زين الأحمد والخراب في المشهد الأخير
ربما كانت حاجة التشكيلية زين الأحمد ماسة لهذا الحمل المخيف. فالمشهد لن يكون الأخير، والخراب سيمتد ويمتد. أقول أن حاجة زين لهكذا مشروع كبير وقد يكون ثقيلاً على كاهلها وإن كانت تتقن ممارسة مفرداتها التي تندرج في تأريخ تحققها الذاتي مع يقيني التام أنها لم تخفق بل كاد مشروعها أن يتحول إلى ظاهرة على صعيد الإحساس بالمكان وبعثرة الروح فيه.
خلقت زين صيغ صالحة لحمل الكثير من التساؤلات ورميها في مجمل الأعمال التي شكلت مشروعها الأخير في المعرض التي أقامته مؤخراً في دار وغاليري الكلمات في اسطنبول، فهي تندفع في كل السبل لتكريس نصوصها البصرية كجزء مهم من المعضلة المعقدة التي نعيشها وتعيشها سوريا.
قد لا يكفي ما قالته بأسودها حيث الخراب كبير، لكنها ستبقى في حاجة إلى البحث عن أفق جديد فيه تبعثر الأنساق القادرة على فرز تلك التراكمات للتواصل مع منحى آخر لها فيها تلاحق أدق القضايا بتفاصيلها الفاعلة في عمق الإنسان، فهي بصدد توثيق الذهنية الباحثة عن شروط الإنعتاق في بعديه الزماني والمكاني، فزين بذلك تجعلنا ندرك بأنها تحرث في حقل يسحق على مشارفه، بل على حوافه بل في عمقه كل الوعي بعتباته الحاملة لتلك للحظات الآيلة للسقوط.
تقف زين أمام إنعطاف فيه ثيمة بناء المعرفة بصرياً، قد لا يلبي ذلك كل حاجتها لكنها ترميها للمتلقي لجره إلى حاضن ربما غادره قبل قليل أو ربما لم يغادره مطلقاً. فعملية بناء المعرفة لديها سابقة لتلك المسافات الغامضة في ثنايا وبين فسحات أعمالها في مشروعها هذا، وبذلك هي تسوِّغ حالات التراكم من هذا الخراب بمصداقية أحاسيسها مما تجعلها تعطي مشروعها دلالات واضحة فيها تنتقل من فكرة الإنتاج إلى فكرة التسويق. فالمتلقي عندها تشكل البعد الأهم ولهذا هي تقف بموازاة منتجها الجمالي للوصول إلى فعل له منحى اللحاق بمقامات مختلفة، تلك المقامات التي تبحث لها عن مخارج خارج السيطرة، عن مخارج لها أهميتها في مسألة تخطي ما يندرج في الأفق الجمالي الآخر، فهناك تتقدم إلى المشهد الذي لن يكون الأخير قضايا تتغلغل في روح الإنسان كشكل لإيجاد أفق أوسع وأرحب لتحقيق مقولتها الفنية وبأن التراكيب لا بد أن يجعلك تتابع عمليات الخلق مهما كانت عسيرة، حتى لو زلزلت كل تلك التحولات المترابطة بإنغلاق الأبواب داخل منتجها بتشخيص يؤول عليه في ترتيب تلك الفوضى الجادة بإيجاد شروط الملاءمة والإنخراط في الحكايا من لحظة حدوثها بالتساوق مع لحظة الإنتاج وصولاً لمقولات أساسية تستر الأغراض المقترنة بعراقيل جمة، يبدو عليها إشغال العناصر المستجدة بتفكيك المعادلة في ضوء ما أنجزته.
ترسم زين الإشكالية الإنسانية ببعض الإلتباسات غير المقيدة، وهذا ما يجعلها تثور بحساسية غابرييل غارسيا ماركيز حين تطرح نفسها الجزء الفاعل في العمل فتخلق حواراً بين مفردات هذا المكون الذي هي عصبها الباحث عن الروح بوصفها تقدم المشهد الأخير لتسدل الستار على الشموع الذائبة، وتغضب بغلبة التفكير على التكوين فتلخصه بألوان قليلة لكنها بليغة تتحول عبر ريشتها وبدافع باطني وشعوري حقيقي إلى مادة تختلف حتماً عن السائد بل تحتمل مدلولات كثيرة، فالسرد البصري لديها يجعلها تصعّد المشهد دراماتيكياً فلا تأبه زين مطلقاً للحظات الخلق التي تشكل عندها كشكل للتحايل على إدراك حريتها وذلك في توجيه لغتها وبمقاربات تاريخية نحو إنشطارية الحالة بإشارات دقيقة ستكشف تفاصيل مشروعها كقيمة معرفية جمالية أولاً وتوثيقية ثانياً.