رؤساء أقسام بمرتبة وزير في الاردن

الاستعراضات مهمة لوزير العمل السابق الذي يحظى بمتابعة واسعة على مواقع التواصل وربما تبادر الى ذهنه ان الوزراء يأتون ويذهبون ايضا في ما يشبه الاستعراضات. إذن فليكن ذلك!
لا يوجد ملمح للحياة السياسية في الاردن أوضح من تغيير الحكومات والوزراء
لكن لم يحدث ان تولى وزير منصبه لساعات معدودة فقط. والان اين ذهبت رؤيته وبرنامجه؟

تضيء موجة التغييرات الوزارية الأخيرة في الأردن على المدى الذي وصل اليه تشكيل الحكومات في هذا البلد حيث أقيل ثلاثة وزراء، من بينهم وزيران للداخلية في اقل من خمسة اشهر فقط شهدت ايضا تعديلا حكوميا واستقالة وزير بعد أداء القسم الدستورية بساعات.
رغم ان كثرة تشكيل الحكومات وتعديلها باتت عرفا راسخا للنظام السياسي الاردني الا ان التغييرات الوزارية الاخيرة في حكومة بشر الخصاونة والجدل والاستعراض الذي رافقها، ربما تكشف عن جوانب من الطريقة التي تُشكل بها الحكومات في المملكة والمهام المطلوبة منها وما هو مسموح لها التدخل فيه او ممنوع عليها الاقتراب منه.
تتحدد مهام الحكومة بتكليف من الملك الذي يرأس السلطة التنفيذية. تحصل الحكومات دائما على ثقة البرلمان. تستمر الحكومة بالعمل سنة او سنتين ثم تتشكل حكومة اخرى. وهكذا لا أحد يلمس تغييرا على السياسات ولا بصمة واضحة تتركها اي حكومة على الصعيد الداخلي أو في مجالات السياسة الخارجية.
مفهوم ان من الممكن بسهولة إقالة او استقالة اي وزير بصرف النظر عما كُلّف به او ما لديه من خطط او ما اتفق عليه مع رئيس الحكومة عند تشكيلها او الاعتبارات التي نال ثقة البرلمان بناء عليها. كما ان من الممكن سرعة تغيير الوزراء وبصفة فردية ولو كانت الحكومة بصدد إجراء تعديل وزاري وشيك.
مر على الاردنيين وزراء لم يستمروا في مناصبهم سوى اشهر قليلة او اسابيع او حتى ايام، لكن لم يحدث من قبل ان تولى وزير منصبه لساعات معدودة فقط. والان، اين ذهبت رؤيته وبرنامجه؟
السجال العلني بين الخصاونة ووزير العمل السابق الذي اقسم اليمين الدستورية امام الملك ظهرا واستقال في المساء، يفتح نافذة على أهمية الوزير الفعلية في إحداث فرق والمحددات التي تقيد قدرته على التحرك.
الخلاف بين الخصاونة ووزير العمل السابق يتصل بشؤون التشغيل والاستثمار، المفترض ان تكون ضمن الأولويات القصوى للحكومة خصوصا في ظل ازمة كورونا وارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص الاستثمار.
مع ذلك، أعيد ترتيب هذا كله بين عشية وضحاها وتبددت رؤية الوزير وبرنامجه ووعوده وتسلم الأمر وزير آخر. سبق ان اقيل وزراء او استقالوا او أزيحوا في تعديلات حكومية بعد مدة وجيزة من تعيينهم، لكن وزير العمل السابق، الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، اختار الاستعراض، الذي تجلّت من خلاله هامشية منصب الوزير في عيون الاردنيين وفي إستراتيجيات الحكومة ايضا.
أعلن الوزير السابق استقالته على فيسبوك ونشر صورة عن رسالة الاستقالة التي قالت الحكومة انها علمت بها من وسائل التواصل الاجتماعي. في اليوم التالي نشر الوزير السابق ايضا مقطع فيديو تمتزج فيه اسباب الاستقالة مع عبارات الولاء للملك ومقاطع اغنية وطنية وابيات من الشعر النبطي.
الاستعراضات مهمة للوزير الذي يحظى بمتابعة واسعة على مواقع التواصل وربما تبادر الى ذهنه ان الوزراء يأتون ويذهبون في ما يشبه الاستعراضات ايضا. إذن فليكن ذلك.
الوزير الذي قال ان سبب استقالته هو إبعاده عن ملف الاستثمار وتقليص موازنة وزارة العمل، ألم يكن قادرا على كظم غيظه لفترة أطول من ساعات أو ايام وايجاد طرق بديلة ومعقولة لتحقيق ما يريد؟ أليس من الأَولى التركيز على الاستقرار الحكومي والبلد تواجه أزمة صحية نالت من الاقتصاد الهش وأثارت توترات اجتماعية؟
بصرف النظر عن طبيعة الخلاف نفسه، الا ان ما أحيط به وما انطوى عليه يؤكد على أن كل الحكومات تعمل بشكل متشابه وتلقائي وضمن مسار مرسوم ولا توجد نكهة مميزة لحكومة دون اخرى.
السياسة الخارجية يحددها الملك عبدالله الثاني وليست ضمن المهام التقليدية للحكومات في العقود الاخيرة على الاقل. المالية العامة التي تماشي مطالب المقرضين والمانحين مرهقة بالعجز المزمن ومثقلة بالمديونية الكبيرة، وتقوم اساسا على القروض والمساعدات الخارجية والضرائب والرسوم. 
من المفترض ان ينعكس الخلاف بين الوزير السابق ورئيس الحكومة على خطط وزارة العمل. وهذا ما لن يحدث سواء مع هذه الوزارة أو مع حقيبة الداخلية التي تعاقب عليها اربعة وزراء في الأشهر القليلة الماضية.
لا يوجد ملمح للحياة السياسية في الاردن أكثر ظهورا من تغيير الحكومات والوزراء في ظل حالة الضعف أو الإضعاف التي يعيشها البرلمان والغياب شبه التام للأحزاب عن المشهد العام. 
موجة التغييرات الوزارية الاخيرة توحي بالصرامة والحزم، خصوصا فيما يرتبط بإدارة ملف الوباء، وقد تعطي دفعة لمن يأملون بأن تمثل سابقة او تحريكا للمياه الراكدة او علاجا لكثرة تغيير الحكومات. الا ان اوضح ما فيها شاهده الأردنيون على الشاشات.
ما دام الطريق مرسوما على نحو مسبق لكل الحكومات وهذا من الخصوصيات الأردنية، فما الذي يمنع من تغيير الوزراء في اي وقت ولأي سبب، مثلما يحدث مع رؤساء الأقسام التنفيذيين في شركة مثلا.