كاتب إماراتي يتوقع إزاحة القصة القصيرة للرواية

الروائي عبيد إبراهيم بوملحه: يحلم بكيانات أدبية لثوار الأدب. 
نجيب محفوظ يبقى اسماً كبيراً وأسطورة لن تتزحزح عن عرشها وإن جاء في المستقبل من ينافسه
تعدد للأصوات، يصاحبه تعدد المستويات اللغوية للنص

عبيد إبراهيم بوملحه روائي إماراتي مقيم في ألمانيا وهو من مواليد دبي 1981، أنهى تعليمه في كلية الشرطة تخصص قانون وعلوم شرطية وحاصل على دبلوم في الدراسات العليا في إدارة الأزمات والكوارث.
أصدر روايته الأولى "رجل بين ثلاث نساء" عام 2014 عن دار مداد للنشر والتوزيع تلتها "ليلة غاشية – قصة ساحر" في العام نفسه، ثم أصدر "سوق نايف" عام 2016، "الذبابة" عام 2017 عن دار نوفا بلس الكويتية. "الدنيا شمال" عام 2018 والمجموعة القصصية "أشجار تقف على العصافير". لديه كتاب نصوص بعنوان: "يسقط على غيمة" إصدار عام 2017. في 2019 كتب "طقوس للموت"، والتي يتناول فيها إشكالية كتابة الرواية لأول مرة ، تلتها "زعامة منطقة حمدان" في العام نفسه. 
له إصداران مشتركان مع فيصل الرشيد الأول بعنوان "حملته مثلما حملني" والثاني بعنوان "دبي رايدرز".
وإصدار بعنوان "ماذا يحدث خلف الكواليس قصص يرويها محمد الخطيب" عن دار مداد للنشر والتوزيع. 
فاز بوملحه بالمركز الثالث في جائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي للإبداع فئة الرواية الإماراتية عن روايته "أحد ما يطرق الباب" مؤخراً.
له مشاركات تطوعية ومجتمعية مختلفة وهو عضو في اللجنة الإعلامية لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم حيث شغل فيها منصب أمين سر الجائزة لعدة أعوام.
شارك في عدة برامج إذاعية مثل "اسمع ما نقرأ" و"الأولى على الأولى"، كما شارك في أمسيات ثقافية ولقاءات تلفزيونية عديدة. أعمال بوملحه تضم مشاهد ماكرة، تبدو على السطح لقطات بريئة محايدة، عابرة، لكنها سرعان ما تنقلب على ظاهرها بمجرد المضي فيها، فإذا هي لقطات كاشفة، مصاغة بعناية تشع بدلالاتها في اتجاهات عدة. تخلو من الالتباس والغموض وتنحو إلى الوضوح والسلاسة التي يفضي ظاهرها إلى باطنها.

هنالك بوادر تململ ظهرت على بعض المثقفين من خلال مقالاتهم ومشاركاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي لكنهم يظلون ذئاباً تصيد وحيدة

في روايته "طقوس للموت" تناول إشكالية كتابة الرواية ورواجها والشغف بها على المستوى العربي والعالمي، ويرى بوملحة أن الرواية وصلت إلى أعلى نقطة في منحناها وتحاول الحفاظ على مكانها في القمة، فرايات الشعر عادت ترفرف يحملها الشباب بابتكارية جديدة من ناحية الأسلوب والخطاب والأجمل مزجها بعنصر المفاجأة الذي يجعلنا نصرخ دهشة عند قراءة بعضها. ولا ننسى أشعة القصة التي شرعت شمسها بالبزوغ لتعلن عن نفسها بعد فترة غياب طويلة. شخصيا أعتقد أنها ستتسيد المرحلة القادمة وقد تزيح الرواية من مكانها لما لها من خصائص تناسب عصر السرعة والتحولات المجتمعية واختلاف السمات الشخصية لدى القراء .
طالما أن الرواية في أزمة، يفسر بوملحة سبب تورطه في كتابتها فيقول: لم أختر كتابة الرواية، ولكنها هي التي اصطفتني، أؤمن بالكيانات المختلفة، فأنا لست فعل الكتابة وبالتالي فعل الكتابة ليس هو الكتاب. لم أكتب أية رواية وأنا عالم لما أقوم به، كل ما هنالك أنني أصل إلى مرحلة أشعر فيها بأنني جاهز لذلك وأبقى في انتظار الإشارة لأبدأ، ثم تأتي العلامة على هيئة حلم. يزورني في المنام أشخاص لا ألمح تفاصيلهم ويمنحوني العمل، أصحو لأستغرق في عالم (فعل الكتابة)، أكتب بغزارة بدون إعداد لأية فكرة ولا شخصيات ولا أحداث، ويكون فعلا وجدانيا يبدأ بعده عمل العقل بإحكام العمل ومراجعته وتعديله وربطه وتلك هي أصعب مرحلة.
يكتب بوملحه كتابة حداثية، حيث يميل إلى الاكتناز والإيجاز المحمل بالدلالات، والجمل القصيرة الخالية من أساليب البيان والبديع، العارية من الزخرف البلاغي، في سعيها إلى أن توصل معانيها المحددة بدقة، أو حرصها على أن تكون شفافة لا تعرف عكارة المعاظلة الأسلوبية أو سوءات التقبض اللفظي، فهي لغة تسعى إلى أن تزيل الهوة الفاصلة بين الكلمات والأشياء، كي تضعنا في حضرة المواضيع نفسها، لكن من الزوايا التي تدفعنا إلى إعادة تأمل المشهد حمالة الأوجه.
 لا يؤمن بوملحة بالأشخاص أبداً، فهو يتابع الكتب والفكرة والأفكار، فهو يرى أن من يجعل استسقاء وعيه من شخص واحد ينتج مسخاً مبتور الأعضاء، عندها يكون المبدع تابعاً وليس أصلاً، ولن يتفوّق التابع أبداً. من ناحية أخرى فالرواية منتج متغيّر، قد يبدع أحدهم رواية واحدة طوال حياته وتكون أعماله الأخرى ضعيفة، أو تتذبذب جودة أعماله فالوعي لا يتشكل من الكتاب الذين نقرأ لهم، فهناك الكثير من المدخلات الأخرى مثل التألم والأحلام والتجارب الشخصية.
 يدعم بوملحة كثرة الإصدارات الأدبية، لو حصرت الإبداع في أشخاص أو أسماء قد يخشى المبدع خوض غمار التجربة وبذلك يخسر العالم موهبة من أجل ديناصورات أدبية أو جثث محنطة. قلت مرة: "الموهبة تفرض نفسها"، ربما كنت أهلوس أو أحلم، الواقع سوداوي معاكس لما قلت، فالبقاء كما نراه للغثاء وكذلك الدعم من كل جوانبه.
وعن موقفه من الجوائز يقول بوملحة: الروائي هو من يكتب ولا يفكر بجائزة وأيضاً لا يهمه القارئ، ذلك هو رأيي، وكما ذكرت أنا لست فعل الكتابة، والروائي الذي يهتم بالقارئ خلال فعل الكتابة لا يحترم القارئ، لأنه حينها سيشرع في وضع الحدود حول عقله. إيماني الأول بحرية الكتابة والكتابة الحرة.
في روايته "طقوس للموت" اشتغل بوملحة على اللغة مستخدما الأسلوب الساخر، وخلخلة التسلسل الزمني مما يكشف قدرا من الموهبة لا تخطئه العين. وبسؤاله عن  كيف حقق هذه المعادلة يقول: أجد السخرية من أصعب المغامرات الكتابية، فهي تدور حول شخص يؤمن بفكرة معينة ويفعل أموراً مفاجئة تستدعي الاستغراب والامتعاض، هي ضرب لعش الدبابير وطرق لصدأ الفكر، لسنا ملائكة وليس هناك إنسان كامل، لذلك أتعمد في رواياتي أن أثير المشاعر الإنسانية والاختلاف وأجعل القارئ يتقزز أو يمتعض مما يقرأه، وأتعمد أن تكون رواياتي بصرية/ سمعية/ حسية، وأضيف عليها المشاعر الإنسانية محاولاً ألا يطغى أمر على الآخر، كمن يقذف بالأحجار في البحيرة الراكدة. 
وبخصوص التهشم الزمني في الرواية فأنا ضد الروايات التي يكون فيها الخط الزمني (على طول)، لأنه تكنيك عفا عليه الزمن وممل، إلا إن كانت هناك خدعة سردية ستجعل القارىء ينتدهش في نهاية العمل. 

Emirati novel
لست ضد استلهام التراث 

 يقترن سرد بوملحه بالسخرية التي تعطي مذاقا لاذعا للكتابة، وروح الفكاهة التي تبين عن كاتب ضاحك العينين، لا يكف عن استخلاص النكتة حين يجدها، واللجوء إلى التهكم  حين يغدو التهكم سلاحا من الأسلحة التي تناوش بها الكتابة مفاسد الواقع.
 وعن علاقته بالمكان يقول: قد يكون المكان في طقوس للموت، تاريخي وواقعي وأسطوري، وقد يكون في شقة أو مكتبة، ولكنني أظن بأن المكان يدور في العقل فقط، هي قصص وأحداث الغرض منها إثارة التساؤلات، وومضات تثير التفكير وتبعث للتأمل في الواقع الأدبي المعاش وإمكانيات تغييره. لا أنكر ميلي للسوداوية في العمل ولكن التشاؤم في أوقات الرخاء يجعلنا سعيدين في الشدة.
وظف بوملحه النصوص التراثية في الرواية بوعي تاريخي لافت. وعن موقفه من استلهام التراث في الأعمال الإبداعيةيقول: لست ضد استلهام التراث أو الشعر أو الأدب أو أي شيء في الأعمال الأدبية ولكن بشرط التوظيف في العمل، وأرى بأن مقدرة الروائي تتبدى حين ينجح في توحيد نسيج العمل ويجعله متوافقاً مع السرد.
 عندما كان الشِّعر يتصدَّر المشهد الأدبي، عاش إلى جانب المتنبِّي عشرات من الشعراء، اختفى أغلبهم في كهوف التاريخ كالخفافيش، بينما ظلّ المتنبي نجما لامعا حتى اليوم.
ويسؤال بوملحة هل سيبقى نجيب محفوظ متربعا على عرش الإبداع العربي لا ينافسه أحد؟ فيجيب الحظ يلعب دوراً كبيراً مع المبدع، فكم من القصائد والأبيات في الجاهلية وفي الفترة التي بعدها كانت قوية ورائعة ولكن لم يعرف قائلوها، ونجيب محفوظ برأيي يبقى اسماً كبيراً وأسطورة لن تتزحزح عن عرشها وإن جاء في المستقبل من ينافسه، وذلك لا يعني أن المواهب الجديدة ليست قوية ولكني مع الإبداع الزمني، وبرغم أن روايات نجيب محفوظ تصلح لكل العصور إلا أنني أعتقد أن "تكنيكاته" في الكتابة لا يمكن استخدامها في زماننا لأنها أصبحت كلاسيكية ووجب تغييرها بتغير الزمن وتطوره، ولتقريب الفكرة: لا يمكننا السفر على ظهر الجمل اليوم.
يقول بوملحه على لسان الراوي حالنا ككتاب محليين يتجسد في مقولة "زمار الحي لا يطرب". وبسؤاله عن تفسيره لهذا التهميش هل هو الشللية المسيطرة على الوسط الثقافي أم غياب المتابعة النقدية للأعمال الأدبية، فيقول: بكرات العملية الثقافية كلها غير متناغمة، سواء من الكتاب، دور النشر، المطابع، القراء، النقاد، الجوائز، المحاضرات والندوات، وسائل الإعلام.. إلخ. بالأحرى فهي منفصلة عن بعضها وكل محاولة للتقريب بينها عبثية وعملية غير مدروسة وستؤدي إلى تحطيم التروس.
يلاعب بوملحه القاريء اليقظ، ويسفز ذكاءه لكي يجيب عن الأسئلة المعلقة التي يثيرها ظاهر النص في علاقته بباطنه، وذلك من غير توقف عند الظاهر المراوغ الذي لا يقصد لذاته أحيانا، ولا يكتمل معناه في غيبة إدراك العلاقات المتعددة التي تصل أسطح الظاهر بمستويات الدلالة المضمرة في أحيان أخرى. ووجه المكر في هذا النوع من الكتابة أنها تخدع الأبرياء خصوصا أولئك الذين يتوقفون على السطح الظاهر، ويغويهم بريقه أو التباسه فيقعون في شراكه، ناسين أن هذا السطح الظاهر هو الجزء الأصغر من جبل الجليد العائم.
 وبسؤاله عما ينقص الرواية العربية لكي تحتل مكانة بارزة في الأدب العالمي أسوة بالرواية اللاتينية والآسيوية فيجيب: الرواية العربية بحاجة إلى ثورة أدبية وثقافية شاملة لتصحيح الوضع القائم من كافة جوانبه. أحلم بكيانات أدبية (للثوار) الأدبيين على الوضع القائم بجانب الكيانات الحالية وتكون للمثقفين المهمشين، مع أنني أجزم بأن من سيركب تلك الثورة هم الملمعون أدبيا وسيعرونها من أهدافها. 
ما أراه هو البكاء والتباكي من أغلب الأدباء، سواء المدعومون منهم بالجوائز وغيرها أو المهمشون. هنالك بوادر تململ ظهرت على بعض المثقفين من خلال مقالاتهم ومشاركاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي لكنهم يظلون ذئاباً تصيد وحيدة.
في أعمال بوملحه تعدد للأصوات، يصاحبه تعدد المستويات اللغوية للنص، سواء في تباين تنويعات الفصحى أو مغايرة الاستخدامات المحكية للغة التي لا تخلو من إحساس شعري يقترن بدرجة عالية من كثافة التركيز والبعد عن الثرثرة أو الإطناب .
وبسؤال عن أسباب هجرته الاختيارية إلى ألمانيا وتركه لمجتمع الوفرة والرفاهية في الإمارات وتفضيله حياة الاغتراب في ألمانيايقول: ألمانيا معتزل بارد وليست هجرة، فيها أتخلص من كل ما قد يؤثر على تفرغي للكتابة، بما فيهم الأصدقاء.