عبث البحث عن رئيس للبرلمان العراقي

الديمقراطية الطائفية تُدار بطريقة تُلغى من خلالها حقوق طائفة بغض النظر عن الاستحقاق الدستوري.

منذ أن تم استبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب العراقي بقرار من المحكمة الاتحادية، والبرلمانيون يهدرون الكثير من أوقاتهم ويتعبون أنفسهم في محاولة لاختيار رئيس جديد لمجلسهم. ليست هناك على جدول أعمالهم قوانين أو مسائل ملحة يناقشونها. وإذا ما كان منصب رئاسة المجلس من نصيب المكون السني حسب العرف المعمول به في سياق نظام المحاصصة فإن حسم ذلك الأمر لم يُترك للكتل والأحزاب التي تحتكر تمثيل المكون، فهي لا تمتلك القدرة على الدفاع عن حقها في ما يُسمي بـ"الاستحقاق الدستوري".

كل المرشحين الذين تقدمت بهم الكتل والأحزاب "السنية" لنيل المنصب لم يوافق عليها ممثلو تحالف الإطار التنسيقي وهو الكتلة الأكثر ثقلا في البرلمان. وبالرغم من أن رئاسة مجلس النواب لا تقدم ولا تؤخر في مسألة إقرار القوانين التي تفرضها الكتلة الأكبر فإن هناك مَن ينظر بحساسية مبالغ فيها إلى نوع الشخص الذي يحتل ذلك المنصب وتوجهاته التي يجب أن تكون متطابقة بشكل كلي مع السياسات التي يفرضها التحالف "الشيعي" الذي يقوده نوري المالكي والمعروف بنزعته الطائفية التي أغرقت العراق بالعديد من الكوارث والمآسي، كان احتلال داعش للموصل وغرب العراق أشد تلك الكوارث عبثية.

برلمان العراق كما حكومته يعمل في ظل هيمنة تحالف هو عبارة عن مجموعة الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران. وهو ما يعني أن السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية خاضعة بشكل أو بآخر لقرار إيراني، حتى لو تعلق الأمر بمسألة شكلية هي رئاسة تلك السلطات. وليس من المبالغة أن يُقال إن رئاسة تلك المؤسسات الحساسة مسألة شكلية. فلا رئيس مجلس النواب ولا رئيس الحكومة ولا رئيس المحكمة الاتحادية يملكون اتخاذ قرار خارج إملاءات التحالف الحاكم.

من دواعي السخرية المريرة أن يكون البرلمان هو المكان الذي تُخترق فيه الديمقراطية. النواب الذين تم اختيارهم على أساس ديمقراطي حسب ما يُقال محرومون من ممارسة حقهم الديمقراطي في ظل هيمنة كتلة حزبية، لم تعد قادرة على تحمل شروط النظام الطائفي الذي وضعها في الواجهة حين وهبها حقوقا تقع خارج الاستحقاقات السياسية. لهذا يمكن القول إن الديمقراطية الطائفية تُدار بطريقة تُلغى من خلالها حقوق طائفة بغض النظر عن الاستحقاق الدستوري. وهو ما جربه اللبنانيون لعقود، من غير أن يشعروا بالفرق. وهو ما يعني أن فراغا رئاسيا في أي سلطة من السلطات الثلاث لا يؤثر على وقائع العيش بكل تشاؤمه.

لا فرق أن كان هناك رئيس لمجلس النواب أو لم يكن. تلك مسألة شكلية، يسخر البرلمانيون من أنفسهم حين يظهرون حماسة لحسمها والانتهاء منها. غير أنهم في كل استعراضاتهم الهزلية إنما يحاولون قتل الوقت ن أجل تأجيل النظر في المسائل والمشكلات التي تعيق عمل الحكومة. غير أن الثابت أن الحكومة سعيدة بما يجري. فهي ثابتة عند خط الانطلاق. لا برامج تنمية في ظل تعليق الخدمات الأساسية إلى أجل غير مسمى. حكومة من ذلك النوع لا ترى في تعطيل البرلمان إلا فرصة لقضاء الوقت وهي توزع الامتيازات على أفرادها الذي صاروا تلقائيا جزءا من فرق الفساد التي تخصصت بالتصرف بالثروة في أسرع وقت ممكن. وفي ظل غياب صحافة حرة فلا أحد يمكنه مساءلة مجلس النواب أو الحكومة عما يجري.

ولو لم يكن الأمر كذلك لتم اختيار أي شخص لرئاسة مجلس النواب الذي كان محمد الحلبوسي يديره بكفاءة وهو شخص لا يملك أية موهبة سياسية. فالمسألة لا تتعلق بمَن يُدير جلسات المجلس. المسألة تتعلق بالمجلس نفسه. فهل هو مؤسسة نافعة تعمل لتصريف شؤون الناس أم أنه مجرد كيان فارغ من أي محتوى إيجابي؟ عبر ما يقارب عشرين سنة وهي عمر الديمقراطية التي فرضها الأميركان على العراق بمواصفات خاصة لم يقر مجلس النواب قانونا واحدا كان له معنى مؤثر في حياة العراقيين. لم ينتظر أحد من العراقيين بلهفة يوما ما صدور قرار ما من المجلس، بل أن الحكومات المتتالية لم تربط عملها بما يمكن أن يقره البرلمان من قوانين يمكن أن اسهل عملها.  

برلمان العراق هو كيان معلق في الفضاء وهو لذلك مقطوع الصلة بحياة العراقيين، بل لا يراقب عمل الحكومة إلا بطريقة كيدية، وهي طريقة الانتقام الحزبي والطائفي وهي طريقة ليست غريبة على العراقيين. لذلك فإن البحث عن رئيس له هو عمل عبثي يليق به.