'ريتشارد جويل' يضع كلينت إيستوود في مرمى شظايا تفجير أطلنطا 96

فيلم المخرج الأميركي والممثل العملاق يتعرض لانتقادات حادة لاتهامه صحفية بمقايضة الجنس بالمعلومات، في اطار محاولته الدفاع عن شرطي تعرض لمظلمة كبيرة بعد الهجمة الارهابية ضد البطولة الأولميبية في 1996.

القاهرة - منذ أن عرض فيلم المخرج والممثل العملاق كلينت إيستوود (89 سنة) عرضا أول في مدينة أطلانطا مؤخرا، والضجة حوله لم تهدأ، فقد أثار الفيلم الكثير من ردود الفعل الغاضبة رغم أنه يروي قصة حقيقية وقعت فصولها في تسعينات القرن الماضي. صحيح أن الفيلم قوبل بعاصفة من التصفيق من جانب الجمهور الذي حضر عرضه الخاص، لكنه لقي بعد ذلك، هجوما عنيفا من جانب أطراف عديدة.

الفيلم بعنوان "ريتشارد جويل" Richard Jewell وهو يروي قصة رجل بهذا الإسم كان يعمل حارس أمن اكتشف ثلاث قنابل في حقيبة في الملعب الرياضي بمدينة أطلانطا حيث كانت تجري البطولة الأولميبية الصيفية عام 1996، فقام بابلاغ الشرطة وتمكن مع رجال الشرطة من اخلاء المنطقة المستهدفة بأسرع ما يمكن. وقد أمكن بالتالي تفادي وقوع الكثير من الأضرار والضحايا، فلم يقتل في التفجير سوى شخص واحد وجرح نحو مئة آخرين.

في البداية أصبح ريتشارد جويل بطلا في أنظار الرأي العام، لكن ضباط إدارة المباحث الفيدرالية الأميركية سرعان ما ألقوا الشكوك من حوله،وتسربت أنباء بأنه قد أصبح هدفا للتحقيقات والاستجوابات ظنا أنه قد يكون قد قام بزرع القنبلة التي انفجرت بالفعل بعد 11 دقيقة من اكتشافها.

وعلى الرغم من عدم توجيه أي اتهام رسمي إلى الرجل، إلا أنه قد أصبح هدفا لأجهزة الإعلام، قامت بتسليط الأضواء عليه وعلى حياته الشخصية، وأقامت له ما يشبه المحاكمة عبر القنوات التليفزيونية والصحف، وشوهت صورته بصورة مدمرة، إلى أن ثبت في نهاية الأمر أنه بريء.

يلفت فيلم ايستوود الأنظار إلى خطورة المحاكمات التي تتم عبر وسائل الاعلام خاصة بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب اليوم دورا بارزا في نشر الكثير من الأخبار الكاذبة والإشاعات بسبب ميل الكثيرين من مستخدمها إلى النشر السريع دون أي تدقيق. ولكن ما أثار الكثيرين خاصة العاملين في الصحافة، وبوجه خاص صحيفة جورنال كونستيتيوشن، أن الفيلم يصور المراسلة الصحفية لهذه الجريدة "كاثي سكراغس" وهي شخصية حقيقية، تعرض جسدها على أحد ضباط مكتب المباحث الفيدرالية، مقابل أن يكشف لها عن اسم الشخص المشتبه فيه.

وتقوم بدور الصحفية الممثلة أوليفيا وايلد المعروفة بأدوار الاغراء الجريئة، وهي تجسد شخصية كاثي سكراغسفتجعلها على استعداد للوصول إلى أقصى مدى من أجل الحصول على مادة صحفية مثيرة تكفل لها الصعود وسط اقرانها من الرجال الذين يتحكمون في "غرفة الأخبار"، وهي تقايض المعلومة بالجنس بشكل واضح وبلغة مكشوفة تماما في الفيلم.

إيستوود معروف بأنه من السينمائيين المحافظين في مواقفهم وآرائهم، وقد سبق أن أثارت بعض أفلامه الجدل بسبب تبنيها العنف. أما في فيلمه الجديد فهو يستند إلى افتراض درامي وليس الى حقيقة ثابتة عندما يصور حول الصحفية على المعلومة مقابل الجنس، فلم يثبت قط أن كاثي سكراغز مارست الجنس مع ضابط المباحث الفيدرالية. أما ما قد يدفع لمثل هذا الاستنتاج فهو أن الجريدة التي كانت تعمل لحسابها قد نشرت اسم ريتشارد جويل بالفعل قبل أي تصريحات رسمية أو اجراء أي تحقيقات رسمية معه.

الفيلم الذي يدافع عن سمعة شخص ما، لا يتورع عن تشويه سمعة شخص آخر

والفيلم يحاول القول إن ريتشارد جويل كان ضحية عدم التدقيق والتسرع، ولكن المفارقة أن الفيلم متهم أيضا بعدم التدقيق في تناول القصة الخاصة بالصحفية التي تعتبر تلويثا لسمعة سكراغز التي توفيت عن 42 عاما عام 2001.أما ريتشارد نفسه فقد عانى الأمرين وظل حبيسا لفترة طويلة بين جدران منزله بسبب الحصار الذي فرضه رجال الصحافة والاعلام من حوله، ومطاردته في كل مان كان يذهب إليه بالأسئلة. وقد توفي عام 2007، ويقال إنه توفي متأثرا بما عانى منه من أنكار وبعد ان أعتبر في البداية بطلا قوميا لشجاعته وتدخله لإنقاذ حياة الكثيرين.

ومن أسباب الهجوم على فيلم ايستوود أيضا أنه بينما استخدم اسما غير حقيقي لضابط المباحث الفيدرالية في الفيلم، يستخدم الاسم الحقيقي لكاثي سكراغز. كما اعتبر الفيلم تشويها لجهاز المباحث الذي يتعرض لهجوم شرس من جانب الرئيس ترامب منذ فترة. ومعروف أن صحيفة نيويورك تايمز أكبر وأشهر الصحف الأميركية، كانت قد شككت كثيرا في مسالة احتمال تورط ريتشارد جويل في التفجير الذي وقع، وحذرت باقي الصحفيين في مقال نشرته وقتها، من المغالاة في استخدام مادة لا أساس لها أو لا يتوفر دليل عليها كافٍ.

أما صحيفة جورنال كونستيتيوشن فقد لوحت بأنها ستلجأ للقضاء ضد شركة وورنر التي توزع الفيلم، وأرسلت خطاب احتجاج اليها قالت فيه إن الفيلم الذي يدافع عن سمعة شخص ما، لا يتورع عن تشويه سمعة شخص آخر. أما وورنر فقد أصدرت بيانا قويا نددت فيه بموقف الجريدة وقالت "من المثير للسخرية أنه بينما كانت الجريدة قد أسرعت بتبني اتهامات تسيء إلى ريتشارد جويل، فهي تحاول الآن تشويه سمعة فريق الفيلم". ومن جهته رفض ايستوود الانتقادات الموجهة للفيلم وسخر منها دون أن يتطرق تفصيلا في الرد عليها. والجدل لايزال مستمرا حول الفيلم!