صباح الخير أميركا

لا تجري الأمور في أميركا على قياس واحد. السعداء ببايدن يمكن أن يُحبطوا في صباح اليوم التالي. وليس اختفاء فكاهات ترامب عن تويتر خسارة فادحة.
إيران اليوم مختلفة. أهلكتها العقوبات ولا بأس لديها الان في تقديم تنازلات
كل دولار يسافر في الفضاء العلني انما يمر من تحت سرير الرئيس الاميركي
لن تنسحب اميركا من الشرق الأوسط، هذا القرار الصلب الذي سترسخه الإدارة الجديدة

أميركا تقول لنفسها كل صباح "صباح الخير أميركا".

لا يعنيها في شيء أن الوقت مساء في أماكن أخرى من العالم أو أن الناس نيام في يوم لاحق. أميركا لا تعترف أن يومها سيكون سابقا.

صباح الخير أميركا تعني أن على العالم أن يستيقظ على التوقيت الأميركي.

اما فكرة الأميركي عن الوقت فإنها تعزز الطريقة التي ينظر من خلالها إلى نفسه. رئيسه هو رئيس العالم. الأموال التي تُخزن في بنوكه وهي أموال العالم، يُمكن لرئيسه أن يحبسها أو يطلقها. كل دولار يسافر في الفضاء العلني انما يمر من تحت سرير الرئيس.

كانت أميركا تراقب العالم المذعور وهو يراقبها فيما صنع البريد معجزته ففاز بايدن واندحر ترامب وصار جزء من العالم يضحك على الجزء الثاني من غير أن يكتشفا أنهما الإثنان قد استغفلا في لعبة البريد حيث كانت دائرة السباق تخلو من اللاعبين ولم تكن هناك رسائل أصلا.

في إمكان أميركا أن تخترع رسائل آنية تصل قبل أن تُكتب.

"إنها أميركا" ذلك برنامج آخر. لا علاقة له بصباح وول ستريت ولا بمسائه. يمكن لأميركا أن تضحك وتبكي من غير أن تخسر شيئا. فهي هكذا. التفاهات تشكل جزءا مرئيا من علاقتها بالعالم الخارجي. لست هنا مَن يقول. فنانها الشهير أندي وارهول يفخر بأنه صدر إلى العالم تفاهات صارت تحتل مكانا مبرزا في المتاحف.  

لا تجري الأمور في أميركا على قياس واحد. السعداء ببايدن يمكن أن يُحبطوا في صباح اليوم التالي. وليس اختفاء فكاهات ترامب عن تويتر خسارة فادحة. سيفكر الرجل في ماضيه في البيت الأبيض ويضحك أمام المرآة ويصرخ "لقد فعلتها". هل كان قد خدع أحدا ما؟

كان مهرجا ولكنه كان رئيسا. لم يكن في الإمكان أن يسميه الناس بترامب المهرج لولا أنه قد اصبح رئيسا. يمكنه الآن أن يفعل ما يشاء. لا كاميرات. لذلك سيستعيد رصانته التي فقدها حين تمكن من أن يجعل العالم يقف على قدم واحدة.

السعداء ببايدن يعترفون بأن ترامب قد أنجز مهمته وجعلهم يسقطون في هاوية الجنون ليصدقوا أن رئيسا أميركيا سيقف معهم. لقد أدى باراك أوباما مهماته القذرة التي انتهى زمانها. ليس بايدن غبيا ليعيد الزمن إلى الوراء. سيكون ذلك نقضا للزمن الأميركي الذي لا يلتفت.

"صباح الخير أميركا" تقولها أميركا لأميركا. ومن خلالها إلى العالم. نحن في يوم آخر. بايدن رئيس آخر له رقم في سلسلة الرؤساء الأميركان وليس هو نسخة عن رئيس سابق. هذا ما لا نحب الاعتراف به نحن العرب، بالرغم من أن الرجل في كل أحواله لن يكون صديقنا. هو صديق مصالحه وهو محق في ذلك. ولكن مصالحه كانت قد حُسمت في عهد الرئيس ترامب. هذا ما يجب أن يفهمه عبيد إيران.

لن يقدم بايدن لإيران ما قدمه أوباما. إيران اليوم مختلفة. لقد أهلكتها العقوبات وما انتظارها القاسي إلا تعبير عن رغبتها في أن لا تعلن عن هزيمتها أمام رئيس فضائحي. أما وقد ذهب ذلك الرئيس فلا بأس من أن تقدم أية تنازلات يرغب بها الرئيس الجديد الذي قد يكون كتوما.

ولكن هل سيتعامل بايدن مع التوقيت الإيراني بطريقة لائقة ويحتشم أمام الولي الفقيه، محترما مكانته التي لا يجب أن تُمس في العراق ولبنان واليمن؟

لن تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. ذلك هو القرار الصلب الذي سترسخه الإدارة الأميركية الجديدة. فهي لم تُهزم ترامب من أجل أن تقود أميركا إلى هزيمة مريعة. ذلك لن يحدث. 

انتهت خطة أوباما منذ أربع سنين. تلك الخطة صارت مستهلكة. العراق وسوريا تم تدميرهما. لبنان بلد مفلس. اليمن غارق في الفوضى. اما جماعة الإخوان فإنها فشلت إلا في ما يقوم به ذيولها من أعمال ارهابية في مدن أوروبية.

سيكون على الولايات المتحدة أن تؤكد وجودها في المنطقة بطريقة مختلفة وبالأخص بعد توقيع اتفاقيات سلام بين دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

ليس لدى أميركا فائض وقت لتنفقه على حماس وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين. لن يتسع الزمن الأميركي لخطط الحرس الثوري في تهديد دول الخليج. ولكن هل سيكون ضروريا أن تدير الإدارة الأميركية رأسها إلى الوراء لتنقب عن أخطاء ربما كانت الإدارة السابقة قد ارتكبتها؟

ذلك لن يكون عادلا. سيقول بايدن "لدينا ما نفعله لنمشي إلى الأمام".

لا يهم ما ستفعله الولايات المتحدة على المستوى الخارجي فهو لن يتقدم بإدارة الرئيس بايدن أو يتأخر بها خطوة. غير أنها لن تقول "صباح الخير" إلا إذا كانت متأكدة من أن ساعات العالم كلها مضبوطة على التوقيت الأميركي.