سيختفي كورونا غير أن داعش لن يختفي

لم يهبط داعش من كوكب آخر ولم ينبعث من العدم. انظروا من أين جاء.

بين التفاؤل المطلق والتشاؤم النسبي يتحرك الأطباء والعلماء يتبعهم السياسيون والاقتصاديون في ما يتعلق بمستقبل فايروس كورونا.

هناك أمل في أن يختفي الفايروس فجأة بطريقة تلقائية من غير أن يترك أثرا كما لو أنه لم يكن. تلك ليست مزحة. في إمكان السلوك البشري بكل أنواعه ومستوياته أن يقضي عليه من خلال الحد من انتشاره. لا بأس. سيكون الحذر لازمة دائمة لحياة قلقة. ولكنها مسألة وقت. في ما بعد سيعود كل شيء كما كان من قبل.

ذلك ما يشك فيه الكثيرون. ربما حدثت تغيرات جذرية أثناء انتشار الوباء من غير أن يشعر بها أحد بشكل مباشر. سيظهر التأثير السلبي لتلك التغيرات حين تستقر الأمور وتتضح الصورة. ما الذي خسرناه؟ ما الذي يمكن الاستغناء عنه بيسر؟ هل الاستهلاك ضروري لاستمرار الحياة؟ ما الذي تحتاجه البشرية لكي تكون أقوى؟ أسئلة ستشكل الأجوبة عليها محور التجربة الإنسانية في مرحلة ما بعد الوباء.  

في المرحلة الانتقالية سيكون البشر مستعدين لكل الاحتمالات. لكنهم بعدها سيتحررون من كل القيود. لن يكون هناك خوف من المصافحة والعناق والقبل. وستكون المقاهي والمطاعم والحانات مفتوحة.

كان كورونا قاتلا غامضا قاومته البشرية وانتصرت عليه.

هذا ما سيُقال من أجل أن تُطوى صفحة أخرى من التاريخ الإنساني.

ولكن البشرية نفسها التي ستعلن انتصارها على الفايروس الغامض لم تنتصر على داعش وهو ظاهرة واضحة الملامح، بارزة المعالم بعد أن خاضت حروبا ضده استغرقت سنوات.

فهل داعش أكثر غموضا وتعقيدا وجبروتا من كورونا؟

اجتمعت الأمم، كبيرها وصغيرها من أجل الحاق الهزيمة بتنظيم داعش غير أنها لم تفلح كما يبدو في تحقيق هدفها. في الطريق إليه هُدمت مدن عظيمة وأبيد الالاف من البشر وتقطعت سبل النجاة بآلاف أخرى من غير أن تظهر بارقة أمل واحدة تشير إلى نهايته.

هل يكمن الخطأ في المعالجة أم في التشخيص؟

يشعر المرء كلما سمع بظهور داعش من جديد أن كل المحاولات العالمية السابقة اللتي بُذلت من أجل محاربة ذلك التنظيم لم تهدف إلى اجتثاث جذوره، بقدر ما حاربت صورته المؤقتة ونجحت في أزالتها من منطقة بعينها.

ذلك هو المنطق اليائس الذي تمليه الوقائع في منطقة قُدر لها أن تستقطب كل مجرمي الأرض في حفلة جنون مستمرة.

ولو تفحصنا الامر بعين محايدة لأكتشفنا ما يلي:

داعش ليس طائر العنقاء الخرافي الذي ينبعث من رماده في الخرافة. إنه ظاهرة بشرية درسها الخبراء وأهتدوا إلى قواعد لعبتها وتوصلوا إلى حلول لها بغض النظر عن وجهة النظر العسكرية.

لم يهبط داعش من كوكب آخر ولم ينبعث من العدم. لقد سبقته تنظيمات عقائدية مهدت له من جهة اعتمادها خيار المواجهة المسلحة مع المجتمعات وليس غريبا أن يجد ذلك التنظيم في المجتمعات نفسها حاضنة له.

وأخيرا فإن الظروف المأساوية التي عاشتها منطقة الشرق الأوسط بعد احتلال العراق قد جعلت من ظهور مثل ذلك التنظيم المتوحش في قسوته أمرا ممكنا. لقد حلت الفوضى بإرادة دولية فكان الارهاب جزءا لا يتجزأ من تلك الفوضى بغض النظر عن الشعارات العقائدية المضللة التي يرفعها.  

كل تلك المعطيات تعطينا فكرة عن جوهر ظاهرة "داعش" مما يجعل الطرق سالكة في اتجاه معالجتها. فلمَ فشلت البشرية في وضع حد لها؟

ربما لم تكن الحلول العسكرية والأمنية مناسبة لمعالجة الظاهرة التي لم يتعامل السياسيون بطريقة جادة مع تشخيص الخبراء للظاهرة.

فهل كان ذلك الخطأ مقصودا؟

إن بلدا مثل العراق لا يتنفس قليلا وسط كوارثه حتى يطل عليه شبح داعش من جديد، بالرغم من أن جيوش الأرض كلها قد سبق لها وأن حاربت التنظيم الارهابي على أراضيه وأعلنتها أراض محررة بعد أن أزالت ما عليها من بشر وعمران وحقول.

يبغض المرء أن يدخل في متاهة تكهنات، كلها تقود إلى الشك في مصداقية الحرب على الارهاب من خلال النظر بطريقة محايدة إلى ظاهرة داعش التي صارت أشبه بطائر العنقاء.