"رجل المكتبة" يصنع الحدث في بيت الرواية بتونس

بيت الرواية التونسي يستضيف الروائي العالمي والأرجنتيني الأصل ألبرتو مانغويل، الذي يعدّ ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ الأدب ورمز للقراءة في العالم.
مكتبة مانغويل تحتوي على أربعين ألف كتاب، وتبلغ عدد إصدارته الإبداعية خمسين كتابا
هناك سطر شعر، جملة في حكاية، كلمة في مقال، بها يستقيم وجودي
المكتبة ليست مكانا للترتيب أو للفوضى وحسب، بل إنها عالم الفرص

يستضيف بيت الرواية بتونس يوم 22 فبراير/شباط القادم، الروائي العالمي والأرجنتيني الأصل ألبرتو مانغويل، الذي يعدّ ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ الأدب ورمز للقراءة في العالم، وهذا دأب بيت الرواية منذ تأسيسه كأول بيت عربي للرواية، تحت اشراف الروائي والناقد كمال الرياحي صحبة فريق عمل متميز، في تقديم الأدب المحلي والعربي والعالمي أيضا، من خلال فنّ الرواية، لتحقيق المعرفة والتشجيع على القراءة، ممّا جعله بقعة ضوء في المشهد الثقافي التونسي. 
 "دون جوان المكتبات" كما وصفه المفكر والناقد الأميركي جورج ستاينر، أرجنتيني المولد وكندي الجنسية، روائي، مترجم، محرر، وكاتب مقالات. عضو في نادي القلم الدولي بلندن وقد مُنح الجائزة العالمية المعنية بالأدب الاسباني "فور مينتور دي لاس ليتراس" لعام 2017. كما شغل منصب مدير المكتبة الوطنية في بيونس آيرس قبل أن ينتقل للإقامة بتورنتو كندا.
تحتوي مكتبته على أربعين ألف كتاب، وتبلغ عدد إصدارته الإبداعية خمسين، موزعة بين الروايات مثل "العودة" و"العاشق المميز" و"أخبار آتية من بلاد غريبة"، وأيضا كتب النقد وكتب أخرى أرسى من خلالها بما يسمّى علم القراءة من خلال ثلاثة كتب نوعيّة "يوميات القراءة" و"تاريخ القراءة" و"فنّ القراءة". وترجمت دار الساقي بعض أعماله إلى العربية منها "المكتبة في الليل" و"كل الناس كاذبون" وكتاب "الفضول" القائل فيه :
" يمكنني القول بأن الفضول أوجب الاستطلاع خاصتي هو ملهمي، دائما ما أندهش من كمّ الأشياء التي لا أعرفها والتي تبدو مساحة لامتناهية تمتد خلف كل باب أعمد إلى فتحه".
لم يكتف البرتو مانغويل بتحريضنا على حبّ القراءة وعشق المكتبة، بل قام باقتفاء آثار "النصوص المكتوبة والمقروءة والمطبوعة" عبر مختلف العصور لشخصيات مؤثرة، مثل أرسطو وابن الهيثم وتشي غيفارا وخورخي بورخيس ودانتي أليغييري وعظماء آخرين من الشرق والغرب. وكأنه في بحث دائم عن مفتاح فهم العالم والولوج إليه، لكنه بحثَ فيها داخل نفسه أيضا، وهو القائل :
" هناك سطر شعر، جملة في حكاية، كلمة في مقال، بها يستقيم وجودي".
إنه القارىء المتمرّس والكاتب الفذّ ذو القريحة الأدبية والفنيّة، وربما من أمتع كتبه "قراءة الصور" الذي يقدم فيه قراءة باهرة ومتفرّدة تكشف عن غنى الذائقة البصرية لديه ومدى اطلاعه على الفنون الغربية من لوحات ومنحوتات مشهورة. 

بفضل عشقه للقراءة التي كرّس لها كل حياته، انفلت من صيغة الجمع ليرزخ كأيقونة في عوالم الأدب

يذكر أن مجمل إنجازاته كانت في النهج الإبداعي لفن القراءة وللتداعيات التي تربط بين الواقع والأدب العالمي وذلك بمتابعة التفاصيل العميقة للقراءة والغوص في عوالم الكتاب، ولطالما تناول الكتب ومؤلفيها بطريقة غير تقليدية، بل مبتكرة وعميقة، الشيء الذي جعل منه كاتبا استثنائيا مثيرا للدهشة، حيث يتجلّى كموسوعة تبهر القرّاء بغزارة معلوماته وسعة أفقه، كما أنه متحدث بلغات عديدة.
ويعتقد مانغويل أن ثمّة تجارب مشتركة في حياة معظم القرّاء هي الاكتشاف، بغضّ النظر عن المعرفة، فقد يفتح كتاب واحد مجالا لاكتشاف الذات والعالم برمّته.
كما عُرف الكاتب الأرجنتيني الأصل بمنهجيته المتميزة في الكتابة أيضا، التي أصلّها في الأدب المعاصر وخصّص جزءا كبيرا للنقد والمقالات واستحضار التاريخ في نصوصه المختلفة التي انبثقت من مجمل قراءاته وبحثه الأعمق في كل تجلياتها.
" جميعنا يقرأ نفسه والعالم المحيط به، من أجل أن ندرك من نحن وأين نحن موجودون، إننا نقرأ كي نفهم أو من أجل التوصّل إلى الفهم، إننا لا نستطيع فعل أي أمر مغاير. القراءة مثل التنفس، إنها وظيفة حياتية أساسية ".
هكذا يشكّل مفهومه الباهر وتقديمه الذاتي للقراءة التي تضاهي فعل "البقاء" وأيضا "المقاومة"، لذا عمدت الأنظمة الديكتاتورية في العصور الوسطى، وخلال الحقبة النازيّة إلى التخلّص من الكتب التي من شأنها أن تحقّق صحوة المضطهدين، وذلك بحرقها أو بما يسمى "الهولوكوست"  التي شكّلت ذروة محاربة الفكر والإبداع.
إن مانغويل - أكثر مما يتصّف به كاتب آخر - يكتب نفسه وتجربته المتفردة في القراءة ومدى فعاليّتها الخلاقة في الإنسان، كما يرسم رحلته الأخّاذة عبر المعرفة الهائلة من الكتب والحضارات، وقد شيّد نظرية إن المكتبات تجسد ذاكرة الافراد وكافّة الثقافات الإنسانية. 
في هذا الصدد يقول: "المكتبة ليست مكانا للترتيب أو للفوضى وحسب، بل إنها عالم الفرص".
لقد استطاع مانغويل أن يرسّخ تلك المركزية للكتب وأهميتها البالغة في حياة الإنسان من أجل مجتمع متحضّر وملتزم، في ظلّ عالم استهلاكي تحوّل إلى محرّك رئيسي للحياة المعاصرة يصعب اختراقه. لكن بفضل عشقه للقراءة التي كرّس لها كل حياته، انفلت من صيغة الجمع ليرزخ كأيقونة في عوالم الأدب.