شحن بطارية سيارة بسرعة تعبئة الوقود أقرب للحقيقة من الخيال

امام تعدد الخيارات التقنية والتجارب الناجحة، عشرة سنوات في اشد التقديرات تشاؤما ونصف هذه المدة في اكثرها تفاؤلا تفصلنا عن تسويق سيارات كهربائية ببطاريات يمكن شحنها في دقائق معدودات.

واشنطن - رغم الشعبية المتعاظمة للسيارات الكهربائية، لا يزال المستهلكون ينظرون بريبة في اغلب بقاع العالم لهذه التقنية التي يبدو واضحا انها تتحرك باتجاهنا اسرع بكثير مما نفعل، ورغم انه من البديهي ان لا يستسهل أحد خوض مغامرة تحف بها الاسئلة اكثر من الإجابات مع توجه لم يرسو بعد على ارضية تقنية مستقرة، الا ان السبب الاهم لهذا التردد قد يكون على الارجح ان لا احد يرغب في استبدال تجربة ملئ خزان الوقود بتجربة شحن اضافية في يوم حافل اصلا بالقلق من نفاد بطارية هاتفك الذكي والدقائق وربما الساعات المهدورة والمضجرة من ترقب حصولك على قدر كاف من الطاقة للاستكمال تدخين سجارتك الالكترونية.

وامام تعود سائقي اليوم على ملء خزانات سيارتهم بالمحروقات في اقل من خمسة دقائق، فان اقناعهم بانتظار ما لا يقل عن نصف ساعة لشحن سياراتهم بنسبة ثمانين بالمئة يبدو امرا بغاية الصعوبة.

ومخاوف المستهلكين على صعيد الاستقلالية المحدودة لهذه المركبات والتي تفرمل اي انطلاقة حقيقية لقطاع السيارات الكهربائية لن تصمد على اكثر من عشرة سنوات في اشد التقديرات تشاؤما ونصف هذه المدة في اكثرها تفاؤلا وفق توقعات موقع "ناشيونال جييوغرافيك".

وتعمل شركات التكنولوجيا على تطوير مواد جديدة لبطاريات الليثيوم أيون، فضلاً عن بطاريات "الحالة الصلبة" الجديدة، والتي تكون أكثر ثباتًا عند سرعات شحن أسرع.

وهذه القفزة ستضع في متناول أيدي صانعي البطاريات معدلات إعادة الشحن مدتها 20 دقيقة أو أقل.

وبالفعل نجح فريق إسرائيلي مؤخرا في تصميم نماذج اولية لبطارية ليثيوم يمكن في ظل ظروف معملية، إعادة شحنها لأكثر من 50٪ من سعتها في ثلاث دقائق فقط  آلاف المرات دون أن تتحلل بشكل كبير.

وفقًا للباحثين، يمكن أن يمهد هذا الطريق لبطاريات يمكن إعادة شحنها بالكامل في أقل من 10 دقائق.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات علمية وتقنية يجب التغلب عليها قبل أن تصبح البطاريات سريعة الشخن فعالة تقنيا وبأسعار معقولة.

"لكل شيء ثمنه"

وتتكون البطاريات داخل السيارات الكهربائية اليوم من آلاف خلايا الليثيوم أيون القادرة على تخزين وإطلاق الطاقة آلاف المرات.

وتتكون كل خلية من قطبين، كاثود معدني وأنود غرافيت ، يفصل بينهما إلكتروليت سائل. أثناء شحن البطارية، تمر أيونات الليثيوم عبر السائل من الكاثود إلى القطب الموجب، لملء الفراغات بين طبقات الغرافيت في عملية شبيهة برص طبقات الخشب في لعبة جينغا.

ويحدد المعدل الذي تنتقل به أيونات الليثيوم من القطب السالب إلى القطب الموجب السرعة التي يتم به شحن البطارية.

ولكن مثلما يمكن أن يؤدي وضع الكتل على عجل في لعبة "برج جينغا" إلى جعل الهيكل غير مستقر، فان تدافع الليثيوم إلى الأنود بسرعة كبيرة قد يؤدي الى ظهور مشاكل في البطارية.

ومع سرعات الشحن العالية يمكن أن ترتفع درجة حرارة بطاريات الليثيوم وتتحلل بمرور الوقت.

والأسوأ أن الليثيوم يمكن أن يبدأ في التراكم على سطح الأنود بدلاً من دخوله، وهي ظاهرة تعرف باسم طلاء الليثيوم.

ولا يؤدي هذا إلى تقليل سعة البطارية بشكل كبير فحسب، بل تشكل رواسب الليثيوم في النهاية تشعبات خيطية، بمجرد أن تبدأ في التكون يمكن أن تنمو داخل المحلول المكون للبطارية وتلمس في النهاية الكاثود (القطب الموجب) وتخلق دائرة كهربائية قصيرة ما يتسبب في اشتعال البطارية أو انفجارها.

ويقول أستاذ كيمياء المواد بجامعة برمنغهام في المملكة المتحدة بيتر سلاتر "من الواضح أن هذه التقنية ليست جيدة خصوصا من حيث السلامة".

نظرًا لمشكلات الشحن السريع تحتوي جميع بطاريات السيارات الكهربائية على حد أقصى لسرعة الشحن تفرضه المنافذ الموجودة في العربة.

ويمكن لمحطة شحن سريع بقدرة 350 كيلووات، وهي القدرة الاسرع المتاحة في الولايات المتحدة الأميركية، نظريا شحن بطارية 95 كيلوواط/ساعة لسيارة "اودي اي ترون سوف" في حوالي 16 دقيقة.

لكن البطارية نفسها لا يمكن أن تستقبل الا 150 كيلوواط من الطاقة كحد أقصى، مما يجعل حد سرعة الشحن الفعلي أقرب إلى 40 دقيقة.

وسرعة إعادة شحن البطارية في الظروف اليومية لا تعتمد فقط على الشاحن أو القابلية الكهربائية التي صممت البطارية لتحملها، ولكن أيضا على حجم البطارية ومستوى الشحن وحتى الطقس.

ومع ذلك يمكن لمحطات الشحن السريع الحديثة أن تملأ بطارية سيارة بنسبة 80 بالمئة في حوالي 30 دقيقة مما قد يضيف مئات الأميال المقطوعة.

وبمجرد امتلاء البطارية لهذا الحد تتباطأ سرعة الشحن لمنع تلف البطارية.

ويمكن لمالكي سيارات تسلا زيارة محطات شحن سريعة تمنحهم طاقة كافية لقطع 200 ميل في 15 دقيقة.

ورغم ان الحصول على قدر من الطاقة كاف لقطع هذه المسافة في ربع ساعة من الزمن يبدو معدلا معقولا، الا انه يبقى بعيدا عن بعض الدقائق اللازمة لتعبئة خزان سيارة تقليدية.

وعلى الأرجح سيضطر هؤلاء الذين على عجل من أمرهم لانتظار الجيل القادم من تكنولوجيا البطاريات.

حلول كثيرة على الطاولة

واحدى الطرق لصنع بطارية ليثيوم أيون يمكن شحنها بأمان أسرع تتمثل في استخدام مواد أنود بديلة.

وطورت شركة "ايشيون" البريطانية الناشئة أنودا من معدن النيوبيوم يمنع تكون التشعبات الرواسب الناتجة عن سرعات الشحن الكبيرة.

وهذه البطاريات يمكن شحنها "بالسرعة التي تريدها" كما يوضح الرئيس التنفيذي لـ ايشيون" جان دي لا فيربيليير.

ومعمليا تمكن الفريق من إعادة شحن خلايا النموذج الأولي لهذه البطارية  في غضون ست دقائق "دون التأثير على السلامة أو عمر البطارية"، على حد قول لا فيربيليير.

لكن لهذه القفزة ثمنها ايضا، اذ تمكن هذه التكنولوجيا من تخزين طاقة اقل بسبب خصائص معدن النيوبيوم.

ونظرًا لأن الشركات المصنعة للمركبات الكهربائية تميل إلى البطاريات التي يمكن استخدامها لفترة أطول بشحنة واحدة على حساب بطاريات الشحن فائقة السرعة، تسعى الشركة البريطانية لتوجيه منتجتها الى قطاعات تكنولوجية اخرى.

كما يمكن استخدام نسخة من هذه البطاريات في أساطيل مركبات نقل المواد الحساسة حيث يكلف أي تعطل لإعادة الشحن الشركات خسائر كبيرة.

اما بالنسبة للسائقين الاكثر نهما والباحثين عن بطاريات اكبر، تبدو بطاريات أشباه المواصلات القادمة على مهل مبشرة بالخير.

وهذه المرة بدلا من تدفق أيونات الليثيوم داخل سائل الشحن، تنتقل عبر إلكتروليت صلب.

ونظرًا لأن الإلكتروليتات السائلة قابلة للاشتعال، فان تقنية اشباه المواصلات تجعل البطارية أكثر أمانا، كما تفتح إمكانية مواد أنود مختلفة تكون أكثر مقاومة لظاهرة "طلاء الليثيوم" وبالتالي يمكن شحنها بشكل أسرع.

تعمل شركة "سوليد باوور"، التي تطور بطاريات الحالة الصلبة بتمويل من مجموعة" بي ام دبليو" الألمانية، على خلية بطارية من أنود السيليكون يمكن وفقًا لمسؤول التكنولوجيا جوشوا بوتنر غاريت شحنها في 15 دقيقة.

وتقوم الشركة ايضا بتطوير بطاريات أنود من معدن الليثيوم، قادرة على تخزين طاقة أكثر بعشر مرات.

ورغم ان بطاريات "الحالة الصلبة"، قادرة على الشحن بسرعة كبيرة نظريا، الا انها عمليا يمكن ايضا ان تتعرض لظاهرة تكون التشعبات التي تخفض عمرها بشكل كبير مع تكرر عمليات الشحن السريع.

لكن بحثا جديد يمكن أن يجعل هذه البطاريات الفائقة أقرب إلى الواقع.

وفي الآونة الأخيرة قام فريق بقيادة شين لي عالم المواد بجامعة هارفارد بتصميم خلية بطارية معدنية صلبة من الليثيوم تستخدم عدة طبقات مختلفة من المواد في القطب لإيقاف نمو تشعبات الليثيوم.

ويقول الفريق ان نموذجًا أوليًا للبطارية كان يمكن شحنه في ثلاث دقائق فقط واحتفظ بأكثر من 80 بالمئة من سعته بعد 10000 دورة، وهو معدل تدهور في قدرات تخزين الطاقة مماثل لمعدل البطاريات المستخدمة حاليا على نطاق واسع في العربات الكهربائية.

لكن التجربة لا تزال في مرحلة مبكرة، اذ يجب على الفريق إثبات أن البطارية التي يبلغ حجمها حاليًا عملة معدنية، يمكن تكبيرها وإنتاجها بكميات كبيرة للسيارات.

يقول لي إن إصدارا تجاريا من هذه البطارية قد يكون متاحا في غضون خمس سنوات "إذا سارت الأمور على ما يرام".

البنية التحتية عبئا آخرا

وعلى الرغم من أن بطاريات السيارات التي يمكن إعادة شحنها في أقل من 10 دقائق تبدو قريبة المنال تقنيا، الا انه ليس مؤكدا أن الشحن فائق السرعة سيكون عمليًا على الإطلاق.

ويتساءل بعض الخبراء عما إذا كانت السيارات الكهربائية التي يمكن إعادة شحنها بهذه السرعة هي المستقبل الذي نريده حقًا، على الأقل مع شبكة الطاقة التي لدينا اليوم.

ومحطات الشحن السريعة المنتشرة حاليا تشتغل على تيار كهربائي بشدة 400 فولت فما فوق، وهي طاقة اكبر بكثير من تلك المتوفرة في منافذ 120 و240 فولت التي يستخدمها العديد من مالكي السيارات الكهربائية في المنزل.

وعلى سبيل المثال، إذا تحول جميع الأميركيين الى سيارات كهربائية بشحن سريع وحاولوا الاستفادة من عرباتهم الى اقصى حد بشحنها منزليا، فان ذلك سيشكل حتما ضغطا رهيبا على شبكة الطاقة ما قد يفضي في النهاية لانهيارها.

ويرى لي انه يتحتم الاهتمام بتطوير البنية التحتية "علينا أن نرى مقدار التيار الذي يمكن للنظام بأكمله التعامل معه".

أما بالنسبة خبيرة تخزين البطاريات في جامعة سوانسي في المملكة المتحدة جيني بيكر فانها ليست واثقة ان الشحن الفائق السرعة هو الهدف الصحيح.

وترى بيكر أن الشحن المنزلي ليلا عندما يكون الضغط على الشبكة أقل يكون أكثر تكلفة وصديقًا للبيئة اذ يتعين على الاعتماد بشكل أقل على محطات الطاقة الاحتياطية التي تحرق وقودا اضافيا وتنتج المزيد من الانبعاثات.

كما يجد العديد من مالكي السيارات الكهربائية بما بيكر أن الأمر أكثر ملاءمة من التوقف لإعادة الشحن خلال النهار.

واقول بيكر "الشحن في المنزل أفضل للبيئة"، وتضيف "سأصاب بخيبة أمل كبيرة إذا أصبحت السيارات الكهربائية مثل نظيرتها التي تعمل بالبنزين في تزودها بالطاقة في محطات خارجية، سيكون ذالك هدرا للإمكانيات".