"عراء الوسائد" التقاطات صورية للبحث عن المعرفة

ديوان منى سبع درباش نشيد صوت امرأة ساخطة، تمتلئ قصائدها بروح السخرية والهجاء والمناكدة.
اللغة السالبة في ديوان الشاعرة العراقية تزنر عوالمها بمسحة حزن عميق ونبيل، لا يوجد ما يماثله في قصائد زميلاتها
الأنثى قصيدة متكاملة في الجمال والصورة والأحاسيس

يقال - وفي نظر الكثيرين من النقاد الذين لهم باع طويل في مشغلهم الفكري والإنساني - بإن الشعر هذا الكائن الحالم، والصرخة الأنقى عبر عمقه بالوجود الإنساني، والمشتغلون فيه يحتاجون على الدوام البحث والمواظبة على إيجاد عدة منافذ للوصول إلى غاية الشعر أو أنفس أبياتها حتى يستسيغها قارئ النص، ولأن فلسفة الشعر تتطلب منا فهما لماهية القصيدة، فلهذا جاءت عدة تعاريف في معنى الشعر، ومنهم أفلاطون قائلا: "إن الشعر العميق يقودنا إلى الشعور العميق بأحزان وآلام الآخرين، وعليه فإنه يصغّر نفوسنا ويضعف عزائمنا ويبعدنا عن أداء مهام واجباتنا"، مؤكدين في طروحاتهم الجمالية والبحثية على هذا القول عبر طروحاتهم والتي تؤكد صيرورة الشاعر حيث إن الشعر لا يتطابق إلا مع الأفكار اليقظة الشغوفة بالمجهول، والمنفتحة أساسا على الصيرورة، فليس هناك  من شعر إلا حيث  يكون ثمة خلق وإبداع  مطلق. 
 ولُمي ما تناثر …
من شظايا الروح 
في رمل العراء. (ص14)
"الأنثى قصيدة متكاملة في الجمال والصورة والأحاسيس" فكيف لأنثى أن تعيش مع  زوجها جل ما يملكه قلمه الأدبي الإبداعي، وتقوم سعادته على الإنتصار للبشرية عبر كتاباته في مجال القصة والرواية، ومن خلال قصصه يجسد قيم أو معرفة الخير والعدل، الذي جعل له الكثير من الخيبات والنكسات لما يحمله من تفان وإخلاص لروحه التفاعلية مع مجتمعه الذي أراد له الحرية والعيش بكرامة، والمعروف عنه "السباهي" فهو قاص بارع، وله الكثير من المواقف الإنسانية والإبداعية في حياته، ومن خلال متابعتي للمشهد الأدبي الإبداعي أجد هذا القول ينطبق على هذه العائلة المبدعة حيث يقول جلال الدين الرومي: "للمرأة حضور خفي لا يراه ويهتدي به إلا رجل متفتح عارف". 
وهنا أقصد الصديق القاص محمد سعدون السباهي، والذي يقول في مقدمة الديوان: "هذا الديوان نشيد ُصوت امرأة ساخطة، تمتلئ قصائدها بروح السخرية والهجاء والمناكدة، اللغة السالبة هذه تزنر عوالمها بمسحة حزن عميق ونبيل، لا يوجد ما يماثله في قصائد زميلاتها" (ص5). 

Poetry
يا وطن اليتامى والأرامل 

وكما السجين 
أدور في زنزانة الليل الممزق 
ليس يصحبني سوى قلقي .. وأوراقي 
وبقايا ذكريات. (ص 7)
يا لها من حيرة في روحها وعقلها الذي استمد من إيمانها الشخصي، وهي محاولة بذلك إبراز مفهوم الواقع على أساس مفهومها العقلي الذي تدرج بين أروقة المطالعة والبحث، نتيجة الغوص في أدق تفاصيل حياة الآخرين، وتحمسها للكتابة دون توقف وإيصال صوتها رغم العديد من  المنغصات الكثيرة التي تحيطها في واقع مجتمعنا، وهي تتكأ "درباش" على لغة شعرية عالية وفيها من المرارة والقسوة، ولديها قاموس معجمي زاخر بكل صنوف الألم، والحزن، وحتى العذاب، حتى تجد قصائدها في هذا الديوان "عراء الوسائد" الذي يقع في 75 صفحة من القطع المتوسط، والصادر من دار مكتبة عدنان - بغداد، لهو صرخة أو أنها تلويحة خاطفة من بعيد، لأن سمة شعرها يتجلى في النفس الإنسانية المأزومة:
أيتها الشمس أسرعي في البزوغ 
فالجدران متعبة 
والسقف بالكاد يشق طريقه عبر زحمة الظلام 
ونديمي الثقيل لا يني 
يقايضني. (ص24)
لهذا تجد قصائدها كما يقال عنها بالصوت الذكي المسؤول، هذا الصوت المسكون بالمرارة يذكرنا في جانب منه الشعر السبعيني في العراق، حيث ينهض على الموهبة غير الملفقة وعلى صندوق النوايا، وهي بذلك تصوغ لحظة اكتشاف معطيات أفكارها كي تنسج طقس الصورة الشعرية المبنية على التأملية وهو طقس الروح التي تورطت في سراب جسدها، ويبدو أن قصائدها التي كتبتها في هذا الديوان شكلت عمق رؤاها الفلسفية باعتبار أن علاقة الفلسفة بالشعر تشبه علاقة الوردة بالعبق:
كل ما حولي 
عدم!!
المرايا … الزوايا 
الشوراع … والحكايا 
كلها حتى الملامح 
تبدو أقنعة ... خيالات 
وهم. (ص19)
وقلمها الشعري المنطوي تحت رحمة فلسفتها يقول عنها الناقد نجاح هادي كبة في مقالته المعنونة "العواطف الأنثوية في إبداع الشاعرة العراقية" المنشورة في جريدة الزمان أن الشاعرة منى سبع درباش "وهي تفتح كوة الحرب بينها وبين الرجل فهما ليسا حبيبا ًوحبيبة بل مقتول أمام قاتل، وتتساءل الشاعرة بتكرار حرف الاستفهام (هل) لتلطخ جبين الرجل بالقسوة والاتهام":
هل من أنثى قادت يوما نحو دمار؟
وهل من أنثى صنعت حزبا 
مزق وطنا. (ص40)
بقى أن اشير إلى عنوان المجموعة "عراء الوسائد" وهو عتبة نصية مهمة لقراءة النص الذي يمثل روح الشاعر واشتغالاته ونواياه، التي أراد أن ينطلق منها، وتكمن أهمية قصائده في قصرها أو طولها الروح التأملية والبحث عن الذات المشتعلة في الكثير من هموم العصر.    وهي تضم مجموعة من القصائد المتنوعة ما بين العمودي والشعر الحر وقصيدة النثر وشعر الومضة. حيث تضمنت المجموعة 47 قصيدة. 
يا وطن اليتامى والأرامل 
مذ وعينا والدموع ُعلى خدودكِ 
مذ ولدنا والحياة بلا مقابل 
ليتنا ندري لماذا؟ (ص75)