دروس عربية في الارهاب

كل حملة السلاح غير القانوني هم ارهابيون من غير استثناء.

هناك فرق بين من يتعرض للإرهاب ومَن يفكر فيه. نجحت الحلول الأمنية لمشكة الارهاب في أماكن وفشلت في أخرى. ولكن هناك اجماع على فشل تلك الحلول في أن تضع حداُ للظاهرة.  

في أحيان كثيرة يتم التكتم على حالات الخطف وبالأخص في ما يتعلق بالنساء. ولكن الأخبار تخترق الصمت لتؤكد كذب البيانات الحكومية.

ما لا يمكن إنكاره أن العنف صار ثقافة في مجتمعات كانت ولا تزال عبارة عن مختبرات تجريبية لمختاف أنواع التراجع عن مكتسبات العصر الحديث.

يعتقد سياسيون هواة أو فطريون أن "شيفرة" الارهاب قد حلت ألغازها وصار في الإمكان التعرف على سلوك الارهابيين قبل أن يقدموا على ممارسة العنف ضد الآخرين. ذلك ما أتاح القيام بضربات استباقية، غالبا ما تذهب إلى المكان الخطأ فيسقط أبرياء ليكونوا ضحية لإرهاب الدولة.

"هناك خلايا إرهاب نائمة" تلك قد تكون كذبة. فالانتحاريون الذي يجري التسويق لهم باعتبارهم أتباع تنظيمات متشددة مثل القاعدة وداعش قد لا يكونون كذلك. البيانات التي تتبنى عملياتهم بعد وقوعها ومقتل منفذيها لا تعني شيئا على مستوى المصداقية.

يُقال في الأخبار "هناك بصمات لداعش". ذلك تعبير سائل لا يمكن أن يكون موقع ثقة. وليس لبيان يُنشر على الانترنت أية قيمة تُذكر. لا بصمات تفرق بين ارهاب وآخر.

هناك حيرة مركبة لا يمكن تفكيك عناصرها من قبل المحللين المحايدين الذين لم يروا فوهة بندقية تتوجه إليهم وتضعهم في لحظة واحدة في عزلة لم يتخيلوا أنهم سيصلون إليها.

حين لا تكون الأرض آمنة فإن ذلك يمحو كدح البشرية عبر قرون من البحث الخلاق عن جدوى الحياة وأسباب عظمتها.

في ظل تلك المعادلات المرتبكة ليس أمام البشرية سوى أن تعترف بعجزها عن مواجهة عدو اسمه الارهاب. وهو اعتراف من شأنه أن يفضح الكثير من الحقائق التي تم التكتم عليها لأسباب غير معروفة.

فهل صار الارهاب مطلوبا من أجل أن تبقى المسافة قائمة بين مَن يفكر فيه ومَن يتعرض له بشكل مباشر؟

تلك نظرية ينبغي الاستناد إليها باعتبارها عكازا مكسورا.

في الحالة العربية على سبيل المثال هناك شيء اسمه السلاح السائب. ذلك هو أساس مشكلة العنف في مختلف صوره وهو ما يقود إلى الإرهاب باعتباره اللغة الوحيدة الممكنة التي يتم تداولها.

صار السلاح في متناول الجميع في دول عربية عديدة. تحصل على السلاح بيسر لا يضمن لك الحصول على الخبز.

غير أن الثابت أن ذلك ما كان ممكنا لولا انهيار الدولة. ففي ظل وجود الدولة كان امتلاك السلاح هو أمر غاية في الحساسية والصعوبة. لم تكن الدولة تسمح للأشخاص بامتلاك سلاح شخصي إلا في حالات ضيقة. الدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بحيازة السلاح واستعماله بطريقة تحفظ من خلالها أمن المجتمع وسلامة أفراده.

اليوم نسمع أخبارا عن حروب عشائرية تُستعمل فيها الأسلحة الثقيلة. ذلك ما يجري في العراق. وما تشهده اليمن وليبيا ليس بعيدا عن ذلك.

في لبنان صار متوقعا أن يملك حزب الله صواريخا بالستية، زودته بها إيران. وهو ما يتجاوز قدرة المجتمع اللبناني على تحمله. ذلك ما شهده اليمنيون وقد وقعوا في مصيدة العصابة الحوثية التي انتقلت بنشاطها الارهابي من الحيز المحلي إلى حيز أقليمي.

فهل ينظر مَن يفكرون في الإرهاب إلى ما تتعرض له الدول العربية باعتباره إرهابا أم أنها تعتبره صداما بين قوى محلية؟

أعتقد أن العرب في حاجة إلى التفكير في الإرهاب باعتباره مرضا محليا يستحسن أن يتم علاجه محليا من غير انتظار دواء قد لا يأتي من الخارج. ذلك سيساعدهم على العثور على جذوره.   

الامر يبدأ بفك ارتباط الارهاب بما يمكن أن يكون مسوغا له. ذلك يزيح الغطاء الكاذب ويضع العنف باعتباره ممارسة همجية في مكانه الحقيقي.

فالارهاب في واحدة من أهم تجلياته يُمارس في ظل الدفاع الكاذب عن العقائد. ذلك ما تفعله التنظيمات الدينية المسلحة كلها كما أن هناك مَن يرفع شعار المقاومة من أجل استمراره في حمل السلاح وفرض أجندته على المجتمعات، وذلك ما تفعله الميليشيات المرتبطة بإيران وفي مقدمتها حزب الله.

كان الزمن كفيلا بفضح الأمرين.

فالقتل الذي مارسه تنظيم داعش على سبيل المثال لم يؤد إلا إلى زعزعة إيمان المسلمين كما أن استقواء حزب الله بالسلاح من أجل الهيمنة على لبنان اسقط كل قناعة سابقة بصدق التيار المقاوم.

تلك دروس تاريخية تسمي الارهاب من غير الحاجة إلى جدل عبثي طويل في ما يتعلق بمًن هو ارهابي ومَن هو غير ذلك. كل حملة السلاح غير القانوني هم ارهابيون من غير استثناء.