عراق ما قبلَ تشرين، وعراق ما بعدَه

ثورة شيعية تسقط الأقنعة عن خامنئي وعن من ولاهم شأن العراق.

إن أهم ما سقط لنظام الخميني ووريثه علي خامنئي في العراق، في الأول من تشرين الأول/اكتوبر الحالي، وما بعده، هو زعمه بأنه إنما قام من أجل رفع المظلومية عن الطائفة الشيعية، أينما كانت، وأن دولته التي جعل حدودها العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وشرق السعودية هي دولة الإمام الغائب في خدمة الإمام الحسين.

وبالتبعية فإن ثورة شباب تشرين الأول العراقيين (الشيعة) أسقطت القناع الذي وضعه على وجوههم نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وعمار الحكيم وأبو مهدي المهندس، ومن لف لفهم، وخدعوا به الطائفة الشيعية العراقية، وسرقوا به ثقتها، وحكموا بأصواتها، باعتبار أنهم مجاهدون من أجل الطائفة، ومن أجل حماية حقوقها، والدفاع عن حريتها وكرامتها، وتحقيق الحياة الحرة الكريمة لأبنائها، وهم كاذبون.

فالثورة الشبابية الكاسحة التي لم تَبق مدينة شيعية إلا وهبت لنجدتها وإعانتها حتى تتحقق الأهداف العادلة المشروعة التي قامت من أجلها هي ثورةٌ شيعية عراقية، دون شك ولا خلاف، وذلك لأن مدن الطائفة السنية لم تُحرك ساكنا لنصرتها، إلى الآن، رغم أنها ذاقت على أيدي عصابات الأحزاب والمليشيات العراقية الإيرانية كلَّ أنواع القهر والقتل والنهب والسلب والتهجير، في ديالى وصلاح الدين والأنبار ونينوى، بما يجعلها أحق بالثورة على الظلم والظالمين.

وفي هذه الأيام السوداء التي حلت على النظام الإيراني في العراق، علينا أن نمعن النظر في أسباب النكبة التي مني بها جزئيا، وسوف يُمنى بها كليا، دون ريب، لنجد أن أهم أسبابها هو غباؤه وغروره وقصر نظره، واعتقاده بأن قهر المواطن العراقي، شيعيا كان أو سنيا، وتجويعه، وحرمانه من أبسط حقوقه في الحياة، واعتماد سياسة التجهيل ونشر الخرافة والمخدرات لتمزيق وحدته وقتل روح المقاومة فيه، هو السبيل الأسلم لضمان دوام الاحتلال، وجعل العراق ولاية إيرانية خالصة، وإلى أبد الآبدين.

ولعل أهم وجوه ذلك الغباء والحماقة هو اعتمادُه على وكلاء عراقيين هم أسوأ أبناء الطائفة، وأشدُّهم جهالة، وأكثرهم نفاقا وعمالة وخيانة، وأعمقهم نذالة وفسادا وهمجية. فهم، من ابراهيم الجعفري إلى نوري المالكي فحيدر العبادي، وأخيرا عادل عبدالمهدي، مسؤولون حقيقيون عن زراعة النقمة والغضب في أعماق المجتمع العراقي، وعن إشعال فتيل الثورة المختزنة في كل منزل من منازل مدن الطائفة كلها، بغداد والنجف وكربلاء والحلة والناصرية والديوانية والبصرة وبعقوبة وغيرها.

أي أنهم، بعبارة أخرى، هم الذين صنعوا نكبة المرشد الإيراني والحرس الثوري وقاسم سليماني، وهم الذين مكنوا شباب العراق الغيارى من دق أول مسمار حقيقي في نعش الاحتلال الفارسي العنصري في العراق، وربما من كسر شوكة الوجود الإيراني الاحتلالي التخريبي الاستغلالي في سوريا وربما في اليمن ولبنان.

ولعل آخر مظاهر الغباء لدى القادة الإيرانيين العسكريين والمدنيين ليس سماحهم فقط بالبطش بالمنتفضين العراقيين وسفك دمائهم الطاهر الزكي، وإنما بمنع وكلائهم العراقيين من الانحناء للعاصفة، والاعتراف بالخطأ، والاعتذار للشعب العراقي والإسراع في تحقيق المطالب الشعبية المشروعة العاجلة، لوقف شلال الدم ومنع الثورة من الاتساع والامتداد.

وليس بعيدا أن تهب المدن العراقية الأخرى التي لم تنزل إلى ساحة الثورة بعدُ، لتكون القاضية على آخر إيراني، وعلى آخر عميل من عملاء قاسم سليماني في العراق. 

فهل مَن يلومنا إذا قلنا إن عادل عبدالمهدي واحدٌ من اثنين، إما مختل العقل، أو منزوع الإرادة حين يبقى جالسا على جثامين أكثر من مائة شهيد من أبناء وطنه وطائفته ودينه، والآلاف من المصابين والجرحى والمعتقلين الأبرياء الذين لم يفعلوا غير أنهم فقدوا صبرهم على الجوع والبطالة والفقر والخراب والكذب والغش والخداع والفساد، خمس عشرة سنة.

فقد كان الأحرى به والأشرف والأكثر كرامة، لو كانت عنده كرامة، أن يستقيل كما استقال جمال عبدالناصر حين حمَّل نفسه مسؤولية الهزيمة في أعقاب نكسة حزيران 1967، أو أن ينتحر كما انتحر عبدالمحسن السعدون في عام 1929 لأن الإنكليز أرادوا منهه قمع شعبه، وهو بشهامته ووطنيته لا يريد إيذاء مواطن عراقي واحد ثمنا لجلوسه على كرسي من خشب حقير؟

لقد أخبر ثوارَ الانتفاضة، بعد انتظار طويل، في خطابه الأخير، قائلا، "نحن اليوم أمام خيارين، خيار الدولة وخيار اللادولة". ومعنى هذا أنه لم يتخلص من غفلته، وأنه ما زال، حتى بعد ثورة شباب تشرين، مصدقا بأن في العراق دولة، وأنه رئيس وزرائها، بحق وحقيق.

إنه غبي، والأغبى منه هو الذي سلطه على العباد والبلاد. وعلى الباغي والكذاب والغدار والقاتل والحرامي سوف تدور الدوائر. ونحن في الانتظار.