سقوط أقنعة الهيبة والشعارات الكبرى الجوفاء

همسة يونس: وسائل التواصل الاجتماعي باتت هي المتنفس الوحيد لكل البشر على اختلاف مشاربهم وأفكارهم.
أحمد عامر: الأزمات الكبرى كالوباء والطاعون والحروب العالمية كاشفة لحقيقة الثقافة والمثقفين في المجتمع
سامح كعوش: كورونا سيخلد في الذاكرة الثقافية العالمية
رسول محمد رسول: كورونا حطّ من كرامة الإنسان
عبدالمالك أشهبون: أجدني مشدودا في هذه الأيام، إلى رواية "مائة عام من العزلة" للروائي العالمي غارسيا ماركيز
مهند الدابي: أخاف هذا العالم الضيق
مصطفى الصاوي: الأزمة قد تحدث تغيرات في عالم يسوده الاستبعاد الاجتماعي والإقصاء الاقتصادي

تتعدد رؤى وأفكار المثقفين العرب في العزلة التي فرضتها جائحة كورونا، فتارة تذهب لقراءة المشهد الآني وأبعاده المستقبلية، وتارة إلى تأثيرها المباشر عليهم وعلى المشهد الثقافي والإبداعي العام، وتارة تطالب بالاستقلال عن التبعية للرأسمالية العالمية التي كشفت عن عدم إنسانيتها في مواجهة وباء، وتارة تنكفيء على نفسها قراءة وكتابة وإبداعا، فوسط تواصل هستيريا الوباء اجتياح العالم شرقه وغربه، خوفا وفزعا من النتائج المتوقعة لتأثيراته وانعكاساته على المشهد الإنساني على اختلاف تجلياته، يخشى أن يمتد العزل الإجباري مع توقعات عدم الوصول إلى لقاح ناجع قبل 18 شهرا.
وفي الحلقة الثالثة من تحقيقنا "المثقفون العرب في مواجهة كورونا" تتواصل الرؤى والأفكار.
ترى الكاتبة والشاعرة همسة يونس أن هذه الأزمة بالعزلة التي ترافقت معها شكلت منحىً جديداً للمثقف والثقافة ليتخذ الإبداع مسارات مختلفة ومبتكرة. ربما بعض المثقفين لم يتعاملوا مع ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل جدي لاستثمارها لصالحهم وصالح الثقافة، لكنهم اليوم مضطرون للتعامل معها بشكل مطلق، لذلك هم مطالبون اليوم باستثمارها بكل طاقاتهم الإبداعية. كما أنني أرى أن المثقف اليوم بات رسولاً مهماً لتأكيد ثقافة الإنسانية ونبذ الطائفية ابتداءً من نفسه وترسيخ قناعة تتناقلها الأجيال القادمة مفادها أن الإبداع إن لم يرتكز على الإنسانية فهو إبداع مبتور.
وتلفت إلى أنه أمام أزمة كورونا اليوم وهذه العزلة الإجبارية باتت وسائل التواصل الاجتماعي هي المتنفس الوحيد لكل البشر على اختلاف مشاربهم وأفكارهم. لذلك أعتقد أن المثقف اليوم سيكون أكثر ارتقاءً حين يتقبل ما ينشره الآخرون من مشاركات بدلاً من أن يراها ركيكة أو ضعيفة أو أن يعتبرها تعدياً على الإبداع والثقافة. فالأجدر به كمثقف ومبدع أن يحفز تلك المشاركات البسيطة ويساهم في تشجيع صاحبها على تطوير أدواته وتقوية نقاط الضعف فيها. هكذا يكون المثقف والمبدع قد ساهم بشكل إيجابي غارساً رسالته السامية في نفوس الآخرين، فلا تكون كلماته في عالم الثقافة والمثقفين مجرد شعارات جوفاء بل تحمل بين طياتها رؤيةً مختلفة قادرة على صنع التغيير الإيجابي المنوط بكل مثقف حقيقي.
الوعي والضمير
يلفت الناقد المسرحي د.أحمد عامر إلى أن الأزمات الكبرى كالوباء والطاعون والحروب العالمية كاشفة لحقيقة الثقافة والمثقفين في المجتمع مثلما هي كاشفة لكل جوانب النظام الاجتماعي والسياسي في كل بلد. ويضيف: المبدعون إما أن يتحملوا مسئولياتهم الاجتماعية ويقوموا بأدوارهم كمبدعين أو كشخصيات عامة لها رصيد لدى جماهيرها، وبالتالي فيمكنهم استثمار هذه الأرصدة في توعية الشعوب ومطالبتهم بالحذر والتزام البيوت وتحمل المسئولية بدورهم. والمثقفون إما أن يكون لديهم القدرة على التعامل مع الأزمة بوعي واستشراف، أو تكشف الأزمة قصورهم وحقيقة وعيهم.
وينفي عامر أن تقوم الأزمة في مراحلها البسيطة بتغيير أحد، حيث سنعود بعدها كما كنا، كل على قناعاته وسلوكياته، لكنها متى أوجعتنا وأفزعتنا لا قدر الله فستجبر الجميع على تعلم دروس لم يسبق لهم خوض معاركها على مستوى الوعي والضمير، وفي هذه المعارك سوف يتغير البعض ليكون أكثر إنسانية وإبداعًا وسموًا، ويتحول البعض ليكون أكثر انتفاعًا من الأزمة ولو بسبل رخيصة ومنحطة، وللأسف فإن الأزمات الكبرى تاريخيًا حطمت الكثيرين فانهاروا تمامًا حتى وصل انهيارهم في كثير من الحالات للانتحار.
وفيما يتعلق بتقييم وضع الثقافة والمثقفين حاليًا، فيوضح: نحن بائسين جدا للأسف الشديد، وليس أدل على ذلك من أن القرار الوحيد لممثلة الثقافة على مستوى الدولة هو إغلاق المسارح ومنع التجمعات، وأنا لست مختلفًا مع القرار، لكن أين الثقافة وما هي قبل الأزمة وأثنائها، والفهلوة والسبوبة هما قانونا العمل الثقافي منذ سنوات إلا من رحم ربي من قابضين على سعيهم ولو عبثًا مقاومين الإحباط واللاجدوى وما نعيشه كلنا ونعرفه جيدًا وإن أردت فيه تفصيلا، فصلت، فالتفاصيل كثيرة.

الذاكرة الثقافية
ويرى الشاعر والناقد الأدبي الفلسطيني سامح كعوش أن للثقافة مع الحياة علاقة وطيدة ورابطا جدليا، تتأثر إحداهما بالأخرى وتتأثر بها، وبهذه العلاقة يكون للمنتج الثقافي خصوصيته وملمحه الأجمل، حيث إنه ينتقي من الحياة تفصيلاً ما، ليحلّق به في سماوات الإبداع، جاعلاً منه أيقونةً أدبية وجمالية في مجالات الثقافة المختلفة من أدب وفن وسينما وغيرها، ولكورونا في هذه اللحظة المصيرية من عمر الإنسانية هذا الأثر في الحياة والتأثير في الثقافة، فهو فيروس أصاب دول العالم أجمع، وبات علامة فارقة وإن مأساوية في مجتمعات خسرت الآلاف من أبنائها، وأسر فقدت أحباءها، حتى نستطيع اليوم أن نؤرّخ الزمن بما قبل كورونا وما بعدها، كما كان الأمر عليه بما قبل الحربين العالميتين وما بعدها، وهنا يمكن للمثقف أن يمارس دوره المعهود والمنتظر في مقاربة هذا الفيروس بنص شعري أو سردي، أو فلسفي وتنويري، أو منتج إبداعي بلوحة أو فيلم أو غيره، عاكساً ما يمكن أن نعتبره إسهاماً إيجابياً في تأطير الحالة، ليصبح كورونا تفصيلاً صغيراً في حياة البشرية وعمر الثقافة والأدب.
ويشير إلى أنّ كورونا سيخلد في الذاكرة الثقافية العالمية، أما عن الثقافة العربية والمثقفين العرب، فسيمر وقتٌ تنتشر فيه كورونا كما فعلت في أوروبا وأميركا، لأننا لسنا شعوباً منظمة كما الصين، وحينها فقط سيكون لكورونا أثرٌ إبداعي عربي، وعن المفاهيم الثقافية التي ستغيرها أزمة وباء كورونا المستجد، فسيكون للمثقف العربي وقفة طبعاً، وربما متأخرة، لأننا اعتدنا من مثقفينا التفاعل مع الحدث بعد وقوعه وبفترة طويلة، وقد يمكننا أن نباشر منذ هذه اللحظة، مقاربة هذا الوباء لفهم تحدياته في الحاضر وتداعياته في المستقبل القريب، بوعينا الثقافي وحساسيتنا الجمالية التي تتمسك بالأمل، وتسخّر نفسها لخدمة الإنسان والإنسانية، بالحب والفرح والتعامل مع الوباء كفرصة للتقارب والتحابب والحفاظ على موارد الأرض الطبيعية، وكسر احتكار رأس المال، واللجوء إلى الروحانيات إذا لم يكن للإنقاذ الإلهي فللسكينة الداخلية لكل مؤمن منا على الأقل.
حالات عجز
ويوضح الشاعر اليمني محيي الدين جرمة أن العزلة كخلوة أو طقوس بعينها من أجل الإبداع بقيت خيارات كثيرين، كمزاج قار ولصيق بعملية الإبداع أو اللحظة الشعرية، وهي عزلة إيجابية وليست سالبة كما قد يرى البعض، والأكيد أن أزمة "كورونا" ستترك أثرا على شخصية الأفراد، كما على شخصية الدول الاعتبارية وتلك المهيمنة لما أحدثته من حالات عجز في طرق المعالجة والوقاية، إضافة إلى تعريته جوانب شتى من أقنعة هيبة بعض البلدان وتلك الدول التي يشكل الخطر فيها حضورا رغم توافر الإمكانيات في الإحتواء أو التعقيم والاحتراز، واهبة الحيطة المجتمعية تجاه المرض الذي يعكس تفشيه أكثر من بعد لا يستبعد البعد السياسي في الأمر ضمن معادلة الصراع والسياسة والمصلحة. 
وينبه جرمة إلى أن دور الأديب أو الكاتب، لا يتعدى الذهاب والتحليق عبر المخيلة واستراتيجية اللغة والتجربة في استلهامات نصه تيمة غير مألوفة بالنسبة لجائحات سبقتها، وتظل انعكاسات وأبعاد هذا المرض الذي اجتاز حدودا وكسر حواجز كثيرة ليغدو ضمن نسق العولمة التي عولمها هي الأخرى، إن لم يكن قد جمد منتجاتها وصرف الأنظار عنها، بحثا عن التوصل إلى أولويات ابتكار واختراع أمصال علاجية تتصدى لهذا الوباء الذي أدخل العالم وشعوب العالم الغنية منها قبل الفقيرة في حيرة وارتباكات، بقدر ما جسّد أمية الشعوب والبلدان خبراء ومتأخرين، حيال موضوعة الإمساك بخيط المرض، وفتح محضر دولي وإنساني ملح حول ملابساته الكارثية في ظل تضليل عالمي يمارس عن حقيقة ما وراء الكارثة، وإن بزعم تصريحات متخرصة تغرد عالميا "أن الوباء خرج عن السيطرة" وهي جملة ونغمة سياسية مشروخة طالما قد استخدمها حتى أعتى ديكتاتوريات البلدان العربية والآسيوية المتخلفة، بأكثر من معطى واقعي. 
ويضيف: أوبئة مصنوعة عكست قدرة في إرباك سيكولوجيا العالم أكثر من القدرة المباشرة لمجرد التغيير العابر للحدود، ذلك أنها قد غيرت جذريا هوية النظر إلى المرض أيا كان، بحيثيات هويات جديدة وصادمة، قاتلة غالبا، اتخذت - كما أسلفت ضمن شروطها الوقائية - نظام العزل القسري الذي يتقاطع من بلد الى آخر. من حيث الفتور والاستجابة لجهة التحصين الآمن تجاه طبيعة المرض وانتشاره، في حين يعمل وباء الكورونا على عولمة العولمة ذاتها، وقد غدا برأيي هو المنتج الذي لا يخضع لأي دمغة جمركية ولا إلى تفتيش من أي نوع بقدر ما يتلبس المرضى بموت يعد بالتكاثر، وخارطته تتسع، لتدهس كل نظم المنافذ الحدودية وفساد ورشى عاطلي الضمير الوطني للبلدان.
العدو الشيطاني
يؤكد المفكّر الروائي العراقي د.رسول محمد رسول أن المثقف بكل أشكال تخصصه المعرفي والجمالي والعلمي هو "إنسان" في القضايا التي يشترك فيها مع نظيره الإنسان، وفيروس كورونا ينطوي على عمومية تأثيره في الإنسان في عمومه بغض النظر عن كل جهويّاته، ولذلك فالمثقف يتأثر بالعمومية التي لهذا الفيروس، ومنها عزلته المكانية (الدار)، وتلك هزيمة لحريته المعهودة في كل يوم، والأمر طال في عدد الأيام حتى الآن، فقد توقف صدور الجرائد والمجلات وبقية الدوريات سوى القليل..، ولم تعد النشاطات الثقافية معلومة المكان قائمة، فأنكفأ المثقف، وهو "مُرسل"، كل في داره، وأنكفأ الجمهور وهو "المتلقي" كل في بيته، فانعدم التواصل، ولم يبق سوى "الفيس بوك" أداة تنفلت من العزلة والحجب والإلزام في الدار، ولكن حتى هذه الأداة انشغلت بهموم هذا الفيروس. وما لا أحبّه في معالجة هذه الأزمة هو نزول الجيش في المدن والأحياء السكانية والشوارع، أنا لا احب العسكرة لكونها ليست جهة الاختصاص في الأمور الصحية، والمؤسسات الصحية العربية هي فاشلة من حيث ارتباك الكوادر الصحية المتخصصة فاستعانت الحكومات العربية بالجيش، ولم ألمس من هذا الجيش سوى العنف، وتلك مصيبة.
ويتابع أن دور المثقف هو أن يلعب دوراً في الثقافة للمشاركة في المشهد الثقافي وإثرائه، لكن العزلة المكانية ضيقت عليه وبالتالي حجّبت هذا الدور. نعم المثقف يقرأ ويكتب وهو في بيته، كما هو معتاد، لكنه الآن يفكّر بسقف العدو الشيطاني (فيروس الكورونا) الذي يمكن أن يداهمه في كل لحظة ويرديه عليلاً أو قتيلا! وهنا عليه الصمود في وجه هذا التحدي، وصموده أن يقول ثقافته أو التأريخ لهذا الحدث الضار في الإنسانية، وأقصد تحدي الفيروس كورونا.
ويشير رسول إلى أنه صراع بين الدول الكبرى لكنها سقط في الفخ اللعين ولم تنجُ منه كل الأطراف، وها هي تبكي وتنوح، ولاحظت أن شيوع التفسير الخرافي والأسطوري قد أتت لحظته في تفسير هذا التحدي، وهو ما يزفه المتخلفون في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى العالم المتحضِّر أن يعود إلى عقله وتقلّبات الطبيعة في معالجة هكذا أزمات، وبدلاً من تصنيع السلاح لأغراض الحروب عليه أن يوفر الأدوات الصحية لمثل هذه الأزمات، تصوّر أن دولا بحالها تفتقر إلى أعداد من الواقيات القماشية التي لا يتجاوز سعرها "ثلاثة سنت" هي شبه مفقودة من الأسواق! 
لا يزال المثقف العربي يجتر تجارب كبار الكتاب الذي تعرّضوا في كتاباتهم إلى الفيروسات، وأتوقع بعد عام ستصدر روايات عربية تتناول فيروس كورونا في أحداثها، وكذلك الشعراء والمسرحيون وغيرهم، وليعلم كل هؤلاء هناك مصابون موتى بالفيروس حتى الآن لم يدفنوا في قبورهم، وهناك دول أحرقت جثامين الموتى بالأفران النارية، وهناك ما لا أدريه..، وكله يدل على أن الإنسان لا يزال مهزوماً في حياته ومماته، إن "فيروس كورونا" حطّ من كرامة الإنسان.
أعظم نعمة الخيال
ويقول الناقد المغربي د.عبدالمالك أشهبون: في سياق الحديث عن العزلة أجدني مشدودا في هذه الأيام، إلى رواية "مائة عام من العزلة" للروائي العالمي غارسيا ماركيز، وذلك في إطار ما بات يعرف بمجال "إعادة قراءة"، إبداعات كان لها يوما أثر ما في نفوسنا، ولم نستطع تقييم هذا الأثر في القراءة يومها، وها نحن نعيش أقصى درجات العزلة، من هنا باتت العودة إلى قراءتها أمراً ملحاً. ولأن الغموض يظل سيد الميدان الى أن تنجلي الغمة، ويتم تقييم الآثار والتبعات بشكل منهجي وعلمي، وليس بالارتسامات والتهيؤات والعواطف الجياشة، حتى لا نسقط في نوع من الشعوذة الفكرية والسياسية التي يمجها العقل وتنبذها العقلانية، يجد الإنسان في هذه الظروف الاستثنائية، وتحت وطأة هذا الكابوس، وقد أحرق كل سفنه، مستعيدا قول الراحل محمود درويش: "حاصر حصارك لا مفر"، متسلحا بسلطة الخيال: به يخرج إلى الشارع، يقفز فوق كل الأسوار، ويعبر كل الحدود، ويقطع كل المسافات. فما أعظم نعمة الخيال على بني الإنسان.
ويشير أشبهون: إذا كان وراء كل نقمة نعمة، فقد كان من حسنات الحجر الصحي الاضطراري أن جعلنا نكتشف المنزل الذي نقطن به، بعدما كان فضاء للبيات أو نقطة عودة من أجل انطلاقة جديدة. أصبح المنزل فجأة فضاء عامرا بما يشغل البال بخصوص واقع مؤثثاته، وها أنذا انخرط في عمل يومي يروم إعادة ترتيب، أو تموضع، أو إزاحة هذا الشيء أو ذاك..إلخ، وحسب تعبير الروائي والشاعر صلاح الوديع "ربما يكون هذا الحجر الاضطراري مناسبة لاستحضار علاقتنا بالمكان والفضاء والزمن والوجود...".

كما أن العزلة كانت فرصة مواتية لإتمام مشاريع بحثية كانت متوقفة منذ مدة بفعل تلاحق الأنشطة وتزاحم الانشغالات. وفي هذا السياق، يذكّر الروائي والفيلسوف سعيد بنسعيد العلوي، بأنّ "الأزمات التي تعرفها كل دولة في العالم تكون مرحلة تنبيه للوعي بالذات" من جهة، وتزيل الغشاوة التي تعمي أبصارنا ممثلة في الخرافات التي تجعل الدين ضد العلم والدين ضد العقل.
لا مجال للمغامرة
ويسرد الكاتب الروائي السوداني مهند الدابي حالته الخاصة بينما يعتذر عن الكتابة، فيقول "حاولت الكتابة ولم أستطع، لدينا حظر تجول منذ الساعة 6 مساء وحتى 6 صباحاً، وقطوعات الكهرباء نصف يوم مقابل آخر. المحلات التجارية مزدحمة ولا مجال للمغامرة بالخروج، تخاف زوجتي مني وأنا أخاف من بناتي، أشعر بالسوء كلمّا خرجت إلى شرفتي لأدخن، وكلّما اخترت كتابًا لأقرأ وجدتني أقرأ الفراغ بين السطور المحبرة، وعندما ألوذ بشاشتي الضخمة كل ليلة أجدني أشاهد فيلماً جديداً أو مكرورا.. أستطيع هنا أن أخبرك دون خجل بأنني أخاف، نعم، أخاف هذا العالم الضيق، ليس من الجيد أن نردد تلك العبارة البائسة "لقد أصبح العالم قرية صغيرة"، لماذا يريد الناس أن يصبح العالم غرفة صغيرة مختنقة وسيئة التهوية، لماذا، لم أتمكن من إجابة تساؤلاتك، لا أستطيع في هذا الوقت أن أفكر بعقلانية، ربما لأنني مستهتر قليلاً رغم توجسي من هذا العالم. 
تجاوز التبعية للغرب
يرى الناقد السوداني مصطفى الصاوي أن أزمة كورونا كشفت الوجه القبيح للاقتصاد الرأسمالي المتوحش، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، مطالبا النخب السياسية والثقافية بمراجعة أوضاعنا وتجاوز التبعية الصارمة المفروضة علينا، ولن يتأتى ذلك دون تغبير الأنظمة  المتهالكة التي  لا تملك  مشروعا وطنيا، ومن ثم تتسع نظرتنا لأنفسنا والعالم من حولنا لتحقيق الإنسانية أي عالم يسوده الإخاء والعدالة والاحترام المتبادل.
ويشير إلى أن الأزمة قد تغير في الثقافة، فالتغيير الثقافي نسبي ومتدرج ويوازن بين الماضي والحاضر، إذن الأزمة قد تحدث تغيرات في عالم يسوده الاستبعاد الاجتماعي والإقصاء الاقتصادي، وكل ما يضرب بعمق في ثقافات العالم ويجرح هويتها، لذا فإنها ستذهب عليها أبنيتها الثقافية وطاقاتتها الكامنة وإنسانيتها المقهورة، وعلى ذكر الثقافة فإن لدينا تقافة الستر والدس وكل هذه معوقات تقف أمام السيطرة على الوباء وهنا دور المثقف إن تحرر فعلا  منها.