سيعود العراق عربيا. ذلك هو قدره

إحلال الثقافة الطائفية محل الثقافة الإسلامية هي الضربة المزدوجة التي وجهها الإيرانيون إلى العروبة والإسلام معا.

كما لو ان العراق قد غادر عروبته أو تخلى عنها. ذلك ما يوحي به العنوان. وهو ما قد يكون حقيقيا في بلد ظل حزب البعث العربي الاشتراكي عبر خمس وثلاثين عاما من حكمه يضع عروبته في مكان علوي مقدس.

لم يكن الهدف من ذلك ابراز هوية البلد بل تكريس هوية الحزب. هناك فرق كبير بين الأمرين. فالبعث فرض عروبته في سياق سلوكه السياسي وهو سلوك استفاد منه الكثير من الاخوة العرب فيما كان العراقيون محرومين من منافعه، كما لو أنهم لم يكونوا عربا.

كان ذلك خطاً قاتلا استفادت منه فصائل الأحزاب الدينية والكردية والشيوعية حين صارت تركز على الهوية العراقية التي اتضح في ما بعد أنها لم تكن إلا عنوانا رخيصا لتمزيق العراق واجتثاث الروح الوطنية من مجتمعه.

لقد تسارعت الأحداث بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 فبدا أن كل ما يمكن قوله عن هوية العراق العربية لا محل له من الاعراب في ظل تمكن القوى الدينية من السلطة برعاية أميركية معلنة. وهو ما دفع بالكثيرين إلى أن يلوذوا بالصمت خشية أن يتهموا بالانتماء إلى حزب البعث أو الحنين إلى عصر ما صار يُسمى بالنظام السابق وهو ما قد يلحقهم بقوائم الإرهابيين الذين ارتبطت بهم عمليات القتل والتفجيرات والأحزمة الناسفة وسواها من وسائل العنف التي استعملت من أجل ترويض الشعب العراقي واعداده للقبول بنظام المحاصصة الذي يعتبر ضربة قاسمة للهوية العراقية.

ما لم يفتح العراقيون أعينهم عليه جيدا أنهم يخوضون غمار تجربة، يُراد من خلالها تكريس قشرتهم الطائفية وأداً لجوهرهم العربي الذي وإن ظل بعيدا عن المنال غير أن ما عملت عليه الأحزاب الدينية الحاكمة عبر أكثر من عقد ونصف من الزمن كان يهدف بالدرجة الأساس إلى اعتباره نوعا من الماضي المشكوك بصدقيته ومن ثم لا يمكن الثقة به.

كان منظرو حزب البعث يركزون بشكل إنشائي على حقيقة أن لا تعارض بين العروبة والإسلام، منطلقين من أن الإسلام العربي كان هو الأساس في كل ما انتهى الإسلام إليه من تجليات حضارية وهي الفكرة التي كانت تستفز الفرس منذ عصر ظهور الدولة العربية الإسلامية. لذلك حرصت الأحزاب الدينية التابعة لإيران على أن تفتك بعروبة الإسلام بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال إحلال الثقافة الطائفية محل الثقافة الإسلامية.

من خلال تلك الخطوة وجه الإيرانيون ضربتهم المزدوجة إلى العروبة والإسلام معا. وهو ما يقرب الأجل للإعلان عن الإسلام الفارسي الذي طال أمد انتظاره بالنسبة للفرس الكارهين لتلك العلاقة "البغيضة" من وجهة نظرهم بين العرب والإسلام.

هنا يكمن خطر لم يظهر العراقيون قدرة على استيعاب تداعياته إلا بعد سنين من الشقاء.

فعروبتهم لم تكن مستهدفة إلا من أجل انتزاع الإسلام من حاضنته العربية ليتم الإعلان عن قيام إسلام آخر، يكونون من أتباعه. الأمر الذي يرسخ حقيقة أن العراقيين لا يمكن أن يحافظوا على وجودهم التاريخي إلا من خلال تمسكهم بعروبتهم.

العروبة هي الحل.

وكما أرى فإن الانفتاح العربي على العراق قد واجه عثرات كثيرة بسبب ذلك المبدأ الذي يخيف الإيرانيين وأتباعهم. ذلك لأن استعادة العراق من قبل محيطه العربي من شأنها أن تشكل ضربة قاصمة لمشروعهم القائم على مبدأ الخميني في تصدير الثورة الذي هو غطاء للتوسع الإيراني في المنطقة.

صحيح أن مشكلات العراقيين لا حصر لها غير أنني أعتقد أن دولة فاشلة أقامتها الأحزاب الدينية في بلادهم ستدعوهم إلى التفكير مليا في الحل الوحيد الذي يتمثل فيه خلاصهم. أن يقاتلوا من أجل عروبتهم فهي منقذهم من ضلالة ما ينتظرهم.