شباب العراق في مواجهة لعبة طائفية رثة

الحديث عن عودة المهدي المنتظر معادلة يمتزج من خلالها الهزل بالخبث، الاحتيال بالفكر الطائفي.

صارت اللعبة السياسية كما تُسمى في العراق مكشوفة أكثر مما ينبغي. فالأحزاب التي كانت قد تداولت الحكم عبر أكثر من ستة عشر عاما كانت ولا تزال مهيمنة على السلطة وهي تسعى إلى أن تكون تلك الهيمنة أبدية، ذلك لأنها اعتبرت تلك السلطة مكافأة لنضالاتها في الماضي ومن غير المنطقي أن تقبل بأن يشاركها فيها أحد.

اما في ما يتعلق بـ"الشرعية" المكتسبة من صناديق الاقتراع فهي الأخرى بالنسبة لتلك الأحزاب مسألة نسبية. ذلك لأن قانون الانتخابات المعمول به يسمح لها بأن ترسم الخرائط السياسية وفق السياق الذي يناسبها. فهي تملك الحرية كامل في أن تغير مَن ترغب في تغييره وتثبت مَن ترغب في تثبيته من غير أن تكون هناك مساءلة أو يكون هناك طرف قادر على أن يضبط سلوكها بعد أن اكتسبت الشرعية التي لا يمكن للشعب التراجع عنها.

وإذا ما التفتنا إلى الشعب فهو من وجهة نظر تلك الأحزاب لا يعدو سوى أداة لتزوير الانتخابات كل أربع سنوات. لا تُرى جموع الشعب إلا في المسيرات الجنائزية الذاهبة إلى ضريح الامام الحسين. وهو ما صار يُعتبر واحدا من أعظم المنجزات التي تم تحقيقها بعد إسقاط الدولة العراقية واحتلال العراق. وهو كما ترى الأحزاب ما يمكن أن يُشبع رغبة العراقيين بالحرية. فالحرية في ممارسة الطقوس الدينية هي كل ما كان العراقيون يحلمون به. ولأنهم اليوم قد حصلوا عليها فإن ذلك الفضل ما كان يمكن أن يقع لولا الأحزاب التي استولت على السلطة ومعها ثروات العراق.

مقابل الذهاب إلى الحسين مشيا ولطما وضربا على الرؤوس والظهور بالسكاكين وسواها من الآلات الجارحة صار على العراقيين أن يقبلوا بالتخلي عن ثروات بلدهم للصوص والمحتالين والنصابين والأفاقين وتجار الدين والمزورين الذين صاروا جزءا من محور الصمود والممانعة. نعم. فنوري المالكي الذي استولى في عهده تنظيم داعش على ثلث أراضي العراق يحظى بتقدير هائل في طهران وبيروت باعتباره واحدا من المقاومين الكبار.

اللعبة السياسية في العراق هي لعبة مقامرين "مقاومين" سعداء.   

تلك هي القاعدة التي اعتقدت الأحزاب أنها ستظل ثابتة إلى أن يظهر المهدي المنتظر. ذلك الحدث الذي يمثل الفقرة المهمة الأخيرة من المشروع الإسلامي في العراق. وهو الحدث الذي ثُقف فقراء الشيعة على انتظاره باعتباره واحدا من أهم الإنجازات التي لا يمكن أن تقع إلا بعد ان يعم الفساد الأرض. ولأن المهدي سيظهر في العراق فينبغي أن يكون العراق سباقا في فساده وهو ما حدث فعلا حيث ظل العراق متربعا على قمة الدول الفاسدة.

معادلات يمتزج من خلالها الهزل بالخبث، الاحتيال بالفكر الطائفي كانت هي الواجهة الثقافية التي تم استعمالها من أجل ركن الشعب العراقي جانبا لتستمر اللعبة السياسية من غير أن يتمكن الشعب العراقي من فهم ما يجري من حوله، كما لو أنه طرف غير معني بالأمر. كما لو أن الثروة التي حولها اللصوص إلى حساباتهم ليست ثروته.

كان الفقر ضروريا من أجل أن يظهر المهدي وكان الامام الحسين في حاجة إلى شعوب تمشي إليه باكية، لاطمة لكي ينصفه التاريخ وينزع عنه عباءة المظلومية.

اما حين خرج الشباب محتجين عل تلك المعادلات فإن ذلك كان من الممكن أن يكون كفرا بالمذهب تتخذ منه الميليشيات المكلفة بحماية الأحزاب مسوغا لممارسة العنف ضد المحتجين لولا أن اللعبة كانت قد افتضحت وكانت المؤسسة الدينية الشيعية ممثلة بالسيستاني قد نأت بنفسها عن النظام الذي تدافع عنه الأحزاب فيما يطالب المحتجون برحيله.

اليوم بعد ما شهده العراق وبعد أن افتضحت كذبة المقاومين اللصوص فإن المعادلات كلها في طريقها إلى التغيير. لقد فرض الشباب أنفسهم على الخارطة السياسية قوة نسف لن تقوى على مقاومتها الكيانات الورقية الرثة التي أقامتها الأحزاب.