صفعة الرأسمالية مرحب بها

بتنا في العالم العربي نبحث عن رأسماليتنا المخفيّة في أدراج الأنظمة السابقة، لنعيد اكتشافها من جديد، بعد أن أدركنا بشكل متأخر أنها الحل، ونحن نفقد كل شيء، الثروة والوطنية والاستقرار.
هل يمكن اعتبار الملياردير الأميركي بيل غيتس الذي يتحرك من قرى آسيا البائسة حتى حقول أفريقيا ليوزع لقاحات شلل الأطفال، رأسماليا؟

في سبعينات القرن الماضي يسأل الصبي الذي تعلم في مدرسة حديثة وتفوق باللغة الإنكليزية والده القومي العربي، عما إذا كانت بريطانيا رأسمالية؟ كانت لندن بالنسبة إلى وعيه الغض مثالا في كل شيء على عكس الإمبريالية الأميركية القاتلة الصلفة. لم تكن إجابة الأب آنذاك غير خيبة للصغير الذي أراد أن يعرف لماذا بريطانيا مثالا رائعا بالنسبة إليه وهي رأسمالية في زمن يتطلب مواجهة الإمبريالية! ولمَ لم تكن غير ذلك كما يتمنى!

لا أعرف ما حل بمستقبل الفتى بعد ذلك لكنني أتوقع أنه درس الحقيقة السياسية وتعرف عليها عن قرب، تماما كما عرّف دونالد ساسون أستاذ التاريخ الأوروبي في جامعة لندن، الرأسمالية في كتابه الجديد “النصر القلق” بأنها صفعة مرحب بها وفي محلها!

بينما ينظر الفقهاء السياسيون في الغرب إلى الرأسمالية كنظام متفكك بعد عقود من الهيمنة، يبدو أننا في العالم العربي بتنا نعيد البحث عن رأسماليتنا المخفيّة في أدراج الأنظمة السابقة، لنعيد اكتشافها من جديد، بعد أن أدركنا بشكل متأخر أنها الحل، ونحن نفقد كل شيء، الثروة والوطنية والاستقرار.

من هو الرأسمالي؟ هل يمكن اعتبار الملياردير الأميركي بيل غيتس الذي يتحرك من قرى آسيا البائسة حتى حقول أفريقيا ليوزع لقاحات شلل الأطفال، رأسماليا؟

إذا كان كذلك صاحب شركة مايكروسوفت فهل يتبرع الرأسمالي بثروته أم مازال يمتص قوت الشعوب؟ يتساءل هارولد جيمس في تقرير له بصحيفة فايننشيال تايمز: هل نحن جميعا مذنبون بالرأسمالية ومستفيدون من ثمارها ونتواطأ بالاشتراك في صنع عيوبها؟ ويقول: هناك عدو، لكن من الصعب تحديده. الرأسمالية مثل الأرستقراطية في النظام القديم، مفهوم مراوغ إلى حد بعيد. إنها تتطلب تسويق رسالة أو إحاطتها بالمبالغة والخيال، وهذا يؤدي إلى الشعور بالدوار، وفق تعبير جيمس الذي ينصحنا بقراءة كتاب “النصر القلق” اليوم وغدا.

عندما يتعلق الأمر بالتاريخ فله سمعة سيئة مع الرأسمالية، لكنه اليوم على استعداد ليكون أكثر شفافية بعدما تواطأ في عدم التنبؤ بفشل الاشتراكية. التاريخ يعمل جاهدا اليوم لمعرفة الشعبوية أكثر، وقد ينتظره الكثير المتعلق بالطائفية والعنصرية والقومية، ولهذا يشعر بالندم على علاقته المرتبكة بالرأسمالية.

الكلام القديم عن اضطهاد العمال مجرد جزء لا معنى له من صنع أساطير التاريخ الحديث، ونحن نقارن اضطهاد النساء اليوم في ظروف عمل لا تمت إلى الإنسانية بشيء وتحت أنظمة ترفع لافتة الديمقراطية ومعرفة الله أكثر!

وبدلا من ذلك، يتطلب منا أن نروي قصص نجاح واقعية وحياة شعوب لم تهدر فيها الكرامات تحت قسوة حكومات رأسمالية، صحيح أن هذا النظام يصيب الإنسان بالكآبة والقلق المزمن من اللهاث المستمر تحت وطأة الشعور بالعبودية للعمل، لأن فكرة العمل مرتبطة غالبا بالإيفاء بالقروض المرتبطة بشراء المنازل، وليس من أجل الترف، ومتى كان العمل ترفا؟

تسألني مرشحة حزب العمال في منطقتي قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد أن شعرت بأنني لم أتعاطف معها أثناء جولتها الترويجية على المنازل، لماذا تعطي صوتك للأغنياء؟ مع أني لم أفعل ذلك، لكن تفسير أن الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا بحاجة إلى قراءة جديدة مرتبطة بفساد الحكومات وليس بأي شيء آخر.