عبير سليمان: المطبخ ألهمني عدة نصوص

عبير سليمان شاعرة سورية صدر لها أربعة دواوين "رسالة من بيدق ميت"، و"ونُفخ في الناي" و"لن أسرق البحر" و"ركاب الزوارق الورقية" والخامس قيد الطبع.  نشرت قصائدها في عديد من المجلات والجرائد والمواقع والأنطولوجيات العربية وأقامت أمسيات شعرية متعددة داخل سوريا وخارجها.
أفضل الأكلات والحلويات السورية بالنسبة لكِ؟
السؤال عن أكلات مفضلة أمر محيّر، لأن عدد الأكلات الطيبة التي أحبها كبير جداً وغالباً أمر المكوّنات لا يهمّ طالما أن الصنف مطبوخ كما ينبغي، إنما بكل تأكيد هناك أكلات ذات سطوة على النفس والفم واللسان أكثر من سواها، نحب تناولها على مهل والتلذذ بكل لقمة كمن يسمع أسطوانة موسيقى، إنها علاقة غريبة بين الذوق وتفاصيل المواد الموجودة في اللقمة الشهية، تشبه السلطنة مع أغنية طربية تماماً.
وأنا أكتب ما سبق تذكّرت التبولة والفتّوش، لأنني أجد نفسي منجذبة للنكهات الحامضة والمتضاربة في نفس الطبق، حامض وحلو ولاذع في آن، أحب أن أشعر بتمايز الطعمات، وأنا ألتهم كل لقمة على حدا، إنما تبقى التبولة والفتوش محسوبتين على السلطات، والسلطات عموماً تشبه وصيفاتٍ بديعاتٍ لأميراتٍ أبدع، أحبّ أكلات اللبن المطبوخ، تسمونه في مصر الزبادي، مثل الشاكرية والكبة اللبنية والشيشبرك، مقلوبة الأرز مع الباذنجان، السباغيتي بمختلف أشكال تحضيرها، الكبة المقلية والمشوية وأحب أكلة البطاطا مع الدجاج المخلل بالشطة الحارة في الفرن.
ومن الحلويات، الكاتو المصنوع في المنزل حصراً، والكنافة شغل اللاذقية حصراً والبوظة بالفواكه ونكهة الورد شغل اللاذقية حصراً أيضاً، وحلاوة الجبن والبقلاوة والمعمول الحشوّين بالجوز حصراً.
مطبخك المفضل بعد المطبخ السوري؟
أحبّ المطبخ الإيطالي، أسلوبه المتوسطي في تحضير الطعام يشبه إلى حد ما الأسلوب التقليدي في سوريا، كاستخدام البصل والثوم ومرق البندورة مثلاً في أصناف متعددة يأكلونها، تابعتُ فنون المطبخ الإيطالي وفنون مطابخ عالمية مختلفة عبر قناة متخصصة بالطبخ وعبر سلسلة برامج وثائقية ترصد ثقافة الطعام في كل بلد اعتماداً على مناخه وطبيعة الموارد النباتية والحيوانية المتوفرة في بيئته، وأخرى تسعى لتقييم المطاعم بعدة نجوم وفقاً للأسلوب المتبع في الإعداد ونوع المواد المستخدمة فيها.
لكن بطبيعة الحال هناك إضافات من مطابخ عالمية أخذ الجميع منها وصفات محددة تكاد تكون ذائقة متفق عليها عالمياً مثل دخول الكاري الهندي والبشاميل الفرنسي إلى المطبخ العربي على سبيل المثال.
من المطبخ الخليجي أحب الكبسة ومن اليوناني السلطة اليونانية ومن الفرنسي سلطة نيسواز.
أكثر الأكلات التي تجيدين طبخها؟
أنتمي إلى جيل تربّى على ضرورة إتقان المرأة للطبخ كي لا تكون أقلّ مهارة من السيدات المحيطات بها ضمن العائلة والمعارف ثم عائلة زوجها وضيوفه، إلخ، لذلك رصدتُ وقتاً كافياً لتعلّم مهارة الطبخ بعد انتهاء دراستي الجامعية، لم أكتفِ بما علمتني إياه أمي أو حماتي من خبرات، بل احتفظت بدفتر أسجّل فيه الملاحظات والوصفات الجديدة التي أسمعها من صديقات أو برامج طبخ أو أقرأها في مجلات منوعة كنت مشتركة بها، مع الوقت صرت أجيد تحضير معظم الوصفات الصعبة والسهلة وحاولتُ تزكية المقادير المعتادة فيها بلمسات جديدة كل مرة من باب التجريب.
على كل حال، بعض اللحظات في المطبخ ألهمتني كتابة عدة نصوص؛ مرّة كنتُ أقطّع الخضار على لوح التقطيع بِسكّين لا أستخدمها عادةً إلا لتقطيع اللحوم كونها حادّة جداً، خلال التقطيع تذكّرتُ أنّ السكّين ذاتها تمّ استخدامها قبل سنة في موسم عيد الأضحى، قرأ الشيخ عليها آياتٍ قرآنية واستخدموها لتقديم الأضاحي، ارتجفتُ حين تذكّرت وتركت السكين، وكان الأمر سبباً في كتابة نصٍّ قديم لي:

بالكاميرا التي صورت بكاء الفتى المذعور 
تصوّرَ مبتسما..
بالولاعة التي استخدمها ليوقد تحت قهوته
أحرق بيت الفتى.. 
بالسكين التي نحر بها الفتى 
قشر التفاحة ثم أكلها
وأنت تلوم قلمي القاسي 
على كتابة هذا النص!"
أيضاً ثمة مقاطع عديدة كتبتها من وحي تجربتي في الطبخ منها:
"أسمكَ عودُ  فانيليا في آنية الأسماء"
كذلك:
في الطبق طعامي المُفضّل،
في الكأس مشروبي الأثير،
لكن
من أين أجلب  شهيّة الأكل
فيما الطاهي الذي حضّر الوجبة حزين ؟!
أهم ما يميز الأكل السوري عن غيره؟
دون تحيز، وبكل موضوعية أستطيع الادّعاء بأن المطبخ السوري هو الأفضل عالمياً، أعتبره سيّد الفنون الفاخرة في هذا المجال.
معظم المطاعم العالمية تحاول إضافة علامة تشير إلى فخامتها، تجرّب وتزيّن الأطباق وتنوّع وتبتكر، قد تنظرين إلى صحن أكل فرنسي مزخرف بطريقة بديعة، فتحكمين بأن هذا التزويق هو معيار للحكم على الطبق بأنه الأجود، فيما قد لا تستسيغين طعم الأكل المؤلف للتحفة البصرية الموجودة في الصحن.
حسناً إن تزيين المائدة تتويج لكل العمليات المعقدة التي تجري في المطبخ، لكنّ الروح التي ساهمت في التحضير منذ مراحل الغسل والتقشير والتقطيع الأولي، إلى مرحلة وضع اللمسات النهائية على الطبخة هي صاحبة الفصل بذلك، وأرى أن الأكل السوري يتفوق على سواه في هذا المجال لأن المرأة السورية صاحبة ذائقة عالية عموماً، تحب الطعام الجيد وتحب أن تحبه عائلتها وجيرانها وأقاربها، لذلك كانت تسعى دوماً للتفوق على نفسها في هذا المجال، فاخترعت ما لا يقل عن تسعين نوعاً من الكبة وعشرين نوعاً من المحاشي وأنواعاً شتى من الأكلات المطبوخة باللبن، أضف إلى أن تنوع بيئات سوريا وأعراقها جعل قائمة طعام المطبخ السوري تصبح أكبر وأغنى، فعدا عن الأصناف المشتركة التي يأكلها جميع السوريين، هنالك أكلات مرتبطة بكل مدينة أو منطقة تبعاً لما هو متوفر فيها. 

في جبال الساحل السوري تعتبر طبخة البرغل بحمص المطبوخة مع لحم الخروف أو العجل وورق الغار على الحطب ضمن أوانٍ كبيرة "الدست"، تقليداً رسمياً في موسم الأعياد، وفي مناطق حوران يقدّمون منسف "المليحي" في الاستقبالات والاحتفالات، فيما يفخر أهل حلب بأنهم صنّاع الكبة على أصولها ولهم أصناف بديعة في مجالات اللحوم مثل أكلة اللحم بالكرز، وثمة أنواع حلوى معينة تشتهر بها كل مدينة أو منطقة سورية مثل مدينة حماة العريقة بتحضير حلاوة الجبن، ودمشق بالبرازق، والنبك بالهريسة النبكية، واللاذقية بالجزرية وجبلة بالكنافة النابلسية، والسويداء باللزاقيات، والميدان بالبقلاوة والمبرومة وعش البلبل واسوارة الست، طبعاً وتتميز كل المحافظات السورية ببراعة صنع الحلويات الشرقية الشهية والفاخرة، حيث باتت مطلباً لجميع من تعرّف عليها وتذوقها من خارج سوريا، فصارت تُعلّب وتُصدّر وتؤخذ كهدايا فاخرة إلى الأصدقاء والمعارف خارج البلاد.
أكثر الأكلات والحلويات المصرية المفضلة؟
من المطبخ المصري تعرفت على نوعين بفضل حماتي الراحلة التي عاشت في مصر مدة عامين زمن الوحدة بين سوريا ومصر، ومنها تعلمت طبخ الكُشري الأكلة الشعبية الشهيرة والمسقّعة كوني شخصياً أحبّ الطبخات التي تضمّ الباذنجان كثيراً.
أكثر الأكلات التي أعجبتك في مؤتمرات أو حفلات خاصة؟
في إحدى المرّات كنّا نحتفل بتخرج إحدى زميلات دراستي الجامعية في مزرعة بيت أهلها القريبة من البحر، كنا مجموعة من الصبايا والشباب المحبين للأكل السوري التقليدي، لكنّ  خطيب صديقتي اقترح أن يعرّفنا على نوع لم نأكله بعد ألا وهو " كبّة السمك بالصينية"، وبالفعل جلب صينية كبّة لها شكل الكبة المطهية بالفرن التي نعرفها جميعاً، إنما طعمها مختلف بالتأكيد، وبعد انتهاء الحفل أخبرنا أنَ الكبة محشية بلحم الأخطبوط وأنه خشي من أن يخبرنا بالحقيقة فنرفض تذوقها لاسيما أننا جميعنا متحفظون إلى حد ما بشأن تجريب الأنواع الجديدة، فصرنا جميعاً نتذكر الحادثة ونقول إننا يومها أكلنا "المقلب".
ما أجمل شيء تتميز به المرأة التي تطبخ؟
الحب وطول البال، كي تحضري طعاماً لذيذاً تفرحين به أسرتك أو أصدقائك أو ضيوفك أو حتى نفسك، يجب أن تحبي كل من ذكرت أولاً، لأن المحبة تدفعك للاهتمام بالتفاصيل، فالولائم والعزائم تربّي الألفة بين الناس وتزرع روابط لا تتوقف عند تناول الطعام الشهي وحسب، صدقي تماما، إن ما يدفعنا أحياناً لقبول الدعوة إلى غداء أو عشاء أو حتى تناول مشروب معين، هو الدفء المضمّن بالدعوة، وهذا الرابط لمسته في كلام ابني الذي غالباً كنا بالقوة نحاول اصطحابه لتناول الغداء معنا في مطعم حين نرغب بنزهة سياحية، فإذا ذهب على مضض معنا أصرَ على إخباري ونحن في المطعم: "ماما أحب طبخك أكثر من هذا الطعام".
أكثر وليمة شهية دعيتِ  لها ولن تنسيها؟
عندنا مثل شعبي يقول "القطط وحدها تأكل وتنكر"؛ وكي لا أنكر، ثمة دعوات كثيرة لبيتها وتمتعت جداً بأسلوب السيدات اللواتي حضّرنها، فكما ذكرتُ هنا سابقاً، السيدة السورية محترفة عموماً بتحضير جميع أصناف الطعام.
مشروبك المفضل على البحر؟
صباحاً أفضل شرب القهوة على البحر، أما عصراً فأحب عصير الرمان الطازج، أو عصير الكريفون أو عصير الفريز، أو عصير الليمون الحامض بالنعناع، فكل خلطة تجمع المذاقات المتضاربة: لاذعة، حلوة، مرّة، حامضة في آن، تجذبني ضاربةَ بعرض الحائط الأنواع التي تملك طعماً واحداً فقط لاغير.