صورة المرأة في الدراما المصرية وصولا إلى 'فاتن أمل حربي'

أصبحنا نرى في هذه الدراما امرأة متعلمة،مثقفة، متحدية، تنافس الرجال، في كثير من المواقع والوظائف، بل أصبحنا نرى المرأة تنافس الرجل في العمليات الإجرامية والمناصب القيادية.

لم تعد صورة المرأة في الدراما المصرية سواء الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية، كما كانت عليه سابقا، أو كما رأيناها في فيلم مثل فيلم "زينب" (1930 صامتا، و1952 ناطقا) عن قصة الدكتور محمد حسين هيكل، أو كما رأيناها في شخصية "هنادي" في فيلم "دعاء الكروان" (1959) عن رواية الدكتور طه حسين، والتي قامت بدورها الفنانة زهرة العلا، أو حتى صورة المرأة كما رأيناها في فيلم "الزوجة الثانية" (1967) والتي قامت بدورها الفنانة سعاد حسني، وصورة "الست أمينة" التي قامت بدورها الفنانة آمال زايد في ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين 1964 – قصر الشوق 1967 – السكرية 1973)، وإنما وجدنا تغيرا وتبدلا وتطورا في صورة المرأة من خلال الدراما المصرية، وملامح هذا التغير أو التبدل نراها في على سبيل المثال في فيلم "أنا حرة" (1959) رواية أحسان عبدالقدوس والتي قامت بدروها الفنانة لبنى عبدالعزيز، وفيلم "النظارة السوداء" (1963) رواية أحسان عبدالقدوس، وبطولة الفنانة نادية لطفي، وفيلم "الباب المفتوح" (1963) رواية د. لطيفة الزيات وبطولة فاتن حمامة.

ثم نرى صورة أخرى للمرأة في فيلم "امبراطورية ميم" (1972)، بطولة فاتن حمامة (عن رواية أحسان عبدالقدوس، وسيناريو نجيب محفوظ)، ثم في فيلم "أريد حلا" (1975) للكاتبة حُسن شاه، بطولة فاتن حمامة أيضا وأمينة رزق، والذي شكل نقلةً كبرى في مجال حقوق المرأة، وربما كان سببًا لتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية في مصر في ذلك الوقت.

أصبحنا نرى في هذه الدراما امرأة متعلمة، مثقفة، متحدية، تنافس الرجال، في كثير من المواقع والوظائف، بل أصبحنا نرى المرأة تنافس الرجل في العمليات الإجرامية، وقيادة العصابات، تدرس وتخطط وتقرر وتأمر وتنفذ، وتحدد مصائر الناس، ووجدناها أيضا عمدة ووزيرة وأستاذة جامعة مثل دور ميرفت أمين في فيلم "مرجان أحمد مرجان" (2007) على سبيل المثال، وكانت من قبل محامية في فيلم "الأستاذة فاطمة" (1952) التي قامت بدورها فاتن حمامة مع كمال الشناوي.

لا شك أن مثل هذه المسلسلات والأفلام تعكس واقعًا نعيشه ونراه ماثلا أمام أعيننا، وإن كانت بعض المشاهد تجنح إلى الفانتازيا والإغراق في الخيال، لكنها في النهاية تنطلق من صورة مجتمعنا وما يحدث فيه، فلا تقف مُغمضة العينين أمام ما نشاهده من وقائع اغتصاب وتحرش وعنف وخضوع لسلطة الرجل والتقليل من شأن المرأة، وهذا وجه آخر من وجوه المجتمع.

ولعلي أستطيع أن أعيد للأذهان فيلما مثل ريّا وسكينة (1953)، بطولة نجمة إبراهيم وزوز حمدي الحكيم، لنرى حال المرأة المصرية الفقيرة البائسة الدميمة التي تلجأ إلى العنف والقتل وممارسة الإرهاب في مجتمعها. فضلا عن بعض أفلام نادية الجندي ونبيلة عبيد التي تتحول فيها شخصية المرأة من الشخصية الساكنة أو الهادئة أو البسيطة إلى الشخصية المركبة أو الشريرة أو المسيطرة.

القضايا كثيرة والشخصيات متعددة ومختلفة ودرجات الوعي أيضا متفاوتة، لذا أريد أن أؤكد أننا ما زلنا نسعى ومازلنا نجتهد، ومن الصعوبة بمكان الوصول إلى تصور موحد وشامل لقضايا المرأة سواء في المسلسلات أو الأفلام أو في الواقع الطبيعي، فالمرأة أكثر من نصف المجتمع وقضاياها هي قضايا المجتمع، وإذا كان هناك متحرشون بها، فهناك أيضا متحرشات ببعض الشباب، وإن كانت بنسب أقل.

ولئن كانت هناك قضايا طلاق، فلا ينبغي إلقاء الأسباب كلها على كاهل الرجل وحده، فالمرأة أيضا تتحمل جزءا من أسباب الانفصال. هل يمكننا مثلا القول إن مسلسل "فاتن أمل حربي" (2022) قصة وسيناريو وحوار إبراهيم عيسى، إخراج محمد جمال العدل، بطولة نيللي كريم وشريف سلامة، هو الصورة الوحيدة في المجتمع التي تعكس قضايا المرأة، بالتأكيد هناك صور أخرى، قد تكون أكثر إشراقا وتفاؤلا، فإبراهيم عيسى على سبيل المثال تعرض لقضايا المرأة من خلال منظوره ومشاهداته وتعاملاته وتأملاته في واقع المجتمع المصري الآن، ومن خلال معطيات معينة، تعامل معها، ولا نستطيع أن ننفي عنصر الإثارة والتشويق عن العمل الدرامي، ولكن على الجانب الآخر، هناك علاقات ناجحة وزيجات مستقرة وأسر متفاهمة ومتعاونة ومحبة للحياة، ولكنها بالتأكيد لا تستطيع أن تتناولها الدراما، لأن الدراما بطبعها تعتمد على عنصر الصراع والحوار والحبكة والعقدة والحل والدهشة والتشويق والإثارة، وما إلى ذلك من عناصر أساسية لإنتاج الدراما التلفزيونية أو السينمائية.

إن ما رأيناه في مسلسل "فاتن أمل حربي" على وجه الخصوص، وما تواجهه المرأة المصرية من أزمات ومشاكل وصراع في الحياة، ومع الحياة وتجسيد مشاعر القلق والخوف والغضب والعنف الذي تعيشه الكثيرات من النساء حتى المتعلمات والعاملات يؤكد أن هناك تغيراتٍ مجتمعية كبرى على أرض الواقع، خاصة في ظل إتاحة القانون لانفراد الرجل بمصير الأسرة بعيدا عن مشاركة الزوجة في بعض الحالات التي رأيناها في المسلسل، مثل ضرورة موافقة الأب على إجراء عملية خطيرة لابنته، ومثل قضايا الحضانة والنفقة، وغير ذلك من قوانين ومعاملات – ولا أقول عبادات - أعتقد أنه آن الأوان لإعادة النظر فيها بناء على تغييرات مجتمعية حقيقية، كشفت واقعا يسير بخطى أسرع من خطوات القانون البطيئة التي تسير سير السلحفاة، فلا تواكب زمانَها.

ولعل هذا الأمر هو أحد الرسائل التي يرسلها لنا مسلسل اجتماعي خطير مثل مسلسل "فاتن أمل حربي" الذي كتبه إبراهيم عيسى مباشرة للتلفزيون، ولم يصدر في عمل روائي مطبوع مثل أعماله السابقة: مولانا، وكل الشهور يوليو، ورحلة الدم، ومقتل الرجل الكبير، وصاحب المقام، وغيرها.