عادل عبدالمهدي ونظرية "بعد ما ننطيها!"

حكم الطائفة مشروع أبدي لن يتزحزح عنه أي من يحكم العراق.

كثيرون كانوا يتوقعون أن يقدم السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور عادل عبدالمهدي على تقديم إستقالته من رئاسة الحكومة، بعد أيام من تسنمه المنصب، ولكن الرجل طمأن الجميع قبل أيام، وقال أنه لم يعد يفكر بمبدأ الإستقالة، وهو الان يستلهم دروس مقولة من سبقوه: "بعد ما ننطيها!"

ونظرية "بعد ما ننطيها" تعني ان مغريات السلطة وهوس كرسيها وما تدره عليهم من امتيازات وسلطات وعلاقات مع دول العالم، تجعل من "الحاكم بأمر الله"، لا يفكر الا بالبقاء لفترة أطول، في خدمة الطائفة، وان الإستقالة مشروع "وهمي" كان في فترة مرتبكة، والان هو من يسيطر على مقدرات الأمور وله القدح المعلى، والأمور عال العال، والشعب وصل الى التخمة من الشبع، والخدمات في اوجها والكهرباء لا ترمش، والنافورات في الطرقات ترش الماء على وجوه المارة لتخلصهم من معاناة حرارة الجو اللاهبة، والامور "بمبي بمبي"، والدنيا ربيع والجو بديع!

 لا تصدقوا أن السيد عادل عبدالمهدي يقدم إستقالته في يوم من الايام، حتى لو تقطع العراق الى اربع دول وكانتونات طائفية، وامل من يجلس على هذا الكرسي أن يبقى هو "القائد الأوحد"، وهي النظرية التي كرسها كل حكام العراق منذ عقود، وبقي هذا الحلم يراود كل من يجثم على كرسي السلطة في هذا البلد، وتبقى الاستقالة وكانها من قبيل المحرمات والخطوط الحمر، التي لن يقترب منها حاكم في هذا البلد في يوم ما حتى ولو إنقلبت الدنيا على رؤوس العباد.

أجل من حق رئيس الوزراء أن يقول "ما ننطيها" لأن من أوكلوه أمر كرسي السلطة، كانوا يتوقعون أن يبقى الرجل لأيام، ومن ثم يقدم الرجل استقالته ويصفى لهم الجو، ويعودوا هم ينصبون آخر بدلا عنه، وكأنه "البديل المنتظر" الذي يحل مشاكل العراق، برمشة عين.

ويدرك السيد عادل عبدالمهدي أنه وان كان الحاكم الأوحد ويرفض الإخلاء ويبقى متمسكا بالكرسي حتى آخر لحظة من حياته، فهو لأن الكتل السياسية هي من وافقت عليه، وهي من رشحته، وهي تتحمل وزراء هذا الترشيح، والرجل أراد أن يغير ويجري تعديلات على الكثير من انماط السلطة واسلوب التعامل معها، ولو بخطوات بطيئة لكن بعضها جريء، وهو في كل مرة يصطدم بمطالب الكتل السياسية التي تحاول الاحاطة به من كل جانب، وهي تضيق عليه الخناق وتحبس عليه أنفاسه، ومع هذا يسعى لأن يخرج من ضغوطها ومطالبها، وهو سالما معافى، دون أن يمسه الأذى.

ولهذا فأن السيد عادل عبدالمهدي، مطمئن أكثر من أي وقت مضى، من ان عهده لن يكون قصيرا، وهو وأن أرغم على الاستقالة تحت ضغوطات الكتل في قادم الأيام،، فهو لن يسلمها لهم، الا بعد ان يجرعهم كؤوس الحنظل، لكي لا يعيدوا إختياره مرة أخرى. فهم من اختاروه وعليهم تحمل أوزار اخطاء الحكم شاءوا أم أبوا.. والعاقل يفهم.

السيد عبدالمهدي لا يؤمن بعد اليوم بمنطق الاستقالة، وهو يدرك ان تحقيق تلك الخطوة، لتلبية رغبات بعض الكتل السياسية تعد من قبيل الأمنيات المستحيلة، لكنه يبقى يؤمن بنظرية "بعد ما ننطيها" للدلالة على ان حكم الطائفة مشروع أبدي لن يتزحزح عنه أي من يحكم هذا البلد في قادم الأيام كونه مشروع حياة أو موت، بالنسبة لمن يعدون أنفسهم "الأغلبية السياسية" وهم من لهم كلمة القول والفصل في حكم العراق.