طباخة الكلمة

صناعة الكلمة، تشبه الى حد ما، عمليات طهي الطعام التي يجيدها كثير من الطهاة المهرة.
المواد المستخدمة في الطبخة الصحفية، غالبا ما تكون كثيرة العدد، وواسعة المفردات والمضامين
صناعة الكلمة فن راق وشاق، وتحتاج إلى مهارات، وربما مواهب خارقة في القدرة على نسج الكلمات

صناعة الكلمة، تشبه الى حد ما، عمليات طهي الطعام التي يجيدها كثير من الطهاة المهرة، بالرغم من أن مهنة طهي الأطعمة، اقترنت بالنساء، وهن من يتولين أمور طبخ الوجبات، وتقديم المقبلات، في وجبة الطعام لتكون الأكلة التي تقدمها لعائلتها أو ضيوفها، مستساغة وطيبة الطعم، يقدمون عليها بنهم، ويشكرونها على ما قدمته من زاد أو طبق، طيب المذاق!
وليس هناك من كاتب صحفي أو حتى روائي أو قصصي، من يتبع الأسلوب نفسه في الكتابة، فلكل كاتب أسلوبه وأفكاره، مثلما لكل طباخ، أسلوبه في تقديم الأكلة التي تشبع نهم ضيوفه، ومن ثم يغريهم بمقبلاته، علّها تزيد في رغبة الضيف أو عموم جمهوره، بالشعور بالطعم الطيب، كي يقال له، أنت طباخ ماهر، وأكلاتك طيبة المذاق، وقد أقبلنا على التهامها، دون أن ندري!
والكاتب الصحفي، لكل له طريقته، في الكتابة وفي طبخ مادته، واستخدام المفردات المكونة للمادة الصحفية، حتى وإن قلت كميات المواد المستخدمة في طباخة الأكل، لكن المواد المستخدمة في الطبخة الصحفية، غالبا ما تكون كثيرة العدد، وواسعة المفردات والمضامين، ويصعب حصر كلماتها أو مفرادتها، لكن الكاتب بمقدوره أن يقوم بطباخة كل سطر أو فقرة منها على حدة، على نار هادئة، ومن ثم توزيع بقية الفقرات تباعا، ليكون بمقدور الجمهور تذوق نكهة ما يكتب، ويقرأ بنهم ما تحت السطور، وما احتوته من مضامين، علّها تكون له زادا شهيا في الحصول على المعلومة أو المتعة التي يجنيها من تذوق أسلوب الكاتب، أو من الثيمات والدلالات التي يحاول أن يضمنها بين أكلته أو زاده الصحفي الشهي!
وقيل قديما، الأسلوب هو الكاتب، أي أن المباديء والأسس المعتمدة في الكتابة، لن يكون بمقدور أي منا تغافلها، ولكن ليس بمقدور كل كاتب أن يجعل مادته الصحفية أكلة مستساغة، أو يقبل على التهامها الجمهور، ومن يتذوق أول سطر من مادته الصحفية، فهو أما يرغم الجمهور على قراءة ما يكتب، أو يترك المادة الصحفية، دون أن يجد فيها ما يلبي رغبته، في أنها كانت تشبع نهمه!

 

ومثلما تحتاج طبخة الأكلات إلى أن تكون بجوارها المقبلات، فالكتابة الصحفية أو الروائية أو القصصية، هي تحتاج أيضا الى استخدام التوابل والمقبلات، لكي تكون نكهة المادة الصحفية طيبة الطعم، ومثلما يحضر الكاتب لطباخة الكلمة، فإن الكلمة نفسها تحتاج أيضا إلى مقبلات، كي يقدم الجمهور على التهام ما تحتويه من مضامين، ويكون الكاتب قد قدم زادا شهيا، قادرا على إقناع الجمهور بأن يتذوق أكلته وزاده الصحفي، وإلا، فأن الجمهور ليس مضطرا لمتابعة ما يسطره الكاتب من فقرات، ربما تكون مملة، إلى الحد الذي ينفر منه المتلقي، ويتركها بسرعة، وربما يوجه كلمات اللعنات على من لا يجد فيه أنه يتوافق مع رغباته وأمزجته، بالرغم من أن الكاتب ليس ملزما في كل الاحوال بمداراة رؤى الجمهور أو توجهاتهم السياسية، وهو كلما كان حياديا في الكتابة، ضمن له جمهورا أكبر، يقدم على قراءة ما يكتبه من تقارير إخبارية أو مقالات!
صناعة الكلمة، فن راق، وشاق، وتحتاج إلى مهارات، وربما مواهب خارقة في القدرة على نسج الكلمات، وترتيب مفرداتها، ويعرف توجهات الجمهور وما يريد، وأن لا يجعل أسلوبه مثقلا على الجمهور، أو متعاليا عليه، أو متناقضا كليا مع توجهاته، وهو في كل الأحوال، أمام جمهور ذكي، وآخر ليس على هذه الشاكلة، وعليه عندما يكتب أن يكون "وسطيا" بين الاثنين، حتى وان أصر على تمرير أفكاره التي يراد منه تمريرها، بأسلوب راق، وسط ازدحام الأفكار، وكلما كسب الجميع، ضمن له مستقبلا أفضل في أن يكون كاتبا له العديد من المتابعين الذين يقدمون على قراءة ما يكتب، ويجدون في أفكاره أشياء جديدة ومثيرة تلفت انتباههم، ولديه أسلوب مختلف عن الآخرين، وهو ما يعد أحد أدوات الكاتب، في أن يكون له جمهور تتسع مساحة ما يقرأ له، أو يتابع ما يكتب، وهو ما يضمن له، مستقبلا أفضل، كلما قدم لجمهوره طعما مستساغا ونكهة طيبة، يدعون ربما له بطول العمر، وأن يوفقه في مهمته، عندما يكون حريصا على سمعة الكلمة ومستقبل شعبه، وهو ما ينبغي لكل كاتب أن يلم بتلك الأساليب، إن أراد أن يكون له مساحة من التأثير لدى القراء والمتابعين، في عصر يعد سريعا، وليس بمقدورك أن تجعل الآخر يتعلق بما تكتب ويتابعه إلى آخره، إلا عندما تقنعه، أن تكريس وقته من أجل قراءة ما يكتب فيه فائدة له، ومن الممكن أن ينقل خبراتك وما تكتبه من مضامين، للآخرين، أن وجد فيها ما يشبه نهمه، أو تدغدغ مشاعره وأحاسيسه وتوجهاته، فربما يشجع آخرين على قراءة ما تكتب، ويكون لك عونا في مساحة الانتشار!