سليمان الذييب يحلل نقوش حائل الثمودية

كتاب "الحياة الاجتماعية في منطقة حائل من خلال النقوش الثمودية" يلقي الضوء على بعض المظاهر الاجتماعية لأهالي حائل الثموديين.
المؤلف يؤكد أنه على الرغم من أن حائل تتمتع بموقع استراتيجي إلا أننا لم نعثر حتى الآن على نقوش وكتابات غير تلك الثمودية القلم فقط
الكتاب يرصد ظاهرتي الاشتياق والحزن في المجتمع الحائلي قبل أكثر من ألفين وخمسمائة عام

تتمتع منطقة "حائل" في المملكة العربية السعودية بموقع استراتيجي متميز وبتاريخ أصيل يمتد عبر مئات السنين، وتزخر بمئات النقوش والكتابات الثمودية التي انتشرت بكثرة منذ القرن السادس وحتى القرن الثاني قبل الميلاد. وهذا الكتاب لعالم الآثار السعودي د. سليمان بن عبدالرحمن الذييب، والذي أطلق بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 29 "الحياة الاجتماعية في منطقة حائل من خلال النقوش الثمودية" الصادر عن مشروع "كلمة" بأبوظبي، ومن خلاله يتتبع الباحث النقوش والكتابات الثمودية لإلقاء الضوء على بعض المظاهر الاجتماعية لأهالي "حائل" الثموديين، وما عكسته من حياة دينية واجتماعية ونفسية واقتصادية، فكانت هذه النقوش صورة عن المجتمع وأحواله آنذاك، مثل المهن والامتلاك والخلافات والترفيه والعلاقة بين الرجل والمرأة وغير ذلك.
ويرى د. الذييب أنه على الرغم من أن حائل تتمتع بموقع استراتيجي فهي مفتاح القادم من الجنوب إلى الشمال الشرقي والغربي لشبه الجزيرة العربية وتمتلك مقومات بيئة مناسبة أغرت الإنسان قديما وحديثا بالاستقرار بها، إلا أننا ـ وهو أمر غريب ـ لم نعثر حتى الآن على نقوش وكتابات غير تلك الثمودية القلم فقط، وتحديدا التي تعود في جلها إلى الفترة الثمودية المتوسطة. أما المتأخرة فهي قليلة، ولا تتناسب من حيث الكم مع النقوش العائدة إلى الفترة من القرن السادس / الخامس إلى الثالث / الثاني قبل الميلاد.
وتساءل الذييب: لماذا كان هذا الازدهار فقط في فترتين زمنيتين مختلفتين هما الفترة التي تمثلها نقوش المرحلة الثمودية، والفترة العائدة إلى نهاية الألف الثالثة وبداية الأف الثاني قبل الميلاد، حيث نجد بعض الرسوم (الفنون) الصخرية العائدة إلى ذلك الزمن، وتحديدا في موقع "جبة المشهور"، ولماذا لا نجد فقط إلا النشاط المحلي؟ بمعنى أن المنطقة تفتقر إلى أدلة مادية على استقرار غير القبائل الثمودية، التي فضلت لاحقا الهجرة إلى الشمال الغربي لشبه الجزيرة العربية؟
ويقول الذييب إنه يصعب إعطاء إجابة شافية لهذين السؤالين وغيرهما في ظل النقص في التنقيب الأثري، لكننا نستطيع القول في ظل معلوماتنا الحالية إن حائل من المناطق القليلة في العالم القديم التي يمكن اعتبارها من تلك المناطق المنعزلة والمتطورة ذاتيا، في انعزال يمكن لنا اعتبارها من تلك المناطق المنعزلة والمتطورة ذاتيا، في انعزال يمكن لنا تشبيهه بذلك الانعزال في مصر القديمة، وتحديدا قبل دخول الهكسوس. والفارق أن انعزال حائل كان واضحا بينما كان انعزال مصر الفرعونية نسبيا فالتواصل ـ خصوصا التجاري ـ واضح بين وجيرانها في ليبيا وأفريقيا.

ويلفت إلى أن هذه العزلة الحائلية تثير الانتباه، فمن المعلوم أن الانعزال في الغالب يؤدي إلى التخلف والتراجع الحضاري، لكن إن صح انعزال حائل وأهلها فإن نتيجته جاءت عكسية لمفهوم الانعزال السائد عند كثير من الباحثين، فقد دلل ثموديو حائل أن الانعزال لا يؤدي إلى التخلف وتوقف التطور الحضاري أو بطئه، بل قد تكون نتيجته عكسية.
ويلقى الكتاب الضوء على بعض المظاهر الاجتماعية لأهالي حائل الثموديين، في الفترة التاريخية الواقعة بين القرنين السادس إلى الأول قبل الميلاد. وقد استللنا هذه النقوش من دراسة شاملة وكاملة نقوم بها عن النقوش الثمودية في المنطقة والبالغة حتى يومنا الحاضر 1222 نقشا جاءت من أربعة وثلاثين موقعا في جهات مختلفة من هذه المنطقة العريقة بتاريخها وآثارها. وهذا العمل جزء من عمل شاق ومضن أقوم به منذ سنوات زادت على العشر، ويشمل جمع الكتابات الثمودية وتسجيلها في وطننا الغالي ومنها مجلد النقوش الثمودية في منطقة حائل.
ويشير الذييب في رصده للنقوش الدعائية والبالغة 146 نقشا دُعائيا إلى أن أغلبها تعود إلى المرحلة الثمودية المتوسطة التي تبدأ في القرن السابع / السادس قبل الميلاد، ويرى أن هذا يعني أن درجة التدين والارتباط بالمعبود / المعبودات كانت في المرحلتين الثموديتين المبكرة والمتوسطة أكثر من تلك العائدة إلى المرحلة المتأخرة. 
ويضيف أن المعبودات التي عبدها من خلال نقوش هذه المجموعة بلغت عشرة، أكثرها ظهورا المعبود "ر ض و" 59 مرة، الذي جاء بصيغته الثانية "ر ض" 32 مرة، هي الأكثر استخداما في الكتابات الثمودية، ويصعب كثيرا تحديد الطبيعة التي كان يراها الثمودي في هذا المعبود.
وتوقف الذييب عند هذه الآلهة "المعبودات" موضحا طبيعة ودور كل منها فلإله "د ث ن" يمثل إله المطر عند الثموديين، والإله "ا ل" وهو إله مشترك عند الساميين، وهو أقدم الآلهة الوثنية، والاله "ا ل ت" إحدى أشهر المعبودات العربية القديمة. 
وقد رصد في مجموعة الزواج والذرية أربعة نقوش تشير بشكل واضح لا لبس فيه إلى طلب الزواج أو تمنيه، فعلى سبيل المثال المدعوان حي إيل "هـ ر ض و  د ع ب ن  هـ ر ب  ل م  ح ي ا ل" أي "يا المعبود رضو زوجن المليحة "العظيمة، المربربة"، من حي إيل".  

Hail
صورة عن المجتمع وأحواله آنذاك

قسم د. الذييب الكتاب إلى أربعة فصول تضمن الأول ما عكسته هذه النقوش الاجتماعية لقبائل المنطقة مثل: الامتلاك والترفيه والصحة والجنس، والفصل الثاني كان عن الطبيعة الدينية عند أفراد القبائل الثمودية في منطقة حائل، واشتمل على خمسة عناوين أولها المتعلق بالأسرة وتحديدا الزواج وطلب الذرية والأولاد، وثانيها رصد النقوش الخاصة بطلب الرزق والغنى، فطلب الفقراء الرزق غالبا، وأما الغنى فدعا إليه ميسورو الحال. واشتمل على اقتناء المتاع والحيوانات المهمة في حياة إنسان حائل آنذاك، وأهمها الإبل. بينما احتلت ظاهرة العشق والحب، الذي لا يخلو منه أي مجتمع سوي، مكانة رفيعة عندهم. في حين احتل الدعاء والتوسل للآلهة لإيقاع الشر والشرور على البعض جانبا واضحا في المجتمع، ولعل هذه الظاهرة تشير إلى ضعف الداعي لأنه في الغالب يكون الطرف الأضعف والأقل مكانة. وأخيرا وجدنا عددا من النقوش التي تناولت المرض والأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان رفيقه في حياته الدنيوية، والمثير أن هذه النقوش بينت أن الأمراض لم تكن في غالبها عضوية بل نفسية أيضا.
ورصد الذييب في الفصل الثالث ظاهرتين اجتماعيتين هما الاشتياق والحزن في المجتمع الحائلي قبل أكثر من ألفين وخمسمائة عام، ولا تكمن أهميتها فقط فيما عكسته من مفاهيم تناولت الاشتياق، بل في ما قدمته من النقوش، وتحديدا التي اعتبرناها نقوش الحزن، إذ نستطيع القول إنها لندرتها تعكس دون شك حالة السعادة والانشراح التي كان يتمتع بها المجتمع آنذاك، فهل كان للانعزال دور في انتشار السعادة في المجتمع الحائلي؟
وأضاف أن الاشتياق الذي تناوله الثمودي الحائلي انحصر ـ وهو أمر طبيعي ـ في اشتياقه للحبيبة أو الرفيقة والرفيق (الأخ والصديق.. إلخ) أو في اشتياقه (تمنيه) إلى اقتناء ما يساعده على أمور حياته، التي انحصرت في تمنيه اقتناء الحيوانات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي في الوقت ذاته، مثل الجمال والكلاب ومن المعلوم أهميتها من قبل القبائل الثمودية.
وجاء الفصل الرابع مخصصا لأكثر النقوش انتشارا واستخداما من قبل القبائل الثمودية وأنواعها والبالغة 874 نقشا. وتتتضمن أحد هذه الاصطلاحات: و د د، أو و د، أو و د د ف، وكلها تعني "تحيات" أو الأداة "ل" أو اسم إشارة، إضافة إلى ابتدائها باسم علم لشخص مثل "ز ي د ش ك ت  ب ن  م س ك ت" زيد شكة بن ماسكة.
وألحق الذييب دراسته بفهرس لأسماء الأعلام والمفردات التي وردتت في النقوش حسب المنهجية العلمية إضافة إلى إدراج قائمة بالمصادر والمراجع ذات العلاقة.