سوق السراجين في بغداد بين الماضي والحاضر

لا يسعك عزيزي القارئ وان تمشي بين جدران هذا السوق العتيق العابق برائحة التاريخ الملاصق لنهر دجلة سوى الشعور بالأصالة ، فقد أسهمت الأعمال الحرفية على مر الزمان في صناعة حضارة الشعوب في مختلف بقاع العالم، فكانت الدليل الذي وصل إلينا منها، والشاهد على تلك الحضارات الكبيرة كحضارة وادي الرافدين، ووادي النيل.

الصناعة هي عمود من أعمدة الحياة الإقتصادية للدول المتقدمة ، فتطور كل أمه من الأمم ينعكس على مدى أهتمامها بصناعاتها ، وتعتبر الصناعات الحرفية جزء أساسي منها لإنها موروث ثقافي وحضاري تتوارثه الأجيال المتعاقبة. 

في شارع ضيق يعبق برائحة البخور والجلود والزمن السحيق،  هناك في شارع السراجين تجد الحرفيون مازالوا يعملون بجد وبفن في هذه الصناعة القديمة التي توارثتها الأجيال . 

 يعود تاريخ هذا السوق إلى ايام الخليفة العباسي أبو جعفر المستنصر بالله (1126-1242)، الذي أمر بإنشاء أسواق عدة متخصصة كأسواق الوراقين والبزازين والعطارين والخفافين وسوق الصفافي، وكان الغرض من إنشائها هو توفير المتطلبات اللازمة لطلبة وأساتذة المدارس في ذلك الوقت.

وفي فترة حكم الدولة العثمانية  تحولت السوق إلى خان للمسافرين لأن البنايات مكونة من طابقين. فكان الطابق العلوي مخصصاً لسكن الرحالة والمسافرين، والأرضي مخصصا لإسطبلات الجمال والخيول.

ثم تحولت بعدها إلى سوق للصناعات الجلدية، التي تُغلف بها السروج مع الأحزمة للخيول. ومن هنا جاءت التسمية لاقتصار السوق آنذاك على صناعة سروج الخيل، لكن سرعان ما اتسعت منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين لتشمل الصناعات الجلدية كافة مثل  الحقائب والمحافظ الجلدية التي يتم النقش عليها حسب طلب الزبون وكذلك اللوحات الجلدية. وفي هذا السوق دارَ بيني وبين بعض الحرفيين اصحاب محلات الصناعات الجلدية عن تاريخ هذه الحرفة وجودتها والمشاكل الأقتصادية التي تواجه العاملين بها. 

منافسة المنتجات المستوردة

أكدَ الحرفي عبدالله صاحب محل بيت الجلود هو ووالده ، إلى ان هذه الصناعة من ارقى المنتوجات في العالم لإنها أعمال يدوية تحتاج إلى وقت ودقة في العمل ومرغوبة جداً من قبل السياح خصوصاً قبل عام (2003) كان الإقبال ممتاز ، لكن بعد الحرب الأمريكية على العراق قلَ عدد السياح الوافدين فعانت هذه الصناعة من قلة الطلب و كذلك أثرت عليها المنتوجات المستوردة.

من الأجداد الى الأحفاد

إما الحرفي  حسن شاكر (من محل سلام السراج)  فأشار إلى  إن عائلته توارثت هذه المهنة أبً عن جد ، فقد بدأ جده العمل بهذه المهنة منذ عام 1942 وكان يملك معمل بغداد ومعمل العراق للمصنوعات الجلدية،  و اعتمدت هذه الصناعة على جلد الأبقار أكثر من جلد الأغنام.

وأضافَ حسن الى انه مازال الإقبال ممتاز على هذه الحرفة أكثر من المنتوجات المستوردة نظراً لأن العمل اليدوي يعتبر مصدر جذب للزبون للزبون فهذه الصناعة تتطلب وقت وجهد.

استيراد الجلود

وعند سؤالنا عن المواد الأولية للصناعة وكيفية توفيرها اوضح حيدر السراج  ابن صاحب المحل  حسين السراج عن معاناتهم في توفير المواد الأولية لهذه الصناعة فدباغة الجلود العراقية مثلا لم تعد كالسابق وهذا تطلب منا استيراد الجلود السورية بدل العراقية والإعتماد عليها في الصناعة، كذلك غلاء المواد الأولية التي تتأثر كثيراً بأرتفاع وانخفاض سعر الدولار الأمريكي. 

وكما يقول كارل ماركس تاريخ الصناعة هو كتاب مفتوح لقدرات الإنسان فلا يسعك عزيزي القارئ وان تمشي بين جدران هذا السوق العتيق العابق برائحة التاريخ الملاصق لنهر دجلة سوى الشعور بالأصالة ، فقد أسهمت  الأعمال الحرفية على مر الزمان في صناعة حضارة الشعوب في مختلف بقاع العالم، فكانت الدليل الذي وصل إلينا منها، والشاهد على تلك الحضارات الكبيرة كحضارة وادي الرافدين، ووادي النيل.