رانيا علي تبحث في توظيف التراث في أدب الطفل

لجوء الأدباء للتراث يؤكد ويوضح مدى غنى تراثنا العربي وقدرته على الاستجابة لمتطلبات العصر وللحاجات الروحية والجمالية، ويوضح دور الأديب في مدى إضافته لتراث أمته.

الأطفال كنز الأمة ومستقبلها المأمول، لذلك كان الاهتمام بأدب الأطفال؛ لأنه أيسر السبل لتعريف الأطفال بتاريخ مجتمعهم وأبعاده، والقصص من أحب الفنون الأدبية المحببة لنفس الطفل وأكثرها تأثيرًا في وجدانه، ومن خلالها نغرس فيه موروث الأمة، والانتماء لوطنه، والقيم والأخلاق الصالحة للمجتمع، فيصبح طفلا صلبًا ذا شخصية قوية، والعكس إذا كان الغرس هشًا وطغت العادات السلبية على الأعمال المقدمة له فتكون شخصيته ضعيفة.

ومن منطلق الاهتمام بتوظيف التراث؛ خاصة مع اللجوء للقصص المترجمة التي تصيغ وجدان الأطفال صياغة غربية، مما يبعده عن عقيدة أمته ومنهجها، فتُغير في طبيعة المجتمع والثقافة؛ لذلك كان من الضروري العودة لتراثنا لبناء الجيل بنيةً أخلاقية قويمة وتربيتهم فكريًا.

لهذا اختارت الباحثة رانيا علي موضوع توظيف التراث في قصص الأطفال في مصر من 2000 حتى 2020 ليكون عنوانا لرسالتها للماجستير في إعداد المعلم في الآداب تخصص أدب وبلاغة ونقد، حيث حصلت الباحثة يوم الأحد الموافق 9 يوليو/حزيران من كلية التربية جامعة عين شمس، وقد أشرف على الرسالة كل من أ.د/ وائل علي السيد  أستاذ الأدب والنقد كلية التربية جامعة عين شمس، و أ.د/ مجدي شمس الدين  أستاذ الأدب العربي كلية التربية جامعة عين شمس، و د. هند سعد علام   مدرس الأدب الحديث -كلية التربية جامعة عين شمس، وقد حصلت الباحثة على الماجستير بتقدير ممتاز.

وقد تكونت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من أ.د محمد يونس عبد العال أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس، و أ.د مجدي شمس الدين أستاذ الأدب العربي كلية التربية جامعة عين شمس، و أ.د مرسي السيد الصباغ أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة قناة السويس، وأ.د وائل علي السيد أستاذ الأدب والنقد بكلية التربية جامعة عين شمس.

وقد اختارت الباحثة دراسة قصص الأطفال؛ لما لهذه المرحلة من أهمية، ولإبراز أعمال كتاب أدب الطفل، وبالتحديد القصة ومدى توظيفهم واستخدامهم للمصادر التراثية بخاماتها المختلفة الثرية، وهل كانت رؤيتهم صائبة وجديدة لاحتياجات طفل اليوم من التراث؟! وهل قدموا رؤى جديدة لم تكن موجودة في النصوص الأصلية؟، وحاولت الباحثة الاستعانة والاستفادة بالمراجع المتوفرة والقصص الموجودة؛ لأوضح جهود هؤلاء المبدعين وأوجه نجاحهم وجوانب إخفاقهم.

وضعت أهداف الدراسة لرصد الظاهرة التراثية فيما يقارب تسعين قصة قدمت للأطفال من عام 2000 حتي 2020، وحرصت على اختيار قصص تختلف في المراحل العمرية المقدمة لها، كي تكون الدراسة معبرة وكاشفة عن الهدف الذي وضعت من أجله. وكان المنهج الوصفي التحليلي القائم على وصف الظاهرة التراثية في النص وصفًا دقيقًأ هو الأنسب لهذه الدراسة.

واعتمدت الدراسة على مادة بحث مكونة من تسعين قصة تقريبًا، جميع كتابِها مصريون ومنهم:

- أحمد طوسون، قصة "حكاية صاحب الغزلان"، حكومة الشارقة، 2006م.

- أماني الجندي "الخادم الأمين وثعبان السعادة"، دار المعارف، القاهرة، 2020م.

- ثريا عبد البديع، قصة "ضوء النهار والملك زنكار"، دار المعارف، القاهرة، ط7، 2018م.

- الطيب أديب، قصة "من أبطال الإسلام"، جنى للنشر والتوزيع، 2010م.

- عفاف طباله، قصة "عود السنابل"، نهضة مصر، 2013م.

- فاطمة المعدول، قصة "السلطان نبهان يطلب إحسان"، نهضة مصر، 2004م.

- محمد عبد الحافظ ناصف "الثائر الصغير"، دار المعارف، القاهرة، 2017م.

- منى لملوم "حيرة فرح" الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2016م.

- هديل غنيم، قصة "ليالي شهرزيزي"، دار البلسم ، الجيزة، 2019م.

- وجيه يعقوب السيد، مجموعة قصصية "أبطال صغار"، دار ديوان، الكويت، 2020م.

 وتطلبت خطة البحث أن يتكون من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة تشمل ما توصلت إليه الدراسة من نتائج، وملحق ترجم بعض الكتاب وأعمالهم.

قدم التمهيد أولًا: عدة مفاهيم نظرية أما الفصل الأول : تناول القصة في أدب الأطفال (مدخل تاريخي ، والفصل الثاني: التراث الديني، والفصل الثالث: التراث التاريخي، والفصل الرابع: التراث الشعبي. 

وعرضت الباحثة في الخاتمة أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الدراسة، وقد أعقبتها بملحق لتراجم الأدباء الذين تم تناول نماذج من أعمالهم.

ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة:

أولا: أن توظيف التراث في قصص الأطفال له أثر في المضمون وقد ظهر ذلك فيما يلي:

تنمية الروح الديني وغرس القيم الإسلامية كما في قصص: "أبطال صغار" للدكتور وجيه يعقوب، و"ابن الخياط" للكاتبة ثريا عبد البديع، و"حيرة فرح" للكاتبة منى لملوم، و"رحلة لؤلؤة" للكاتب أحمد طوسون.

تنمية الوعي الوطني والدفاع عن الأرض كما في قصص: " "الثائر الصغير" للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف، و"لالا فاطمة سنومر" للكاتب الطيب أديب، 

تزويد الطفل بالمعلومات الدينية والتاريخية والعلمية كما في قصص: "رحلة مع القرآن" للكاتبة إيمان عبد البديع، و"البطل ابن الشمس كامس" للكاتب السيد نجم.

تحقيق الإمتاع والتشويق كما في قصص: "ليالي شهرزيزي" للكاتبة هديل غنيم، و"عود السنابل" للكاتبة عفاف طبالة.

ثانيًا: من الناحية الفنية:

استدعت معظم العناوين التي وظفت التراث الديني ألفاظًا ودلالات قرآنية؛ لتبسط للنشء وصغار السن مثل قصة "كنتم خير أُمةٍ أُخرجت للناس" من سلسلة "قصة آية" للكاتب د/ وجيه يعقوب، وعناوين عبرت عن فترات تاريخية واستخدمت أسماء شخصيات تاريخية مثل: "إمحوتب..حكمة القلب" للكاتب ماهر عيد ، وعناوين حملت عبق التراث الشعبي في صياغتها مثل: قصة "وردشان والأمير حسان" للكاتب عبده الزراع و قصة "ليالي شهرزيزي" للكاتبة هديل غنيم، وقصة "عم أمين والمصباح السحري" للكاتب مصطفى غنايم.

أثرى الكتاب نصوصهم بتوظيف قصص الأنبياء واستلهام بعض أحداثها، فهناك من وظفها مباشرة بأسلوب يناسب الأطفال مثل: توظيف قصة سيدنا سليمان عليه السلام في قصة "سليمان في البستان" للكاتبة سمر قناوي، ، ومن الكتاب من استوحى قدرة نبي الله سليمان وفهمه لغة الطير والحيوانات مثل قصة "الخادم الأمين وثعبان السعادة" للكاتبة أماني الجندي، ومنهم من استلهم حدث إلقاء سيدنا موسى في اليم مثل قصة "ضوء النهار والملك زنكار "للكاتبة ثريا عبد البديع، وقصة "حكاية صاحب الغزلان" للكاتب أحمد طوسون. 

تأثر الكُتاب إلى الآن بقصة الفلاح الفصيح في كتاباتهم للأطفال مثل قصة "الثائر الصغير" للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف ، وقصة "القلم الساحر" للكاتب السيد نجم.

ما زال الكتاب يتأثرون بالتراث الشعبي، ويعد الأقرب إلى نفوسهم، والأكثر تناولًا في كتاباتهم، سواء في عناوين القصص، أو أسماء الشخصيات وصفاتها، أو بنية الأحداث أو لغة الكتابة وأسلوبها، فمنهم من استلهم بنية ليالي "ألف ليلة وليلة" للمتعة والتشويق وربط الأطفال بسحر تراثهم الشعبي مثل: قصة "عود السنابل" للكاتبة عفاف طباله، ومنهم من وظفها للأطفال توظيفًا معاصرًا؛ ليعالج مشكلة من مشكلات العصر وهي كيفية التحكم في لحظات الغضب لدى الأطفال مثل قصة "ليالي شهرزيزي" للكاتبة هديل غنيم، وهناك من استوحى في كتابة القصص بنية الليالي ليربطها بضرورة المشاركة وحرية الرأي والديموقراطية وأهمية العمل والعلم والإيمان في بناء المجتمعات، مثل قصة "السلطان نبهان يطلب إحسان "للكاتبة فاطمة المعدول، ومنهم ما استوحى بنية الليالي؛ ليتعلم الأطفال أمورًا معاصرة مثل: التحدي والتفكير والتخطيط وإنهاء المهام وكتابة التقارير، والتحفيز والتفكير في المستقبل والتطلع للنجاح، مثل قصة "أحلام وأميرات" للكاتبة سمية سعد الدين، ومن الكتاب من حاول أن يقارن تطور الوسائل التي كانت تستخدم قديمًا وسرعة التكنولوجيا وتوفيرها للوقت والجهد، مثل: قصة "رسالة السلطان" للكاتب السيد إبراهيم.

ومن التوصيات:

هناك العديد من كتب التراث مهملة نوصي الكُتاب بإحيائها وتبسيطها للأطفال، مثل: "الإمتاع والمؤانسة"، و"البصائر والذخائر": لأبي حيان التوحيدي...وغيرها من كنوز التراث.

توظيف أدب الرحلات، حيث خلت النماذج المنتقاة من قصص الأطفال من توظيف هذا النوع الأدبي.

من المشكلات الموجودة عدم مواكبة النقد المعاصر للعملية الإبداعية، فالعصر الحالي يحتاج مزيدًا من أصحاب الأقلام التي تخاف الله في كتاباتها، فالناقد الجيد الواعي الجاد الذي يتميز بالحيادية، يساعد في النهوض بالأمة وتحسين ثقافة الأجيال. 

لجوء الأدباء للتراث يؤكد ويوضح مدى غنى تراثنا العربي وقدرته على الاستجابة لمتطلبات العصر وللحاجات الروحية والجمالية، ويوضح دور الأديب في مدى إضافته لتراث أمته.

جدير بالذكر أن رانيا أحمد علي قد تخرجت في كلية التربية، جامعة المنصورة، وحصلت على درجة الماجستير فـي الأدب والبلاغة والنقد من كلية التربية جامعة عين شمس، كما حصلت على دبلومة الموارد البشرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مدرب معتمد من جامعة عين شمس، ومعد حقائب تدريبية، عضو الهيئة الاستشارية لمؤسسة رواء الثقافية والمجتمعية، عملت لأكثر من ثماني سنوات في مؤسسة البابطين الثقافية بالكويت، وعملت في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها في المدرسة الإنجليزية للبنات بالكويت، ناقدة لأدب الأطفال، وكاتبة لعدة مقالات في مجلة رواء الثقافية.