سطحية ثقافية تغلفها الفانتازيا السينمائية في 'إيميليا بيريز'
الرباط – يتناول فيلم "إيميليا بيريز" للمخرج جاك أوديار قصة امرأة تُكلف بمساعدة زعيم عصابة مكسيكي هارب لإجراء جراحة تغيير الجنس، بهدف التهرب من السلطات وتأكيد هويته الجنسية.
الفيلم من سيناريو أوديار، ومن بطولة زوي سالدانيا، كارلا صوفيا غاسكون، سيلينا غوميز، وإدغار راميريز، كما ساهمت المطربة الفرنسية كاميلي في تقديم الأغاني الأصلية.
عُرض الفيلم لأول مرة في الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، وتم اختياره للمنافسة على جائزة السعفة الذهبية في فئة المسابقة الرئيسية، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم، بينما حصلت فرقته النسائية على جائزة أفضل ممثلة.
تقدم قصة "إيميليا بيريز" المكسيك كخلفية عاطفية مثقلة بالفانتازيا البصرية، بعيدة عن الوجدان المكسيكي الأصيل، إذ تفتقر الرؤية الفنية إلى العمق الحقيقي، ما يجعل المكسيك تبدو مجرد صورة سطحية مرسومة في استوديوهات باريسية. كلما تعمقنا في تفاصيل المشاهد، تزايد الشعور بالاغتراب عن الواقع المكسيكي المعيش، فيما يفرض المخرج طابعًا مصطنعًا يفقد العمل جوهره الثقافي. المشاهد تبدو نتاج خيال بعيد عن الأرض التي يتناولها الفيلم، حيث يغيب التفاعل المباشر مع المجتمع المكسيكي، لتتحول المكسيك إلى مجرد تكوينات بصرية تفتقر إلى روح الواقع.
يعاني البناء السردي من التشتت وفقدان التماسك، إذ يؤدي التلاعب المفرط بالصور والموسيقى إلى تأثيرات عاطفية مشوهة، تفتقر إلى هدف فني جاد. فالمشاهد الموسيقية الطويلة، المليئة بالصور المبهرة، تتداخل مع عناصر درامية غير مترابطة، ما يجعل الفيلم أشبه بعرض هزلي أكثر منه سردًا متماسكًا لقصة درامية.
أما شخصية "إيميليا بيريز"، وهي المحور الأساسي للفيلم، فتعاني من غياب التحولات العاطفية المقنعة التي تجعلها تحرك المشاعر البشرية بصدق. فبدلاً من أن تظهر ككائن معقد يواجه صراعًا داخليًا، تظل شخصية مسطحة تتنقل بين الأدوار المختلفة دون أن تغوص في عمق الصراع الذاتي. الصراع بين الخير والشر الذي تعيشه يبدو مفتعلًا، وأفعالها غير متسقة مع جوهرها، ما يفقد الشخصية مصداقيتها.
يسلط الفيلم الضوء على قضايا اجتماعية مثل العنف ضد النساء والاختفاء القسري، لكنه يفشل في التعمق في أسبابها الحقيقية أو انعكاساتها على المجتمع، مكتفيًا بمعالجة سطحية لا تخرج عن إطار المشهدية البصرية. يقدم الفيلم المكسيك كمكان يعجّ بالألم، لكن دون أبعاد حقيقية لهذا الألم، ما يجعل التناول الدرامي فاقدًا للأصالة.
كما أن اللغة السينمائية والسردية تعزز الشعور بالانفصال عن البيئة المكسيكية، حيث يبدو الممثلون وكأنهم يتحدثون في عالم آخر بعيد عن الواقع المكسيكي، إذ تفتقر حواراتهم إلى الطابع المحلي، حتى حين تتطلب خلفياتهم الثقافية ذلك، ما يزيد من سطحية العمل ويضعف ارتباطه بالواقع الذي يسعى لتقديمه.
يعد جاك أوديار أحد أبرز المخرجين وكُتّاب السيناريو الفرنسيين، وُلِد في باريس وحقق شهرة واسعة من خلال أعماله التي تتناول مواضيع إنسانية واجتماعية معقدة. حاز على العديد من الجوائز العالمية، من بينها جائزة سيزار لأفضل مخرج وأفضل فيلم عن "النبي"، كما حصل على جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام "بافتا" عن أفضل فيلم بلغة غير الإنجليزية. من بين أبرز أعماله أيضًا "صدأ وعظم" و"فوز بان قلبي تخطى"، حيث ركّز على قضايا مثل التعافي من الصدمات الإنسانية والعلاقات المعقدة.