحة الإرهاب التي تتشارك فيها فرنسا مع دول افريقية.  

ويواجه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون انتقادات حادة بعد سنوات من عملية برخان التي أطلقت في عهد سلفه في مالي وعززها هو بتشكيل تحالف لقوات مشتركة لدول الساحل، في الوقت الذي أظهرت التطورات الميدانية أن نفوذ الجماعات الجهادية زادت في المنطقة وتمددت.

وتأتي سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على بلدة بالما الساحلية لتفاقم تلك الانتقادات وتضع فرنسا في إحراج رغم أن عملياتها لا تشمل موزمبيق لكنها كانت سببا في تفرعات كثيرة للتنظيمات الجهادية دون نتائج تذكر، فمن بضع جماعات انفتحت المنطقة على صراع دموي فرّخ الكثير من التنظيمات الإرهابية التي عادة ما تلجأ لائتلافات جهادية تحت لواء التنظيم الأكثر قوة أو تحالفات مصلحة في مواجهة الحملات العسكرية الإفريقية والدولية.    

وفي بالما قتل عشرات المدنيين في الأيام الأخيرة جراء الهجوم، فيما يستمر نزوح الآلاف من المنطقة مستخدمين كافة السبل المتاحة، وفق ما أفاد شهود ومصادر.

وقال التنظيم المتطرف في بيان نشرته حسابات جهادية على تطبيق تلغرام "شنّ جنود الخلافة هجوما واسعا" الأربعاء على المدينة، حيث "استمرت الاشتباكات ثلاثة أيام، استُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة وتمت مهاجمة ثكنات عسكرية ومقرات حكومية".

وأسفر الهجوم وفق البيان عن "السيطرة على المدينة بما فيها، بعد قتل" العشرات من "الجيش الموزمبيقي والنصارى وبينهم رعايا دول صليبية وإصابة العشرات"، عدا عن "السيطرة على مبان ومصانع وشركات وبنوك حكومية".

وتقع المدينة الساحلية الصغيرة الواقعة على مسافة نحو 10 كيلومترات من مشروع غاز ضخم تديره مجموعة توتال، يتوقع أن يبدأ الإنتاج فيه خلال عام 2024.

وهاجم جهاديون سبق أن بايعوا تنظيم الدولة الإسلامية، المدينة من ثلاث جبهات وهم ينشرون الرعب منذ 2017 في محافظة كابو ديلغادو ذات الغالبية المسلمة والمحاذية لتنزانيا.

وإثر ذلك "أعلِن عن فقدان أكثر من مئة شخص"، وفق ما قال الباحث في معهد الدراسات الأمنيّة في بريتوريا مارتن إوي، موضحا أنّ "الوضع لا يزال ضبابيا".

وقال شهود لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إنّ المهاجمين أطلقوا النار "في كل مكان على الناس والمباني"، تاركين وراءهم الجثث في الشوارع، فيما ذكر فارون من المجزرة أن جثثا مقطوعة الرؤوس لا تزال في الشوارع.

وتأتي هذه التطورات بينما تتحرك أكثر من مجموعة متطرفة في محيط المنطقة موسعة نفوذها بالقتل والإرهاب ما يعيد إلى الأذهان بدايات التنظيم الأم (الدولة الإسلامية) في سوريا والعراق والذي سطّر بالمجازر أوسع نفوذ له قبل أن يخسر مناطق سيطرته في البلدين من دون أن ينتهي خطره.

وعلى جبهة أخرى، تغرق الصومال كما مالي والنيجر ونيجيريا وغيرها من دول المنطقة في إرهاب عابر للحدود تبدو فيه الجماعات الجهادية أكثر تنظيما وأكثر قوة بعد سنوات من حملات عسكرية ضخمة، دفعت الأمم المتحدة لتأييد فكرة التفاوض مع البعض من تلك الجماعات قبل أن تنهي فرنسا ترددها لتعلن دعمها للفكرة بينما تبحث لنفسها عن منفذ للخروج من المأزق بعد مقتل قرابة خمسين من جنودها في مالي على مدى سنوات تدخلها.