درس مجدل شمس في الوطنية السورية

أما كان حريا بحاكم دمشق أن يحمي مواطني دولته حتى وإن كانوا تحت الاحتلال؟

تشتعل الحرب في المنطقة حين تريدها إيران. هل صارت إيران هي سيدة المنطقة؟ تخذل الولايات المتحدة صديقتيها إسرائيل والسعودية إذا ما كانت قد وافقت على تلك المعادلة الخطرة. ليست إيران إلا دولة حرب. وصية مؤسس جمهوريتها الإسلامية تقوم على تصدير الثورة وهو ما يعني الحرب الدائمة على العالم. ذلك نعرفه. أما ما لا نفهمه أن تُترك إيران حرة في تنفيذ حربها بالوكالة من خلال الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وميليشيات الحشد الشعبي في العراق. إيران لا تحارب بشكل مباشر، ولكن الحوثيين يطلقون صواريخ إيرانية كما ان صاروخ حزب الله الذي قتل أكثر من عشرة أطفال سوريين في الجولان المحتلة كان صاروخا إيرانيا.

كان الصاروخ قد ذهب خطأً. تلك كذبة. لم يكن القصد منه قتل أطفال سوريين. تلك كذبة أخرى. لطالما تباهى حسن نصرالله بأنه يملك صواريخ إيرانية يمكنها الفصل بين عرب حيفا ويهود تل أبيب. السؤال ما موقف حكومة دمشق من قتل مواطنيها الذي كانوا يصرون على عدم اكتساب الجنسية الإسرائيلية والبقاء سوريين؟ لا اعتقد أن بشار الأسد يملك الوقت للتفكير في عشرة أطفال سوريين يلعبون كرة القدم قُتلوا بصاروخ أصدقائه. تلك واحدة من محن الرئيس السوري الحائر بين أصدقائه وأعدائه. من المؤكد أن أصدقاءه يسخرون منه وهو الذي لم يتعرف بعد على أعدائه. تلك واحدة من مفارقات المتاهة السورية.

ولكن حزب الله وإيران من خلقه قتل أطفالا سوريين. أولئك الأطفال هددت إسرائيل بالانتقام لمقتلهم؟ لمَ لم تهدد سوريا بذلك؟ هم أطفال سوريون وليسوا إسرائيليين. علينا أن نُصاب بالجنون. أما كان حريا بحاكم دمشق أن يحمي مواطني دولته حتى وإن كانوا تحت الاحتلال؟ أم أنه يصمت في مواجهة القرار الإيراني. تلك تجربة أثبت النظام السوري أنه أضعف حتى من أن يتصدى لعصابة إيرانية اسمها حزب الله.

الجريمة إيرانية مئة بالمئة. أما أن يستعد لبنان لدفع ثمنها. فذلك ليس عدلا. كما أنه ليس لدى لبنان ما يدفعه. لبنان بلد مهدم ودولة فاشلة. أما قتل المدنيين فإنه أمر مكلف لا قيمة له على المستوى العسكري إضافة إلى أنه يضع إسرائيل في مواجهة العالم. إذاً ستختار إسرائيل مواجهة حزب الله لكن ليس كما يُشاع عن الاجتياح البري.

ذلك ما بدأته إسرائيل. فهل ستعين الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمعقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت الحزب على جر لبنان إلى حرب جديدة تكون نتائجها أسوأ من حرب 2006 في ظل استشراس حكومة نتنياهو واستقوائها بالداخل بعد أن نجحت في اغتيال اسماعيل هنية في طهران؟

وبالرغم من الوعد الإيراني بالدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل إذا ما تعرض لبنان للعدوان فإن ذلك الوعد لن يجد طريقه إلى الواقع. لا لأن إسرائيل ستكتفي بالضربات الفنية المتقنة حسب، بل وأيضا لأن إيران بعد اغتيال هنية وهو ضيفها ستأخذها الصدمة إلى التفكير بأسلوب للإنتقام لا يحملها تكلفة مباشرة. وهي طريقتها في الهروب إلى الأمام. فهي بعد أن قتلت مواطنين سوريين يقيمون على أرض سبق وأن ضمتها إسرائيل إلى أراضيها تعرف أنها صارت تقع تحت المجهر.

وما لم يطالب النظام السوري بتحقيق شفاف في ما جرى في مجدل شمس فإن الجريمة الإيرانية بكل معانيها المأساوية سيغطيها ركام الأحداث المتسارعة التي هيأ حزب الله المواطنين اللبنانيين للتعايش معها منذ أشهر. هناك حرب ستقوم. حرب جديدة سيخوضها لبنان مجبرا بسبب حاجة إيران إليها. إيران هي التي تفرض زمن الحرب على الآخرين وما عليهم سوى أن يلبوا نداءها. ذلك ما لا تفعله إسرائيل هذه المرة على الأقل.

تسعى إيران إلى أن تكون حربها في لبنان حربا إسرائيلية على لبنان وليس على حزب الله. وهو ما يكشف عن حجم كراهية الإيرانيين للبنان. كراهيته نفسها لليمنيين والعراقيين والسوريين. لقد دفعت اليمن ثمنا باهظا لصاروخ أطلقته عصابة الحوثي على إسرائيل حين احترق ميناء الحديدة. أما دمشق فإنها تتلقى الضربة بعد الأخرى بسبب إيوائها لضباط الحرس الثوري وأتوقع أن زعماء ميليشيات الحشد الشعبي

في العراق سيهربون إلى إيران إذا ما استهدفت إسرائيل واحدا منهم وهي قادرة على ذلك لأنها تملك شبكة هائلة من الجواسيس.

تعرف إسرائيل أنها لن تكون مضطرة إلى مواجهة إيران بشكل مباشر. هي لا تريد ذلك. غير أنها ستلقن العرب الموالين لإيران دروسا بليغة ستوقظهم ربما من غفلتهم. وذلك أمر ليس مستبعدا.