عزوز يتأمل تضاريس النص في الرواية السعودية

الناقد المصري يؤكد أن النص في مجمله ما هو إلا مجموعةٌ من المُرْتَفعاتِ والمُنْحَدَرَاتِ التي تؤثِّر بالسَّلب أو الإيجابِ على حراكه وتفاعله.
عقل سيئ السمعة" لزينب حفني رواية اجتماعية مرتبطة بالحياة الاجتماعية بالسعودية
الناقد  يستند إلى منهجين لتفسير النص الأدبي

صدر حديثا كتاب "تضاريس النص في الرواية السعودية" للدكتور عزوز علي إسماعيل الذي يقول عن كتابه: "تحتم علينا الظروف أن نخرج من الحيز الضيق للنقد الأدبي إلى آفاق أرحب وأوسع تدعو إلى التفكير والتأمل في حياة النص الأدبي، بدءاً من كيفية وجوده من العدم إلى أن أصبح كائناً حياً نعايشه ونتحدث معه، وهو ما يجعلنا نبحث في تضاريسه النصية التي تكون منها، ومعرفة جيولوجيته التي كونت تلك التضاريس عبر السنين من فكر وثقافة وما حوى ذلك  من حفريات ظلت راسخة سنوات طويلة إلى أن سرد لنا الكاتب نصه، ويأتي دورنا لنستكشف تلك التضاريس التي كونت النص أو تكون منها النص، فالتَّضَاريسُ النَّصِّية تلك المُرْتَفَعَاتُ والسُّهولُ والهِضَابُ في النَّـصِّ، وما النَّصُّ في مجمله إلا مجموعةٌ من المُرْتَفعاتِ والمُنْحَدَرَاتِ التي تؤثِّر بالسَّلب أو الإيجابِ على حراكه وتفاعله، وإذا بحثنا هذه الجزئية فسوف تلقي بظلالها على مدى تطور النص وقدرة الكاتب على الإبداع الحقيقي وغربلة للمبدعين وتصبح من ثم (التضاريس النصية) عتبة من عتبات النص، ومدخلاً مهما لدراسة النصوص. وهو ما قمنا بفعله مع عدد من الكتاب السعوديين الكبار نحو الكاتبة نبيلة محجوب، والكاتب أحمد الشدوي والدكتور غازي القصيبي والأديبة زينب حفني".

أعمال ارتبطت بحياة أهل المملكة وعاداتهم وتاريخهم الطويل المرتبط بالقيم الاجتماعية والشعائر الدينية الإسلامية

ويوضح د. عزوز أن "تضاريس النص في الرواية السعودية" هو المولود الثالث من "المعجم المفسَّر لعتبات النصوص" بعد كتاب "الألم في الرواية العربية" و"الغرابة في الرواية العربية" ليأتي "تضاريس النص في الرواية السعودية". ويبقى أكثر من مائة وخمسين مصطلحاً من مصطلحات المعجم تحتاج أن تكون كتباً، وتحتاج في الوقت نفسه إلى فريق عمل أكاديمي ضخم يساعد في إخراج هذه المصطلحات إلى النور على هيئة مؤلفات تفيد النقد الأدبي وتأخذه إلى وجهة أخرى لم تكن مطروقة من قبل.
وبيّن عزوز أن الرِّوايةُ السُّعوديةُ شَهدَتْ تَطوراً مَلْحُوظاً عبر قرنٍ منَ الزَّمانِ، منذُ الرَّعيل الأوَّل حتى الآن؛ حيثُ ظهرتْ في السَّنوات الأخيرة رواياتٌ عديدةٌ لكتابٍ كثيرين، أضافوا إضافات حقيقية للمشهد الرِّوائي العربي؛ سواء أكانوا رجالاً أم نساءً. وبدا الأمر طبيعياً في مرحلة التطور، فقد أسَّس الرعيل الأول بالفعل للرِّواية في أرض المملكة؛ حيث بدأتْ الرِّواية السُّعودية مع تلك الإرهاصات الأولى؛ فرأينا "التوأمان" لعبدالقدوس الأنصاري 1930، ونتذكر أنَّ هذا التاريخَ قريبٌ من رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل 1914، ويسبق أول رواية لنجيب محفوظ 1939. ثم رواية "فكرة" لأحمد السِّباعي، و"البعث" لمحمد علي مغربي 1948. ولكنَّ الرِّواية الأهم كانت "ثمن التضحية" 1959 لحامد الدمنهوري، تلك الرِّواية التي أرَّخت بالفعل للبداية الحقيقية للرِّواية السُّعودية، وصولاً إلى الوقت الحاضر، والذي شهد كتاباتٍ عديدةً في الرِّواية السُّعودية في أرض الحرمين الشريفين. 
ويضيف المؤلف قائلا: لقد اقتحمت الأنثى تلك الأرض بكل جسارة وإقدام وقدمت أعمالاً روائية يُحتذى بها في عالم الرِّواية، وأعتقد أنه لولا وجود تلك المساحة من الحُريَّة ما ظهرتْ تلك الأسماء النسائية، وهو شيء يُحمد ويثمن جيداً لأرض الحرمين الشريفين أن تجعل الأدب والفن والثقافة والإبداع طريقاً من طرق النهوض بالبلاد، والتي تأخذ بيد البلاد مع العوامل الأخرى إلى الرقي والتقدم والازدهار، فلم تتقدم أمة بدون رفعة شأن الآداب والفنون والثقافة بصفة عامة، مع الاحتفاظ بالقيم ودون المساس بالثوابت. 
بدأ هذا الكتاب بالأديبة الأستاذة نبيلة محجوب التي قالت: [لا بد من التحرر من إرث الألم والحزن والغضب، لنتمكن من رؤية ينابيعنا الخاصة، ونترك للزمان فرصة تحديث وجودنا ليفتح لنا بوابة التناغم والتآلف التي تفضي إلى الحياة بدلاً من هذه البوابة المحطمة المفضية إلى ذكرياتنا المظلمة]. 

Literary criticism
د. عزوز علي إسماعيل

وهي واحدة من النساء السُّعوديات اللائي قدمن أدباً راقياً معبراً عن الحياة في السُّعودية، خاصة أرض مكة المكرمة، وتعتبر واحدة من النساء اللاتي أسهمن إسهاماً حقيقياً في الصالونات الأدبية، وهي واحدة ضمن مائة شخصية نسائية هن الأكثر تأثيراً في أرض المملكة عام 2017. وأعتقد أن الأديبة نبيلة محجوب لو بدأت الكتابة قبل ذلك بكثير لقدمت لنا رصيداً ضخماً للرِّواية السُّعودية، ولكن ما يُحمد لها أنها آثرتْ الأمومة على الكتابة، فجاءت رواياتُها بعد ذلك ثرية وناضجة، فقد قرأتْ في الآداب العربية والعالمية، وهو ما ظهر في كتاباتها، فهي تنحو نحو العالمية من خلال القضايا التي تقتحمها، وهو ما لفت انتباه الناقد د. عزوز في أدبها، حين ناقش عملاً لها في القاهرة، وهو رواية "ممرات الريح" بحضور سفير المملكة العربية السعودية بالقاهرة أسامة نقلي، الذي أكَّـد له أنه يقرأ كل شهر كتاباً. وهو ما يثلج الصدر كون السياسي رجلاً عاشقاً للثقافة ومحباً لها. 
وقام الناقد بدراسة عدد من روايات نبيلة محجوب، نحو رواية "ممرات الريح"، و"بين مطارين"، و"هروب الزعيم". وفضلاً عن ذلك، فقد درس عدداً من الروائيين السعوديين الكبار أيضاً، وقدم دراسة عن رواية "العصفورية" للكاتب والمفكر والشاعر السُّعودي الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي، وأيضاً رواية "الشبورة" للكاتب والأديب السعودي الكبير أحمد الشدوي، وأخيراً انتهى عزوز إسماعيل برواية للكاتبة السعودية الدكتورة زينب حفني وروايتها "عقل سيئ السمعة" وجميعهم أدباء سعوديون أضافوا إضافات حقيقية للرواية العربية، خاصة الراحل الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي، فهو رجل سياسي ومفكر واسع الثقافة، وكانت رواية "العصفورية" شاهدة على ذلك. 
ويشير الناقد  إلى أنه استند إلى منهجين لتفسير النص الأدبي عند هؤلاء الكتاب؛ هما المنهج الاجتماعي والمنهج النفسي؛ لأنَّ من هذه الأعمال ما ارتبط بحياة أهل المملكة وعاداتهم وتاريخهم الطويل المرتبط بالقيم الاجتماعية والشعائر الدينية الإسلامية، والتي أثرتْ عليهم وعلى ارتباطهم الاجتماعي، وما حدث من أشياء كان لها عظيم الأثر في النفوس، مما أعطى تلك الأعمال قدرة على التشعب في فضاءات عدة. فضلاً عن روايات أخرى كانت متشعبة في أماكن مختلفة كما في رواية "العصفورية" في لبنان وبلاد أخرى، ورواية "الشبورة"، في لبنان وسوريا، ثم القاهرة، وانتهاء برواية "عقل سيئ السمعة" للدكتورة زينب حفني وهي رواية اجتماعية مرتبطة بالحياة الاجتماعية بأرض المملكة، ولها تأثيراتها النفسية الأمر الذي حتم استخدام هذين المنهجين للدراسة؛ الاجتماعي والنفسي.