سوريا الغائب الحاضر في قمة الجزائر

ابتعاد الجامعة العربية عن سوريا يعني أن دولاً اقليمية ودولية ستملأ الفراغ.

تنعقد القمة العربية الـ 31 في الجزائر في ظل غياب بلد عربي مهم لم تستطع الدول العربية حسم موقف حضور سوريا حتى قامت سوريا نفسها بحسم الموقف منعاً لمزاودات بعض الدول العربية، وسحباً لورقةٍ كان سيُتاجر بعضهم الآخر. وحسناً فعل وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد، عندما أعلن عدم حضور سوريا هذه القمة حرصاً من سوريا على نزع فتيل أزمة قد تهدد انعقاد أو نجاح القمة العربية الحالية.

سوريا الذي يشكل غيابها فراغاً كبيراً، لم تقبل بالعودة المشروطة من قبل بعض الدول العربية التي تدخلت في الشأن السوري وعملت في العام 2011 على إقصاء سوريا من جامعة الدول العربية دون الحصول على الاجماع، وهذا مخالف لميثاق جامعة الدول العربية، ولكن حرصاً من سوريا والجزائر على عدم فشل القمة الحالية، أو زيادة الانشقاقات والاختلافات بين الدول العربية تم الإعلان من جانب سوريا عدم حضور سوريا لقمة الجزائر. لكن سوريا اليوم عادت فعلياً إلى بيتها العربي، وعودتها الشكلية إلى جامعة الدول العربية ليست إلا مسألة وقت، فالعديد من الدول العربية استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، وقام مسؤولوها بزيارات إلى دمشق واجتمعوا مع الرئيس بشار الأسد والمسؤولين السوريين، وعلى رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة التي أعادت فتح سفارتها في سوريا في 2018، وزار وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وفي مارس/آذار الماضي، قام الرئيس بشار الأسد بزيارة تاريخية إلى الإمارات، وقد جاء ذلك ضمن المقاربة الإماراتية التي تقوم على ضرورة تصفير المشكلات العربية، وعدم ترك الساحة لدول إقليمية ودولية لها أجندات معروفة، وإيماناً من قيادة الإمارات بضرورة وجود دور عربي فاعل لحل القضايا العربية وفي مقدمتها القضية السورية.

كما أن زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى دمشق في يوليو/تموز الماضي ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد أثبتت أن انعقاد قمة جامعة الدول العربية من دون حضور سوريا لن يكون له أي قيمة لأنه لن يكون هناك اجماع في قراراتها، وهذا بحد ذاته ضعف لقرارات القمة العربية. لذا وضعت الجزائر مسألة عودة سوريا الى مقعدها في الجامعة على أول سلم الأولويات خلال جهود التحضير للقمة، لكن الرؤية الحاقدة لقادة بعض الدول العربية أجهضت هذه المساعي، وأبقت على الانقسام العمودي في هذه القمة.

لا شك إن الانقسام العربي الذي عملت عليه دول عربية للأسف كقطر وبدعم واضح من دول إقليمية معروفة قد أضعف التعاون العربي المشترك سواءٌ في المجالات الاقتصادية أو السياسية أو غيرها من المجالات، فغياب سوريا لم يُسهم في حل المشكلة السورية؛ بل أطال من أمد الأزمة، بسبب التدخلات من بعض الدول العربية ودعم بعضها لمجموعات إرهابية ومنها داعش والنصرة بالسلاح والمال، ودعم مجموعات انفصالية مدعومة من الولايات المتحدة ودول أوروبية كـ "قسد" دون الأخذ بالحسبان ارتدادات ذلك على وحدة الدولة السورية، وانعكاس ذلك على مستقبل الدول العربية الأخرى، وأن ابتعاد الجامعة عن سوريا يعني أن دولاً اقليمية ودولية ستملأ الفراغ، لذا سيكون أفضل قرار تتخذه قمة الجزائر هو عودة سوريا إلى الجامعة دون قيد أو شرط، ودون الحصول على الاجماع باعتبار أن قرار تجميد عضويتها تم من دون إجماع.