رواسب جمهورية الخوف في سوريا

عززت سنوات الجمر السورية هوياتها الطائفية والعرقية على حساب الهوية الوطنية.

تُعد سوريا إحدى الدول الأكثر تعددية وكوزموبوليتية، فتعدد الشرائح السكانية شكّل نسيجاً سكانياً متسق التعايش والاندماج بين أديان ولغات وأعراق وثقافات متعددة، ولطالما نُظِرَ الى سوريا كلوحة متنوعة فريدة من نوعها تعكس عمقها التاريخي وحيويتها كمهد للعديد من الحضارات. ولكن السوريين الذين عاشوا نصف قرن في جمهورية الخوف والقمع يبحثون الآن مع سقوط آل الاسد عن ملاذ يتنفسون فيه هواءً بلا خوف.

لكن وصول جماعة متطرفة فكرياً ودينياً للسلطة يوقظ في السوريين رواسب الخوف، ورغم كل رسائل التطمين والكلام المنمق الصادر عن الادارة الجديدة إلا أن بعض التصرفات والقرارات والتعيينات لا تزال تؤجج هذه المخاوف على البنية الاجتماعية السورية التي بلا شك تفتت وتشظت خلال 14 عاماً من الحرب. ولا يخفى على أحد أن هناك من يضغط لإثارة الفتنة من جديد، وتفعيل الصراعات الطائفية والمذهبية من جديد، وتخطئ الادارة الجديدة تماماً عندما تحيل بعض الافعال الى "تصرفات فردية" فهذه اسطوانة مشروخة استخدمها نظام الاسد وباتت مملة وغير مقنعة.

ومع مشروع الاسلام السياسي القادم لدمشق والذي اختصره محمد قنطار احد المنظمين لمؤتمر الحوار الوطني السوري بقوله "نحن لم نحرر دمشق بصناديق الاقتراع بل حررناها بالبنادق"، هذا الكلام ينسف مبدأً ديمقراطياً، ويحمل صيغة إلغائية وإقصائية كأن سوريا لا تزال تحت حكم الأسد. بل يجعل من الشعار المرفوع والمتداول الآن "من يحرر يقرر" خطراً على مستقبل سورياً وعلى الهوية الوطنية السورية ومفهوم المواطنة على أسس العدالة والمساواة بعيداً عن سياسات التمييز.

سوريا الآن على مفترق طرق وبنيتها الاجتماعية لا تزال مهددة مع مخاوف تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، وانهيار الهوية الوطنية وربما تآكلها، وسط هوجة القرارات التي تبدو في اغلبها ارتجالية والتي تصل أحياناً لاستعراض القوة العسكرية كما حدث في دمشق قبل أيام باستعراض عسكري لجبهة النصرة وكأنهم يلوحون بالحل الامني الذي قد يكون بديلاً لعدالة انتقالية ولجنة لكشف الحقائق وتوثيقها في سبيل مصالحة وطنية حقيقية.

مما لا شك فيه أن سوريا واجهت تمزقاً عميقاً في نسيجها الاجتماعي والثقافي، لذا فالتحديات القائمة الآن صعبة وخطيرة، كتصاعد الطائفية التي عززت سنوات الجمر السورية هوياتها الطائفية والعرقية على حساب الهوية الوطنية، وتبادل الاتهامات التاريخية التي تعمق من الفتنة الداخلية، لذا على الادارة الجديدة التأكيد على الهوية الوطنية، وإشراك الجميع في الحوار، واعادة بناء الثقة بالدولة، وإلغاء مفهوم اللون الواحد في ادارة الدولة.