ضحى الحداد تتذكر المنسي في الكولاج

المشهد العراقي المعقد والعصي على الفهم يظهر جليا في ديوان الشاعرة العراقية.
الممثل توم كروز يتزوج أسطوريا، ومائتا امرأة عراقية تترمل يوميا
الموت كالحياة ينمو في دواخلنا

بقلم: قاسم محمد مجيد
 
في ديوان الشاعرة ضحى الحداد "المنسي في الكولاج" يظهر جليا المشهد العراقي  المعقد والعصي على الفهم! 
وكما السفن في النهر تشعل أضواءها ليلا في مرفأ البلاد تشعل ضحى بنصوصها سماء "ذات غيوم سود فتحلم بمكان كأمنية بسيطة (مكان تحت الشمس – جل ما أرغب) مثلما يعمل الحنين عمل الحفر على قطعة نحاسية يتصاعد الحنين كلما يكون الإحساس بالفجيعة عميقا ويفتح أخاديد قاتمة حتى تشتهى السراب:  
"كم اشتهي سرابا
شرط أن يخدعني"
وبشعور من الإيمان الذي لايهزم تقول بنبرة واثقة "يا أيتها العصية على اليأس – كوني كما عهدتك أنا - والايام – كوني". 
 وعن بلاد حتى الهواء فيها معبأ بالخوف تزدحم بها قصيدة "سبتايتل":
"انطلاق مكوك الفضاء دسكوفري
ـ انطلاق فرق الموت في شوارع بغداد
•    عاجل: الممثل توم كروز يتزوج أسطوريا.
ـتقرير: مائتا امرأة عراقية تترمل يوميا.
•    اكتشاف دواء يقلّل من احتمال تضخم البروتستات،
ـ اكتشاف مقابر جماعية تقلّل من احتمال التضخم السكاني" ص73.
وعلى نحو واضح تميل الشاعرة الى استخدام لغة تهكمية عن زمن داعر لتنهي المقطع بسؤال مخيف وجريء جدا!
"يا زمن المومسات
لأستر عري الشرف
احتاج تاريخا من الشراشف!!..
 أعضو ذكري كل ما يميز أمتنا؟" ص 33.
ولكي يبدو النسيان معادلا موضوعيا للقاء استخدمت الشاعرة ضحى لعبة المغايرة  لتعطي انطباعا بالدهشة والحركة المستمرة للغة تأويلا "كما بدت ليست مثل بقية النساء فهي ذات خيال جامح "لأهرب منك – سأخرج معك  في موعد – لأنساك فيه". 
وكأي عراقية تواجه الموت كل يوم تخاطبه باعتباره صديقا لها: 
 "مع أننا لم ندرك سن الموت – باغتتنا الحياة".
 باعتقادي أن هذا المقطع الشعري؛ يذكرني بعبارة شهيرة للشاعر ت . س اليوت حين صرخ في لحظة يائس "أين هي الحياة التي قضيناها بالعيش؟".  
وعلى ذات الرؤية تصر الشاعرة على أن الحرب التي تستل أرواحنا شاء الحظ أن يكون جيلنا هو الذي يتحمل المزاج السيء لها: 

مع أننا لم ندرك سن الموت – باغتتنا الحياة
الديوان الأول للشاعرة

"ذات حرب
طلب مني الغزاة
 أن أقول بأني: مَنْجم
كي يبدأوا في جسدي أعمال تنقيب".
وبذات الالتقاط الماهر اليقظ الهادىء النبرة  والحزين جدا تدهشنا قصيدة "تورم زمن" بالرنين الخاص والجملة الشعرية الاستفهامية "للعشب - للقضبان – للنظرة – للالم – للريح –" وبلدان على فراش واحد في "وطن يعربد – كمجنون يعالج بالصدمة الكهربائية". 
ولم تستطع الشاعرة في قصيدة "عزاء  مطعون" أن تهدىء من انفعالاتها بشكل مؤثر  حيث يحتشد في الشوارع الغرابة والرعب ليترك أثر استشهاد والدها ندوبا عميقة في روحها: 
"هم: توهموا شيبتك استسلام
وصمتك: أسرارا سريّة
وابتسامتك: حنقا وطني
وحين أمروا المسدس
آنّت الطلقة
ونزف المطر" 
من الملاحظ أن الشاعرة خرجت من نطاق التقليد المتعارف عليه في أغلب الإصدارات الشعرية، فعنوان الديوان "المنسي في الكولاج" مر سريعا –  في قصيدة  "موعد" واستخدمت كلمة "كولاج" في العنوان للإشارة إلى مدلولات أوسع ففيما تشير المصادر إلى انتماء هذه الكلمة للغة الفرنسية وتعني تكنيك يقوم على تجميع أشكال محتلفة أو بمعنى أدق اللصق لتكوين عمل فني جديد، وأول من استخدمه الفنانان الفرنسي جورج براك والاسباني بابلو بيكاسو. 
ديوان "المنسي في الكولاج" الصادر عن دار نينوى في بيروت هو الإصدار الشعري الأول للشاعرة ضحى الحداد، وكتب المقدمة عنه الاديب الكبير البروفسير عبدالرضا علي.