سهير عبدالعظيم تتتبع المظاهر الموسيقية في الإسلام

الباحثة المصرية ترى أن التصور الصوفي للموسيقى عند الهجويري والغزالي يشبه ما يراه شوبنهاور في العصر الحديث.
ترتيل وتجويد القرآن الكريم سبب في نجاح كبار الملحنين والمطربين في العصر الحديث
الموسيقى عامل أساسي في مساعدة النشء على سرعة استيعاب النشيد الهادف مهما كان قوي اللفظ
الموسيقى الرفيعة أصدق لغة وأبلغ تعبير عن العواطف الحية والمشاعر النابضة

"الموسيقى في الإسلام" دراسة فريدة في بابها سعت د. سهير عبدالعظيم أستاذ الموسيقى بكلية التربية الموسيقية من خلالها إلى توضيح العلاقة بين القيم الجمالية والأخلاقية في الإسلام والقيم الجمالية والإخلاقية في الموسيقى، وتتبعت بعض المظاهر الموسيقية في الإسلام نشأتها وتطورها، لتثبت أن ترتيل وتجويد القرآن الكريم سبب في نجاح كبار الملحنين والمطربين في العصر الحديث الذين نشأوا نشأة دينية، وأيضا إثبات أن الموسيقى عامل أساسي في مساعدة النشء على سرعة استيعاب النشيد الهادف مهما كان قوي اللفظ. مؤكدة أن الأديان احتضنت الفنون الموسيقية ولم تقف عقبة ضد تقدمها وتطورها، لأن الموسيقى الرفيعة أصدق لغة وأبلغ تعبير عن العواطف الحية والمشاعر النابضة وهما عدة المتدين الذي يحب دينه ويضحي من أجله بكل شيء.
وقالت عبدالعظيم "احتضنت الأديان فنون الموسيقى لتنسج من ألحانها حلة نورانية تسبغها على المشاعر وتجتذب بها العواطف وتوقظ بها الأرواح الصافية، لتبعث فيها صفاء ونورا من الحب الإلهي. ثم تتدرج بها من خلق العاطفة والشعور في الجنب الروحي إلى توجيه تلك العاطفة نفسها إلى الخير، بعد أن تكون الموسيقى قد بدأت عملية روحية تتمثل في تقويم المعوج منها بما يحول الحياة إلى سعادة والمجتمع إلى محبة وإخاء والدنيا كلها ألفة وسلام. فالموسيقى تستضيء بالدين وتعمل في خدمته وتلعب دورا خطيرا في إطار إقرار السلام وحماية الناس من أهوال الحروب. وقد استخدم المتصوفون هذا اللون الرفيع من الموسيقى في الإنشاد بين حلقات الذكر لبلوغ الأهداف الروحية. وتعرف الموسيقى العربية بل ويعتبر تراثا ثمينا خلفه الصوفية متعاقبة. وقد وصل إلينا خالصا بفطرته، سليما في طابعه الذي لم تشبه شائبة المسخ ولم يكدره عبث التقليد.

طائفة الدراويش هم الهائمون بفنهم في رحاب الله، ويطلق عليهم (أهل الوجد) وهم يتجمعون في محافل الأوراد وفي حلقات الذكر حول الصواري وفي المواكب الدينية

وأكدت عبدالعظيم أن القراءة المنغمة في القرآن قد عملت على ربط الموسيقى العربية بمختلف البلاد الإسلامية، ولاسيما بعد انتشار الدين خلال حكم العباسيين واستمرار حكم العرب لبلاد الأندلس بل كانت تلاوة القرآن من الأسباب الأكيدة التي عملت على حماية الموسيقى العربية الأصلية من الزوال وخاصة فترات الاضمحلال الديني التي أصابت العرب بنكسة وقوع بغداد في يد المغول بقيادة خولاكو وبعد زوال الخلافة الإسلامية في الأندلس.
وأضافت أن في القرآن إيقاعا موسيقيا متعدد الأنواع، يتناسق مع الجو ويؤدي وظيفة أساسية في البيان، ولما كانت هذه الموسيقى القرآنية شعاعا للتنظيم الخاص في كل موقع، وتابعة لقصد الفواصل وطولها، كما هي تابعة لانسجام الحروف في الكلمة المفردة ولانسجام الألفاظ في الفاصلة الواحدة فقط، فقد جاء في القرآن قول الحق تبارك وتعالى "وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين"، وقد جاءت نفيا لما كان يتهم به الرسول عليه الصلاة والسلام من أنه سلب عقول الناس بالشعر، فكيف وقع في أفهام الناس الذين سمعوا القرآن من الرسول عليه الصلاة والسلاة أن فيه شعرا أو ما يشبه الشعر؟ 
لقد راع خيالهم ما فيه من تصوير بارع وسحر عقولهم بما فيه من منطق ساحر، كما أخذ أسماعهم بما فيه من إيقاع جميل. وتلك من خصائص الشعر الأساسية إن أغفلنا الوزن والقافية، على أن القرآن الكريم قد جمع مزايا النثر والشعر معا، فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة. وأخذ في الوقت ذاته من الشعر الموسيقى الداخلية والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفعيل والتقفية المتقاربة التي تغني عن القافية.

ورأت د. عبدالعظيم أن أهم ما يميز تلاوة القرآن من الوجهة الموسيقية هو الارتجال والمقامات العربية ـ فإن جميع الطرق الموسيقية التي تسمع في القرآن ترتجل أثناء القرآءة أي يؤلفها المقرئ أولا بأول، أما المقامات التي ترتجل منها طريقة القرءة فكلها تتوقف أولا وأخيرا على مقدرة المقرئ. وقد كانت المقامات الموسيقية من ضمن المواد التي تدرس في الأزهر حتى نهاية القرن التاسع عشر. 
وتوقفت عبدالعظيم مع كبار الملحنين والمغنين الذين تخرجوا في الأزهر أو أثرت تلاوة وتجويد القرآن على نجاحهم، فمعظم المطربين والملحنين ومنهم الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب والشيخ سلامة حجازي والشيخ محمد عثمان وعبده الحامولي والشيخ أبوالعلا محمد والشيخ يوسف المنيلاوي والشيخ سيد الصفتي والشيخ سيد درويش والشيخ أمين حسانين والشيخ زكريا أحمد، هؤلاء الذين بدأوا حياتهم بالإنشاد في حلقات الذكر والموالد. وغير هؤلاء كثير من المغنين والملحنين الذين بدأوا حياتهم بحفظ القرآن وتلاوته منهم: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ومحمد فوزي ومحمد القصبجي ودرويش الحريري وسيد مكاوي، لأن القرآن يؤدي بطريقة معينة وبناء على تطبيق قواعد التجويد والتلاوة مما يعطي قارئه الخبرة والمرونة في الأداء الصوتي ووضوح النبرات والحروف وهذا يؤهله للتفوق في عالم الموسيقى.
وناقشت د. سهير عبدالعظيم رأي الدين في أمر السماع وخلصت إلى أن الأحاديث النبوية التي تؤيد السماع كثيرة، ويستدل من قول الأئمة والمجتهدين بأن التحذير إذا جاء، فإنما هو لأسباب معقولة لا يمكن إنكارها حتى من الفلاسفة والحكماء. وها هو الإمام الغزالي يحلل السماع ضمن نطاق معقول فيقول في كتابه الإحياء إن تحريم السماع لا يتعدى عارض إثارة الشهوات وإبراز ما كمن في النفوس من حب الفجور، وقد أيد هذه النظرية أفلاطون في كتابه "الجمهورية" فقال "على الشعراء ألا يذهبوا مذاهب أهل الفجور واللهو، لئلا يميلوا بالشعب إلى الخسار والبوار، وأن تكون أشعارهم مجلبة لفخار الشعب والشجاعة والحكمة وحب الوطن، كما أن الموسيقى التي تُباح للنساء مجلبة للسرور ومدعاة للفضيلة".

على الشعراء ألا يذهبوا مذاهب أهل الفجور واللهو
الدعوة إلى إقامة مسابقات في علم التجويد 

وتناولت عبدالعظيم المداحين والمدائح النبوية، وتوقفت طويلا مع الصوفية وتأثيرهم البالغ في الموسيقى وقالت "التصوف الإسلامي يميل إلى الموسيقى، حتى إن كتب التصوف التقليدية تحتوي على الكثير من الأبحاث والمناقشات حول ما إذا كان السماع مسموحا به في الدين الإسلامي؟ ولكن الكثير من المتصوفين يرون في الموسيقى وآلاتها رموزا وحقائق علوية رفيعة ومن هؤلاء أخوان الصفا في رسائلهم المعروفة. ولا تخلو الحضارات الغابرة على اختلافها من هذه الفكرة التي تنطوي على أن الطبيعة بإجماعها نوع من التناسق والهارمونية الموسيقية، حتى إنه لفي إمكاننا القول بأن المتصوفين في كل دين على وجه التقريب يتحدثون عن موسيقى الخليقة.
وأوضحت أن تصور الصوفي للموسيقى كما يظهر عند الهجويري والغزالي يشبه كثيرا ما يراه شوبنهاور في العصر الحديث، فالموسيقى عنده هي "الإرادة الأبدية نفسها، والإنسان يستطيع بواسطتها أن يخترق الحجب ويشاهد السميع البصير ويصل إلى الخفي عن الأنظار". فالسماع تأثير إلهي يحرك القلب إلى رؤية الله، وأن أولئك الذين ينصتون إليه بأرواحهم يصلون لله، وهكذا نظر الصوفي إلى الموسيقى كوسيلة من الوحي يصل إليها عن طريق النشوة، وهذا هو التواجد فالعرب جعلوا من الموسيقى بهذه الطريقة خادما للإسلام وعرفت الموسيقى بهذه الصورة في جميع الأقطار الإسلامية.
وأشارت إلى أن طائفة الدراويش هم الهائمون بفنهم في رحاب الله، ويطلق عليهم (أهل الوجد) وهم يتجمعون في محافل الأوراد وفي حلقات الذكر حول الصواري وفي المواكب الدينية، وبعد أن يقوموا بدورهم في الذكر وترديد الأوراد والاستغاثات في آخر الليل ينشدون الأغاني في الهيام بالذات الإلهية وسلوك طريق الوصول إلى الحقيقة والاتصال بالله. وبعض الصوفية ترتقي لديهم حالة الوجد فيهيمون في حب الله ورسوله ويشتد وجدهم كما طرقت أسماعهم الأغاني الصوفية، وفي ذلك يقول ابن عربي إن الفقير لا يسمع إلا عند الوجد. ويعتبر عمر بن الفارض في هذا الميدان إمام العاشقين، ولا يزال شعره يردده الدراويش ومن سار على طريقتهم في كل مكان وزمان. 
وعرضت د. سهير عبدالعظيم الكثير من النماذج سواء من حلقات ذكر الصوفية أو من المدائح والموشحات والأناشيد والأغاني والابتهالات الدينية مثل نشيد الهجرة كلمات محمود أبو الوفا وتلحين محمود كامل، ونشيد مولد النبي لنفس الشاعر وتلحين أمين فهمي، وليلة الإسراء تلحين محمود كامل، وأغنية عليك صلاة الله وسلامه كلمات بديع خيري ولحن فريد الأطرش، وموشح مولاي كتبت رحمة الناس عليك.

وخلصت عبدالعظيم في كتابها الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى عدد من التوصيات منها: إنشاء معهد للقراء الذين تنقصهم الخبرة الفنية من أصحاب الأصوات الجيدة للتدريب على التلوين النغمي من خلال تفهم واستيعاب أسرار المقامات الموسيقيةـ عدم الاقتصار على تقديم الألحان الدينية في المناسبات وحدها يعني بإذاعتها على مدار السنة حتى تحقق أهدافها، فإن الألحان الدينية ليست أقل شأنا وقيمة فنية من الألحان الدنيوية التي تملأ أسماعنا ليل نهارـ تدريب الأصوات على التلاوة الصحيحة المرتلة والمرنمة للاستفادة بأصحابها في برامج الإعلام للمحافظة على ديانتنا وفنوننا الإسلامية ـ الدعوة إلى إقامة مسابقات في علم التجويد تخصص لها جوائز مالية سخية أسوة بما يتبع في مسابقات تحفيظ القرآن الكريم.