ديمقراطية الكتلة الأكبر

الديمقراطية بكل عيوبها في العراق هي ورقة الضمان الوحيدة للعملية السياسية بديلاً عن الإنقلابات وسفك الدماء.

لم يعد الحديث عن الظاهرة العراقية قضية جديدة أو وصفها بالعادية، العملية السياسية عبرت عامها الأكثر من عشرين ولا يوجد في الحياة السياسية بوادر إنفراج تلوح في الأفق حول عبور ثقافة الفساد ونظام المحاصصة والفوضى.

لكن ما خفي أن ثمة شيء ما بات يؤرق النُخب الحاكمة يمثل الهم الأكبر إلى درجة المعاناة وهو مبدأ الديمقراطية التي أصبحت سوقاً رائجة لكل من يريد الترويج لبضاعته الفاسدة والمنتهية الصلاحية حتى تحولت إلى مزادات علنية وفرص للاسترزاق بإسم الديمقراطية.

معضلتنا "كعامة الشعب" أصبحت واقعاً يُرى ويُسمع كيف تُسرق ثروات البلد وتُوزع على الأميين وأصحاب الولاءات الخارجية وأشباه الوطنيين من خلال الترويج للديمقراطية الزائفة وفرضها من قبل نخب سياسية لم تفكر بها على الإطلاق ولم تضع لها نصوصاً في أدبياتها، وفي حقيقة الأمر كان بين هذه النخب والديمقراطية فرقاً شاسعاً وكراهية إلى درجة العداء الشديد، والأكثر مرارة أن نقول أنه لولا العصا الأميركية والمراقبة لمفردات الديمقراطية ومخرجاتها في تشكيل الحكومات المتوالية وبناء النظام السياسي في العراق لأزاحت تلك النخب عن وجهها الحقيقي في محاربة الديمقراطية وخصوصاً تلك التيارات الإسلامية التي لم تضع ضمن برامجها السياسية حسابات الديمقراطية أو فسح المجال للحريات، بل قد لا نبالغ إذا إعترفنا إن في أجنداتها لا يوجد مفهوم واضح ومعرّف للدولة.

والحقيقة التي ينكرها هؤلاء أن الديمقراطية المفروضة على سلطة النخب السياسية عرقلت الكثير من طرائق العملية السياسية، لذلك كان الإحتماء في حضن الطائفة والمذهب السبيل الأوحد أو الأوفر حظاً للإرتماء في أحضانه كلما ضاقت بهم السبل وتقطّع الطريق في الوصول إلى مبتغاهم أو حتى فشلهم في الإنتخابات.

إنهم مضطرون لتقبل فكرة الديمقراطية الثقيلة بدليل إن حياتهم السياسية وفعالياتهم التي ينشطون بها ذات عناوين طائفية أو مذهبية، حتى أنهم أوجدوا عناوين ذات أبعاد للتفرقة مثل مفهوم "الكتلة الأكبر" التي غرست رمحاً طائفياً في نحر الدولة بإستحضار واضح لمناهضة الديمقراطية وهو أضعف الإيمان لتجنب عصا الحرية المغشوشة التي فرضتها أميركا بمن جاءت بهم وبالطبع لا يُنسى دور السلاح المنفلت لدى بعض الجماعات التي تعتمد عليه كأداة تهديد وترهيب عند فشلها بحيازة القطعة الأكبر من كيكة السلطة.

الخبر المفرح الذي يبعث بعض البصيص من الأمل في نفوس العراقيين أنه مهما كانت الديمقراطية قناعاً تتغطى بها تلك الأحزاب الحاكمة ومهما طال الأمد وكثُر الجدال فإن الواقع السياسي سيكشف هؤلاء آجلاً أو عاجلاً وسيتخذ من التداول السلمي للسلطة طريقاً سالكاً للحكم حتى أصبحت الديمقراطية ورقة الضمان الوحيدة للعملية السياسية بديلاً عن الإنقلابات وسفك الدماء على أرصفة الشوارع، ولا نعتقد أن هذا الكلام يدخل من باب المثالية والمبالغة بدليل إن بعض الحركات الناشئة وأخرى المنشطرة من تلك الأحزاب بدأت تتخذ من الديمقراطية منهاجاً وخارطة طريق واضحة المسير للولوج إلى العملية السياسية أو حتى محاولات بدائية للخروج من النفق المظلم الذي كثُر الحديث عنه لدى الجميع وذلك ربما يكون هو بصيص الأمل.