"سيرة ومسيرة" محطات في حياة صالح الطيار

الكتاب يحمل في طيّاته مذكرات وآراء ومواقف بارزة عن سلسلة من المواضيع والأحداث التي طبعت تاريخ السعودية السياسي والعالم العربي في صفحاته الحديثة.
السيرة تبدأ بمرحلة الطفولة في المدينة المنورة، وسط أجواء روحانية خالصة
الطيار باشر عمله من باريس تزامنا مع تطورات إقليمية، بالغة الأهمية

كتاب "سيرة ومسيرة" يحمل في طيّاته مذكرات وآراء ومواقف بارزة عن سلسلة من المواضيع والأحداث التي طبعت تاريخ السعودية السياسي والعالم العربي في صفحاته الحديثة.
ومن خلال مطالعة الصفحات الأولى للمؤلف، تبرز ملامح التشويق والإثارة التي استدعاها الكاتب  المحامي والدبلوماسي  السعودي الدولي الدكتور صالح الطيار، في سياق استعراضه للمواقف والقرارات على نحوٍ ضمني وصريحٍ وفي قالب أدبي وأسلوب رشيق. عناصر التشويق تبدأ مع ذكر أسماء الشخصيات التي تعامل معها أو عاصرها. ينحاز الكاتب لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية كأنجع طريقة للتسيير في العصر الحالي، مشدّداً في الآن ذاته على أنّ أي تغيير في هذا الاتجاه يجب أن ينبع الآن ودوماً من الداخل، وألا يكون مفروضاً أبداً بقوة الإملاءات الخارجية وتدخّلاتها. 
ولد الطيار في 21 سبتمبر/أيلول عام 1956، في باب المجيدي الذي لا يختلف كثيرا عن بيوت المدينة العتيقة، في حارة الأغوات المؤدية إلى باب الجمعة أو البقيع.
تبدأ السيرة بمرحلة الطفولة في المدينة المنورة، وسط أجواء روحانية خالصة مثل المسجد النبوي الشريف، والبقيع، ومسجد قباء وجبل أحد، ومسجد القبلتين. وكان يساعد الحجاج مع رفاق الطفولة في الاستدلال على أماكن إقامتهم. 
أسرة الطيار كانت أسرة بسيطة، مكافحة، حيث قامت الأم بدور كبير في التربية والتعليم بالإضافة إلى أعباء المنزل. أما الأب فكان جبارا وشديدا، يعمل في خدمة الحجيج، وكان الابن يرافقه دائما إلى الحرم. يفخر صالح الطيار بانتمائه إلى أسرة فقيرة فيقول: "بكل فخر، أنا من عائلة فقيرة عادية مثل كافة عوائل وأسر المدينة النبوية، تنتمي أسرتي إلى قبيلة عنزة  من شمالي المملكة ومن شيوخها، وهذا ما أكده لي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأنا في مكتبه في ديوان إمارة الرياض، عندما كان أميرها، وهو سعيد بمذكرة قانونية أعددتها لها حيث شرفني بقوله: "يا صالح أنت من أسرة عريقة من أمراء قبيلة عنزة".

مبادرة السلام التي وقعها السادات، رغم ما لها من مساويء كانت خطوة جبارة. لقد كانت صدمة لنا كشباب وتأثرنا ونحن طلبة من المقاطعة العربية لمصر، وكانت سفارة باكستان ترعانا

في عام 1975 عمل الطيار مندوبا لصحيفة "السفير اللبنانية" وهو لا يزال طالبا في السنة الأولى الثانوية. كانت أولى رحلات الطيار خارج وطنه إلى مصر بصحبة جده وهو لا يزال صبيا في الرابعة عشرة من العمر عقب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970.
كان صاحب السيرة يطمح أن يكون طيارا وتقدم بأوراقه بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة إلى كلية الملك فيصل الجوية، ولكن تم قبول طالب آخر يحمل اسما متشابها، كما أن صالح الطيار رسب في احتبار النظر. وكانت نقطة التحول في حياته هي الرحلة إلى القاهرة التي استمرت نحو أربع سنوات، بداية من عام 1978 حيث التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة حتى العام 1982، درس خلالها اللغة الفرنسية، وكان الطيار شغوفا بقراءة الكتب السياسية وصراعات أجهزة الاسخبارات، وأي كتاب يتعلق بالمخابرات والجاسوسية باللغة العربية أو مترجما. 
وشهد اغتيال السادات، وكانت تربطة علاقة صداقة مع الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس قسم القانون الجنائي في حقوق القاهرة آنذاك، حيث كانت تربطه علاقة شخصية بوالده ومجاملات في تأشيرات الحج حيث كان عم الطيار قنصلا في القاهرة. وقد رحل والده وهو متوجه من باريس إلى القاهرة. واهتم الطيار بتعليم أخوته الذين درسوا في أفضل الجامعات وتلقوا أجود التعليم، وهذا النجاح يقف وراءه دعوات والدته - أطال الله عمرها - ومن المفارقات الغريبة أن صاحب السيرة كان ينجح في كل السنوات بتقدير "مقبول" لكن في السنة الرابعة تخرج بتقدير "جيد" وهو في دراسة القانون يعد بمثابة تقدير امتياز.
عقب التخرج عمل التيار ضمن العاملين في موسم الحج في مطار الملك عبدالعزيز في جدة، حيث جرت العادة الاستعانة بالطلاب حديثي التخرج ليساندوا موظفي الدولة في خدمة حجاج بيت الله الحرام تحت بند "أجير مؤقت".
ومن مصادفات القدر أن صديقا مغربيا للأسرة نصحه بدراسة اللغة الفرنسية والذهاب إلى فرنسا لاستكمال دراسته في القانون، وسافر في شهر يناير/كانون الثاني عام 1983، على نفقته الخاصة، ودرس الماجستير أو دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الدولي الخاص في كلية رين، وتزوج من ابنة عمته في اكتوبر/تشرين الأول عام 1983، وانتهى من دراسة الدبلوم في اكتوبر/تشرين الأول 1984، وحصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى في ابريل/نيسان عام 1987، بمساعدة أحد أصدقاء والده الذي رفض أن يذكر اسمه في المذكرات. 
بعد العود إلى المملكة كان يحلم بالعمل في الديوان الملكي في شعبة الخبراء، ولكنه التقى مصادفة على متن طائرة العودة مع أحد أصدقاء والده، والذي كلفه بتأسيس مكتبا للمحاماة في باريس وسوف يتكفل بسداد التكاليف المالية المطلوبة. وطلب منه البنك الإسلامي في جدة متابعة ملف قانوني في السنغال، وفي باريس تعرف على كبار رجال الأعمال السعوديين، وتابع مصالحهم العقارية وتحرير العقود وإدارة ممتلكاتهم، وكان لنشاطه في باريس الفضل في تعزيز علاقاته ببعض الشخصيات المهمة والكبيرة مثل الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان وليا لعهد السعودية، والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين، والأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحل.
باشر الطيار عمله من باريس تزامنا مع تطورات إقليمية، بالغة الأهمية، فالسعودية، تمضي قدما في الانفتاح والتحديث والتطوير، بقيادة الملك فهد، ومجلس التعاون الخليجي يدخل عامه السادس، والدول العربية تعيد علاقتها الدبلوماسية مع مصر، عام 1987، ومصر تسترد مقعدها في جامعة الدول العربية عام 1989.
شهد الطيار الفصل الأخير والشرس من الحرب العراقية الإيرانية، ثم قرار الخميني عندما كشف أنه تجرع السم، عندما وافق على وقف إطلاق النار مع العراق في عام 1988، بعد أن كان قد هدد المنطقة بـ "تصدير الثورة" وبالتالي خرج الرئيس العراقي صدام حسين منتصرا من حرب السنوات الثماني بدعم كبير من الدول العربية، ذلك الانتصار الذي دفعت ثمنه الكويت بعد عامين فقط. وقد فوجيء الطيار بالإعلان عن تدشين مجلس التعاون العربي الذي كان يضم العراق ومصر والأردن واليمن، وشكك حينها في الدوافع العراقية تحديداً. لقد أصاب احتلال الكويت من قبل العراق مؤسسة العرب "الجامعة" في مقتل، وأضعف شكل وكيان النظام العربي ككل.
ولقد تعرضت السعودية لحملة ظالمة بعد موافقة القيادة على استدعاء قوات أميركية إلى أراضيها، لمساعدتها في مواجهة التهديدات العراقية، ومن ثم المساهمة في تحرير الكويت.

سيرة ذاتية
المياه كمنبع للحياة، أم مصدر للأزمات؟

وخطر بباله فكرة تأسيس مركز للدراسات تكون من مهامه فتح آفاق الحوار بين المتفقين والمتخاصمين وتغطية النقص في المجال الإعلامي للدفاع عن السعودية، والعمل على فضح المخططات التي تستهدف المملكة بأساليب علمية وموضوعية وشفافة. واستقر الرأي على تسميته بـ "مركز الدراسات العربي الأوروبي" بالتعاون مع الدكتور مفيد شهاب، وتشجيع الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول لعربية آنذاك. 
في ذلك الوقت كانت المفاوضات الخليجية الأوروبية الخاصة بالتجارة معلقة، وكان الحوار العربي الأوروبي معطلا، والعلاقات العربية الأوروبية الجماعية شبه مجمدة، وكانت كل دولة عربية تنشط بمفردها، وكان المركز هو الآلية الوحيدة التي جمعت كل هؤلاء، لكي يتكلموا بكل حرية، بدون إلزام العربي أو الأوروبي بالمواقف الرسمية لبلاده، وتم تأسيس المركز وفق قانون الجمعيات 1901 في 5 مارس/آذار 1992 بعد أن تحررت الكويت باثني عشر شهرا. ونظم المركز أكثر من أربعة وعشرين مؤتمرا وندوة، في عواصم عربية وأوروبية، وحضر المؤتمر الأول نحو 380 شخصية، وكان عنوان المؤتمر: "العالم العربي وتحدياته في ظل النظام العالمي الجديد". وعقد في باريس خلال الفترة من 24 إلى 26 يناير/كانون الثاني 1993. وعقد المؤتمر الثاني في القاهرة خلال الفترة من 25 إلى 27 يناير/كانون الثاني 1994 تحت عنوان: "تحديات العالم العربي في ظل المتغيرات الدولية". وعقد المؤتمر الثالث في دبي خلال الفترة من 9 إلى 11 يناير/كانون الثاني عام 1995، تحت عنوان: "التحديات الاقتصادية للعالم العربي في مواجهة التكتلات الدولية".
كما احتضن المؤتمر السابع في الدار البيضاء "القدس ومستقبلها تحت رعاية الملك الحسن  رئيس لجنة القدس في العام 1999، وشارك في المؤتمر ياسر عرفات، وألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية.
كما بحث حوار باريس عام 2010 أمن الخليج، وتناول حوار باريس- 2 عام 2011 موضوع المياه كمنبع للحياة، أم مصدر للأزمات، بينما دار حوار باريس - 3 في عام 2012 حول العالم العربي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وناقش حوار باريس – 4 في عام 2015 أخطار الإرهاب واسراتيجيات مكافحته، الذي صدر عنه "نداء باريس" من أجل صياغة استراتيجية دولية لمواجهة الإرهاب.
ويحكي الطيار كواليس لقائه بالقذافي عام 2009 في خيمته في الثانية صباح 4 سبتمبر/أيلول 2009 ، حيث دار الحديث عن الوضع العربي والدولي ودور المركز ومهام الغرفة التجارية العربية الفرنسية، واستمع الطيار إلى انتقادات القذافي للأنظمة العربية ودوره في دعم حركات التحرر ومساندته للدول الأفريقية دون أن ينطق الطيار بكلمة. 
وتطرق الحديث إلى زيارات الأمراء الخليجيين إلى ليبيا، لممارسة هواية الصيد، واستفسر الطيار من القذافي عن كيفية إثبات مقابلته مع القذافي، فقال: أنا حريص عليك من ولاة أمرك في السعودية، الذين يكيلون لي شتى أنواع التهم والإساءة فقال الطيار: أنا مسؤول في منظمة عربية، وولاة أمري يعرفون ذلك، كما يعرفون أنني بحكم موقعي يجب أن ألتقي بكل الناس، دون استثناء، ولا أجد حرجا في زيارة ليبيا خصوصا وأنها عضو في جامعة الدول العربية".
وشارك الطيار في وفد إعادة فتح الحدود السعودية العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 لتمرير البضائع إلى العراق، وفي عام 2003 رُشح الطيار كأول سعودي ليكون أمينا عاما للغرفة التجارية العربية الفرنسية، من الدولة ومجلس الأعمال السعودي الفرنسي وفي مارس/آذار عام 2004 أصدر الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك قرارا بمنح الطيار وساما رفيعا لقاء ما يقوم به من خدمات لصالح السعودية وفرنسا معا.
,وأشاد الطيار بالتوازن في الفكر السياسي السعودي، فقد تم تعيين سفيرات سعوديات، في رسالة جديدة تؤكد حرص القيادة السعودية على تعزيز دور المرأة في مناشط الحياة السعودية المختلفة، وكانت الأولى في واشنطن، وهي الأميرة ريم بنت بندر بنت سلطان، وتمت الموافقة السامية على ترشيح سفيرة سعودية أخرى في دولة النرويج.
ويرى الطيار أن مبادرة السلام التي وقعها السادات، رغم ما لها من مساويء كانت خطوة جبارة. لقد كانت صدمة لنا كشباب وتأثرنا ونحن طلبة من المقاطعة العربية لمصر، وكانت سفارة باكستان ترعانا. ويشيد الطيار بدور الرئيس السيسي بإنقاذ مصر من براثن الإسلام السياسي، ودشن شبكة من الطرق والمنشآت والمشاريع ما كان ليحلم بها إنسان في فترة قصيرة. ونصح الطيار الجيل الجديد بعدم السماح لأحد بطمس التاريخ.