"عاصفة حنين" شقاء المحبين من طرف واحد

كتاب خلود الأفندي العلوي يضم قصة شعرية مطولة عن الحنين مكونة من 25 مقطعا منوعا سجلت فيها الكاتبة حكاية الإنسان مع الأزمنة والأمكنة.
المجموعة القصصية تهتم، أول ما تهتم بالإنسان وقضاياه
الكاتبة تنسج عوالمها بروح الأنثى الحزينة المجروحة، التي تحاول أن تعالج جراحها الخاصة

يضم كتاب "عاصفة حنين" للكاتبة السعودية خلود الأفندي العلوي، قصة شعرية مطولة عن الحنين مكونة من 25 مقطعا، منوعا سجلت فيها الكاتبة حكاية الإنسان مع الأزمنة والأمكنة. يعلو صوت الأنثى على صوت الذكر، فنشعر برقة هذا الصوت وعذوبة نداءاته العاطفية، وحنان عباراته وشفافيتها، وتدفقها الهامس كمياه نبع عذب.
حكايات مليئة بالحنين والشوق والتمسك بالمبادئ والقيّم الإنسانية، وبالوطن الذي لا بديل عنه، فالبديل هو اللجوء والمنفى والغربة والشتات. 
إن هذه المجموعة القصصية الصادرة حديثا عن دار العلوم للنشر والتوزيع، تستحق أن تحظى باهتمام القارئ، فهي جديرة بالقراءة، لأنها تهتم، أول ما تهتم، بالإنسان وقضاياه: فرحه وحزنه، شقائه وسعادته، إحباطاته وطموحاته، زهده ورغباته، اندفاعاته واحتياجاته. هي قصص بطلها الإنسان أولا وأخيرا، بغض النظر عن جنسه، أو هويته، أو قوميته؛ فتأتي حافلة بشؤونه المبثوثة في مشاهد إنسانية تحتفل بمشاعر الحب والشوق، العشق والحنين، الإيمان والثبات. شخوصها من ضحايا هذا العالم الظالم، يقفون على حد السكين، لكنهم لا يحنون قاماتهم، ولا ينكسرون. يقفون وقفة عز، فما زال الأمل يغرد في أفق لا تنفك أنظارهم تشخص إلى نجومه العالية.
الحكايات في المجموعة قصيرة وتعتمد على الاشتغال على الزمن والانفتاح على الحلم فتقول في قصة "لعنة": "لا اعلم هل كنت تناديني ليصحو هذا الحنين الساكن بي؟ أم انك تقوم ثلثي الليل لتدعو الله أن لا ينتزعك من أعماقي. وعندما أنام أراك حلما".  

The Saudi Story
كاتبة تمتلك ناصية السرد المضمخ بالشعر

ويبدو التأثر بالنص القرآني في العبارة السابقة كأن الحنين نوع من العبادة تشبه قيام الليل ومناجاة الحبيب لحبيبه. كذلك يبدو التأثر بالقرآن الكريم في قصة "طيفك وذاكرتي" فتقول: "لم تعد حروفي حروفا أبعثر بها ما بصدري، عجز لساني .. ماتت لغتي .. شُلت ذاكرتي إلا عنك .. يقولون أرض الله واسعة، ولكنها ضاقت بي حتى شعرت أنني أتصّعد في السماء".
في الكتاب، يتناوب المونولوج والسرد الوصفي، وتحاول الكاتبة تخطي الحدود بين الضمائر لتصل إلى تداخل أفعال الحكي عبر صوتين يتجاوران في الإعراب عن الحالة. وهي كما يبدو حاجة وجدانية أكثر منها اختباراً فنياً، وتبرز على وجه الخصوص في المقاطع التي تمس وضع المرأة وشرطها الاجتماعي مثل مقطع "اختيار خاطيء" فتقول: "في كل مرة أصادف بها أناسا يجيدون عشقي/ بالطريقة الصحيحة/ إلا أنها للشخص الخطأ / أهي دائرة مغلقة؟".
تقدم الكاتبة مادتها بأسلوب السرد الواقعي مع محاولة اللعب على الأجواء بتغريبها، وفي مقطع المرة الأولى تسجل إصابتها بانفصام الشخصية جراء هذا الحب فتقول: "فأنا معه حقا، أشعر بنفسي تلك الفتاة ذات القلب المحب المتيم الثمل الذي يهيم عشقا/ ومع غيره تلك الفتاة الصلبة التي تجيد المجاملة دائما، ولكن بلا إحساس داخلي".
وفي مقطع "من يختار" ترصد الكاتبة تعقيدات النفس البشرية، حيث تلتقط المشهد من مناطق مألوفة لكنها معزولة في الوقت نفسه فتقول: "تُرى من يختار أن يكون عاشقا؟ ومن يختار أن يكون المعشوق؟ العشق يختارنا أم نحن من يختار دائما؟/ أيختلف العشق من شخص لآخر؟ أم هو واحد منسوخ في كل القلوب؟"، فهي تمزج الحياة بكل ألوانها، وتكرس نبل الأنثى العاشقة.
تنسج خلود الأفندي في الكثير من المقاطع على حدث أثير لدى الكاتبة، هو كيف تعالج الأنثى واقعة الحب من طرف واحد، وكيف تتعامل مع هذا الشقاء؟ هل تقاوم بأسلحة الأنثى صدود الرجل عنها؟ أم تنتقم لمجرد عدم حصولها على ما تريد من عواطف متبادلة من الرجل؟ هل الأسلوب العاطفي بإظهار الشقاء، والحزن لتحصل على ما تريد أم بالأسلوب المداهن، المبني على الكيد للرجل المحبوب، وجعله يركع لما تريد منه الأنثى غير المحبوبة؟ فتقول في مقطع "لي الله": "لي الله قبل رحيلك وبعد رحيلك / لي الله عندما تبرأ قلبي مني ورحل معك". 
هذا الحنين الذي حولها إلى حطام إنسانة مهشمة أشبه بمدينة تم تخريبها على يد شخص واحد فتقول: "تبا لحنين/ جعل من جوف صدري حطام مدينة/ سكانها شخص واحد هدمها/ وغادر بهدوء".
تنسج الكاتبة كل تلك العوالم بروح الأنثى الحزينة المجروحة، التي تحاول أن تعالج جراحها الخاصة، من خلال نصوص شفافة غلب عليها روح الشعر وموسيقاه، نجد ذلك في مقطع "آلة الزمن" فتقول: "انخرطت كثيراً في أعباء الحياة/ بحثا عن أي شيء قد ينجح/ ويجعلني أتخطاك".

فنحن أمام كاتبة تمتلك ناصية السرد المضمخ بالشعر، الذي يهدف إلى التغيير في البنى العاطفية والفكرية، وتدشين ذائقة ترفض الظلم والقبح، وشقاء المحبين من طرف واحد. الكاتبة صاحبة أسلوب قويّ ومميّز، وذو طواعية فريدة، ونكهة لذيذة فى مطبخ الأدب.