عالم المصريات الكبير حسين عبدالبصير بين الرواية والتأريخ

مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية :الكُتاب ينقسمون إلى ثلاث أنواع، كاتب للماضي، وكاتب للحاضر، وكاتب للمستقبل، وأنا أعتبر كاتب للحاضر.
لولا وجود المرأة ما كانت الحضارة القديمة
المرأة في مصر القديمة هي التي كانت تخطب الرجل
كتابي قصة الحضارة خاص بأرض مصر وليس العالم ككتاب ويل ديورانت
أحب الإسكندرية و(سحر الإسكندرية' أول كتاباتي عنها ولن يكون الأخير

تتنوع مؤلفاته بين كتب التاريخ والرواية، عالم مصريات كبير، ومدير لمتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، نشر الكثير من الأوراق البحثية في مؤتمرات عالمية، وترجمت كتبه لعدة لغات.

من أشهر مؤلفاته "ملكات الفراعنة"، "سحر الإسكندرية"، "الأسرار"، "الفراعنة المحاربون" وغيرها.

تنوعت إصداراتك ما بين الرواية وكتب التاريخ، وكان لكتب التاريخ الرصيد الأكبر، إلا أنه حتى في رواياتك قد اخترت الرواية التاريخية.

لقد بدأت كروائي ثم درست التاريخ والآثار فيما بعد، وبالنسبة لي فإن التاريخ والآثار كلاهما متداخل عندي، ودائما ما أحاول أن تكون كتاباتي مبسطة للجمهور العام، وبلغة عربية سهلة وسلسلة، أضيف إليها الحس الروائي التشويقي، بحيث تصل المعلومة إلى الناس جميعا البسطاء منهم والمثقفين، خاصة الشباب والأجيال الجديدة.

ويحزنني أن أرى أشخاصا غير متخصصين حين يكتبون عن الحضارة المصرية يسيئون إليها؛ لأنهم يكتبون معلومات مضللة وغير حقيقية؛ لعدم توفر المعلومات الصحيحة لديهم، ومنها بعض الكتابات الغربية التي تكره مصر القديمة، والتي يسعى أصحابها لتشويه هذه الحضارة وهذا التاريخ، لذلك كانت كتاباتنا باللغة الأجنبية وموجهة للأجانب لتصحيح هذه الصورة، ولكن أليس للمصريين والعرب حق في معرفة هذا التاريخ بحقيقته دون تزييف من متخصصين خاصة وهم أبناء تلك الحضارة؟ بلى، فنحن لن نبيع حضارتنا ولن نشوهها، لذلك بدأت بالفعل بكتب مبسطة موجهة لعامة الناس عن الآثار والتاريخ،ولأنه علم صعب، لذا يحتاج للكثير من التبسيط.

تتناول في رواياتك مصر القديمة تحديدا فما السر وراء ذلك؟

أحاول بقدر الإمكان من خلال الكتابة الإبداعية تناول مصر القديمة، ويوجد كتاب عالميين وصلوا بمصر القديمة للعالم كله، مثل كريستيان جاك، روبير سوليه،وجيلبيرسينويه، وقبل هذا أستاذنا نجيب محفوظ في بدايته أيضًا، حيث كتب ثلاث روايات عن مصر القديمة، وهذه الروايات هدفها إحياء هذا التراث، وهناك كتابات عظيمة لجمال الغيطاني ، وقبل ذلك أيضا في ثورة 1919حدثت نهضة واهتمام كبير جدًا بتاريخ مصر وآثارها القديمة، خاصة بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.

فالهدف هو تقديم عمل أدبي، وفي نفس الوقت يعرف الناس بالتراث، ويجعل الناس تعود لتقرأ عن تاريخ مصر القديمة،خاصة بعد حدثين كبار في الفترة الأخيرة، وهما نقل المومياوات وطريق الكباش بحضور السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، والآن نتطلع لافتتاح المتحف المصري الكبير، وفي نوفمبر القادم نحتفل بمرور 100 سنة علي اكتشاف مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون وهنا في مكتبة الإسكندرية يوجد عدد من ذاكرة مصر عن هذا الحدث ويوجد عدد كبير جدا من المقالات في هذا العدد احتفالا بهذا المناسبة العظيمة كما سيقدم عدد كبير من العلماء محاضرات وسيكون ذلك حدث مهم.

لا تكتب التاريخ بشكل منفصل عن الواقع ففي رواياتك دائما ما تقوم بعمل إسقاطات على الواقع.

الكُتاب ينقسمون إلى ثلاث أنواع، كاتب للماضي، وكاتب للحاضر، وكاتب للمستقبل، وأنا أعتبر كاتب للحاضر،مثل الأديب العالمي نجيب محفوظ حيث بدأ بالرواية التاريخية، فرادوبيس كانت عن الملك فاروق، وكفاح طيبة عن الاحتلال البريطاني، فعند الكتابة لا تستطيع الانفصال عن الواقع.

من المعروف أن القراءة لها مستويات متعددة،فالقارئ الذكي والقارئ الناقد، يصل إلى مستويات النص وعمقه والدلالات وطبقاته، أما القارئ العام فيكتفي بالمستوى الظاهر للنص،  فالكتابة فيها عمق وفيها رمزية.

وتحت إشراف د.أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية سنقدم سلسلة جديدة اسمها "سلسلة تراث الإنسانية" للنشأ والشباب،وهي سلسلة كتب صغيرة من 50 صفحة أبيض وأسود،بسعر مخفض فقط خمس جنيهات، ومكتبة الإسكندرية لها دور عظيم في وصل الماضي بالحاضر وسد الفجوة بين الفترتين.

كما تهتم بالتاريخ فأنت تهتم بدور المرأة في صناعة هذا التاريخ وهذه الحضارة وأحد إصداراتك يحمل عنوان "ملكات الفراعنة" هل يمكنك تسليط الضوء على أهم الشخصيات النسائية في التاريخ؟

أرى أن كتاب "ملكات الفراعنة" كتابا لطيفا جدا، فهو يتناول المرأة ودورها في مصر القديمة وأهميتها، حيث كان لها دورا كبيرا جدا،ولن أكون مبالغا لو قلتأنه لولا وجود المرأة ما كانت الحضارة المصرية القديمة؛ لأن الحضارة هي إيزيس التي بعثت أوزوريس من الموت،وأنجبت وربت حورس، الذي أصبح خليفه لأبوه علي عرش مصر، كما أن السيدة أو الملكة تصبح وصية علي الابن أو الطفل الصغير حتي يشب ويصبح قادرا على حكم البلاد، ومصر هي التي أبدعت هذا النظام؛ لأن العم قد يطمع في الحكم، بالإضافة لوجود ملكات عظيمات، مثل حتشبسوت، حتى كيلوبترا السابعة وهي مصرية بالتمصير، وكانت تجيد الهيروغليفية والكتابة المصرية القديمة، وكانت تجيد تسع لغات، وفي الكتاب تحدثت عن أكثر من 30 ملكة، تناولت فيه تاريخهم وآثارهم والأحداث السياسية التي حدثت في عهدهم، كما كان للملكة دورا في مساندة زوجها كملك، أو ابنها كملك.

كما كان للمرأة دورا في البيت والمعبد والوزارة وفي الطب، فقد كانت المرأة المصرية القديمة بالنسبه لنا هي رمانة الميزان وشريكة الرجل في الحياة وفي الموت.

في كتاب موجز الحياة في مصر القديمة تناولت الحياة اليومية والظواهر الإجتماعية من زواج وطلاق، نحب أن تلقى الضوء على بعض تلك المظاهر.

بالفعل سلطت الضوء في الكتاب على الظواهر الاجتماعية في مصر القديمة، ومنها الزواج، حيث كانت المرأة هي التي تخطب الرجل، وكان للزواج 16 شاهدا، والطلاق له 4 شهود، وإذا طلقت المرأة وكانت لها "قائمة منقولات" تأخذها، وتأخد كل الأشياء التي تزوجت بها من بيت أبيها، وفي نفس الوقت الرجل يرصد لها شوالة الغلال لتأكل منها وهو ما يماثلالنفقة في الإسلام، أما في الميراث فعند موت الرجل تأخذ النص وأحيانا الثروة كلها وأحيانا الثلثان وباقي الورثة الثلث،  وكانت تمثل أمام المحكمة ولها أهلية واستقلالية مالية منفصلة عن الزوج، وهناك مقالة نشرت في الشروق منذ فترة عن حقوق المرأة في مصر القديمة، وكل هذه الأمور تتماشي مع ما يأمر به الإسلام، فوالدها يكون وليها، كما يمكن أن تكون هي ولية نفسها فتزوج نفسها،وبالتالي نحزن أن تطالب المرأة في العصر الحديث بحقوق كانت قد حصلت عليها في الماضي، وبلا شكفقد سبقنا الحضارات القديمة التي كانت معاصرة لحضارتنا في الشرق الأدنى القديم،كما سبقنا أيضًا بلاد اليونان وروما وهذا يؤكد علي أسبقية الحضارة المصرية القديمة في أشياء كثيرة جدا.

هناك كتاب لك اسمه قصة الحضارة وهو نفس اسم الكتاب الشهير لويل ديورانت.

قصدت في كتابي "قصة الحضارة" الحضارة في أرض مصر ولكن ويل ديورانت يتكلم عن حضارة العالم كله، فأحببت أن أقدم "بونبوناية" للثقافة المصرية كلها، في عدد محدود من الصفحات، فهو كتاب مفهوم ومبسط أتناول فيه الأسرار والغموض والأشياء الجميلة في مصر القديمة، بداية من نشأة الحضارة،مرورا بالآثار والمتاحف، وكل كتبي في هذا الإطار، فهيردوت قال جملة شهيرة "مصرهبة النيل" وهذه مقولة خاطئة، فالنيل يمر في مصر وبلاد أخري ورغم ذلك لم تنشأ حضارة إلا في مصر، لذا فالصحيح أن مصر هبة النيل والمصريين،  فهذا التصويب لهذا الأمر هام جدا.

"سحر الإسكندرية" كتاب ساحر عن مدينة ساحرة، عمل هذا الكتاب ضجة، وهو من أهم كتبك، والذي اخترت أن يكون المكان هو البطل وليس الزمان كباقي كتبك، حدثني عن الكتاب وعن الدافع وراء هذا الكتاب.

أنا أحب الإسكندرية، وأزورها من زمان، ومنذ 1017 تشرفت بالعمل بها في عهد د.مصطفى الفقي، ومستمر فيها في عهد دكتور احمد زايد،وأعشق المدينة بالناس بالحجر بالشوارع،فكتبت هذا الكتاب هدية للإسكندرية ومحبيها،تناولت فيه التاريخ، ومكتبة الإسكندرية،والمعبد اليهودي،والمرسيأبو العباس، والكنيسة المرقسية، وملكات البطالمة، والإسكندر الأكبر، ويوليوس قيصر، وأكتافيوس أغسطس، ومحمد علي، وقصر المجواهرات، ومتحف الفنون الجميلة، وكل الأشياء التي تؤكد على عظمة الإسكندرية والشخصية الإسكندرانية، وهي مكان صغير ممثل لمصر، ومرت عليها حضارات وظهر فيها التعايش والتداخل بين الأديان والأجناس والعلاقات، فكتبت هذا الكتاب من منظور تاريخي آثري،ومررت على تاريخ هذه المدينة عبر العصور.

ومستمر في الكتابة عن مدينة الإسكندرية، وهذا الكتاب مجرد بداية فقط، ولكني سأتحدث عن المدينة كروح وشخصيات وتاريخ وماضي وحاضر سواء في أعمال أدبية أو أعمال تاريخية توثيقية.