عشر سنوات .. ثقافة مغربية رقمية تواكب العصر

تنزيل مجلة "اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية" في الساحة الإعلامية الثقافية كان ضرورة ملحة.
الأهداف والغايات كانت واضحة والأولويات مرتبة
إنطلقنا من راهن التصور العام السائد في واقع النشر الشبكي والإلكتروني

بحلول الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2018 تكون مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية قد طوت عشر سنوات من تجربتها في فضاء النشر الإلكتروني المهتم أساسا بحركية المشهد الثقافي في المغرب والعالم العربي إبداعا ونقدا ومواكبة وتطويرا أيضا، رافعة بذلك رهانا كبيرا وشعارا رئيسيا تحت يافطة "من أجل ثقافة مغربية رقمية تواكب العصر".
ولم تكن مبادرة إطلاق هذه المجلة الإلكترونية نوعا من الاغترار بما أتاحته وتتيحه تكنولوجيا التواصل وشبكة الإنترنت من سهولة ويسر في النشر بأقل الوسائل كلفة مقارنة مع الوسائط التقليدية، بل كان تنزيلها في الساحة الإعلامية الثقافية ضرورة ملحة تتغيا النهوض بنتاج الثقافة المغربية رقميا لكي تركب موجة عصرها وتتفاعل مع مستجدات ثورة الاتصال والمعرفة وتنخرط في فضاء إنتاج التراكم الرقمي إسوة بنظيراتها في محيطها العربي والعالمي بشكل عام.
ومنذ اليوم الأول من ميلادها كانت الأهداف والغايات واضحة والأولويات مرتبة إنطلاقا من راهن التصور العام السائد وقتئذ في واقع النشر الشبكي والإلكتروني من جهة لارتباط منظومة النشر بالأسانيد التقليدية (جرائد ـ راديوـ تلفاز..إلخ) ومن جهة أخرى لغياب أي مبادرة واعية بلحظتها التاريخية الموسومة بتعاظم دور الوسائط التكنولوجية وتأثيرها المباشر على مختلف أنماط وبنيات الإنتاج المادي واللامادي، وخصوصا في حقل الآداب حيث جعلت من النص الإبداعي الأدبي نصا متشعبا منفلتا من قبضة الكاتب وتوجيهات خطاطته السردية إلى نص مفتوح على أفق انتظار محتمل يتغير وفق ذائقة كل متلق على حدة.
وتأسيسا على هذا كانت من بين أهدافنا الأولى؛ إطلاق منصة إلكترونية تواكب وتتفاعل مع المشهد الثقافي وتفتح في وجه الكتاب والقراء الإلكترونيين نافذة مغايرة للرصد والتثقيف وصناعة محتوى رقمي مغربي ثري اعتمادا على أدوات وحوامل جديدة خلافا للوسائط التقليدية الورقية والميدياتية السمعية البصرية.

مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية كرست خلال عشريتها تقليدا ثقافيا جديدا غير مسبوق في الإعلام الثقافي المغربي ويتمثل في فتح ملفات للنقاش في مختلف انشغالات الحقول الثقافية والإعلامية والإثنية

ما كان من بين الأولويات إنصاف عديد من الأصوات المغمورة التي ذاقت مرارة التهميش والإقصاء العفوي أحيانا والمنهجي أحيانا أخرى من أن تجد لها كوة في أسوار الإعلام الورقي العتيد بالرغم من تألق وتمايز بعض إنتاجاتها الأدبية في الشعر والقصة القصيرة على مستوى جدة البنيات السردية والجمالية وتشكلات المعنى والخطاب مستفيدة في ذلك بالدرجة الأولى من حرية التعبير وانعدام الرقابة البعدية التي أتاحتها مختلف منصات النشر الإلكتروني من مدونات ومنتديات خاصة  ومجلات إلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبكل يقين تام، استطاعت مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية أن تحقق في خلال عمرها القصير هذا ما لم تحققه بعض المنابر الورقية التي كانت وما تزال تكرس حضورها اليومي فقط لكي تستفيد من الدعم المالي للدولة كل سنة من دون أن تقدم أية قيمة مضافة للإعلام الورقي والثقافي المغربي برمته.  
ومما لاشك فيه أن آلاف الكتاب والمثقفين تساءلوا إبان الخطوات الأولى من إطلاق هذه المجلة الإلكترونية وما فتئ البعض منهم يتساءلون بعد عقد من الزمن من الحضور إن كانت مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة هي لسان اتحاد كتاب إنترنت مغربي الهوية والمنشأ على غرار اتحاد كتاب الإنترنت العرب الذي أسسه الدكتور محمد سناجلة مع نخبة من المبدعين العرب، سنة 2005 ومقره في الأردن. وكثيرا ما تساءلت بدوري عن جدوى تأسيس اتحاد كتاب إنترنت مغربي على أرض الواقع بمقر وهيكلة إدارية وقانون أساسي إذا كان هذا الاتحاد لن ينجو من مصير محتوم كجل الاتحادات والمنظمات التي انتهت إلى التفتيت والتشرذم والمزاجية ومعارك التدافع نحو وهم القيادة وغدت أيضا وعاء لتفريغ جميع الإسقاطات الذاتية المرضية التي تعاني منها بعض النخب المثقفة المغربية القليلة من حسن الحظ. 
لذلك ولتجنب السقوط في هاوية (اتحاد من المؤكد أنه كان سيولد ميتا) رفعنا شعارا "كم حاجة قضيناها بتركها" ووجهنا اهتمامنا أساسا على فاعلية النشر الإلكتروني وتنشيط فضاء الإعلام الثقافي الرقمي وتعميم أخباره وتحفيز أصوات الكاتبات والكتاب الشباب من أجل الارتقاء بهم إلى مصاف أصوات الكتاب الرواد في المغرب.
وبموازاة مع الحضور الفعال لمجلتنا ولتنويع قنوات التواصل مع كتابنا وقرائنا أنشأنا حسابات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر ولينكدإن وواتساب ومجموعات غوغل"، مما أسهم في تعدد وتنوع منصات تواصلنا وتفاعلنا وبالتالي الرفع من منسوب عدد زوارنا في كل أنحاء العالم من الشرق العربي إلى أميركا الشمالية وشرق آسيا وأوروبا حيث تتواجد أكبر جالية عربية هي في حاجة ماسة يوميا إلى جسر إنترنت للتواصل مع مستجدات حركية المشهد الثقافي في بلدانها الأصيلة ضمن أفق يحصن مكونات هويتها ويتطلع أيضا إلى تحديثها الإيجابي.
واليوم ونحن نشعل شمعتنا العاشرة وننتشي بهذه الغرة العقدية من العمل الجاد والمتواصل يكون لزاما علينا أن نعرض بعضا من الحصيلة ونطرح السؤال المنطقي والمركزي حول ماذا حققنا من إنتاجات وعطاء وتراكم للثقافة الرقمية المغربية وما هي الأهداف المنتظر تحقيقها في العشرية القادمة بحول الله تماشيا مع التطور المهول والجنوني للتكنولوجيات ووسائط التواصل الحديثة التي أضحت حاجة أساسية من حاجات استهلاكنا اليومي وخلخلت منظومة عديد من قيمنا الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والسياسية والاقتصادية حيث أضحت أجهزة التواصل الإلكترونية بمثابة بوصلاتنا في متاهات اليومي لتصريف بعض أغراضنا المختلفة وأضحت أيضا نوافذنا المشرعة كل وقت وحين على الأسرار الخبيئة للمعلومة التي لم تعد حكرا على جهة حكومية ما وهي كذلك الكوة الضيقة في أسوار الرقابة الشاهقة للتلصص على أسرار المحظورات والطابوهات في السياسة كما في الجنس والدين، مما بات يخلخل ثوابتنا الاجتماعية والأخلاقية والعقائدية ويهددها بتفسخ مجتمعنا ويدفع بأفراده إلى التحريض على العنف بوجهيه المعنوي والمادي قصد فرض قناعات ذاتية وأفكار إيديولوجية ودينية تتدفق علينا كل آونة وحين مع صبيب الإنترنت وأيضا لتحقيق بطولة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا يوتيوب اقتداء بأبطال افتراضيين وهميين آخرين جلهم محصنين بواقي الديموقراطية في دول المهجر وخصوصا في الولايات المتحدة الأميركية.  

نظرة مغايرة
كم حاجة قضيناها بتركها

فلا مناص إذن من الرد على هذا الهجوم الإلكتروني الخطير سوى بهجوم عقلاني ومسؤول يتدجج بسلاح الاهتمام بدور الفعل الثقافي بكل مكوناته التراثية والفنية والأدبية من جهة، ومن جهة أخرى تطوير منظومة التربية والتكوين وذلك بجعل فضاءات التدريس ليس للتشحين والتحصيل النمطي والميكانيكي للحصول على شهادات جامعية أضحت معظمها لا توفر شروط العيش الكريم لجيل تائه في أدغال (الكونيكسيون) والعولمة بل بتطوير بنيات المؤسسات التعليمية لتصبح بين زواياها ورشات لاكتشاف الطاقات والمواهب الشبابية في الأدب والموسيقى والمسرح والسينما والعمل على خلق آليات جديدة لاحتضانها ومواكبتها ودعمها لتكون خير خلف لخير سلف في التراكم الثقافي للوطن.
وتجاوبا مع مقتضيات مدونة الصحافة والنشر التي تم تنزيلها منذ أواسط أغسطس/آب 2017 والتي أقرت شروطا جديدة لممارسة مهنة الصحافة انسجاما مع مستجدات التحولات الإعلامية التي أفرزها الديجيتال وتكنولوجيات التواصل وبالرغم مما شاب هذه المدونة من لبس وثغرات وتأويلات ضربت في مقتل جل المكاسب الإعلامية والثقافية الرقمية التي حققها الناشرون الشباب الرواد منذ مطلع سنوات الألفين، فإن مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية وإيمانا بدورها الريادي الذي رسخته على مدى عقد من الزمن وراكمته في مجال الإعلام الثقافي الرقمي فقد أبت إلا أن تجنح إلى الالتزام بمقتضيات هذه مدونة وذلك بتوقفها لمدة نصف سنة تقريبا كنا خلالها جاهدين في البحث عن حل ناجع يضمن عودتها وفق الإطار القانوني الجديد وحل قمين بالحفاظ على رصيدها الثقافي والرقمي وهذا ما تحقق عبر تدشينها لمرحلة جديدة تميزت بتصميم جديد واسم نطاق "مدوناتي" توفره منصة "بلوغر" مجانا لكل لغات العالم وهي منصة تندرج ضمن مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ولينكدإن ..إلخ 
ولم يكن من اليسير كذلك إقبار هذه المجلة الإلكترونية بـ "جرافة" مدونة الصحافة والنشر لأن من دون شك سيكون إغلاقها إن لم نقل إعدامها خسارة كبرى للإعلام الثقافي الرقمي المغربي وإفشالا لمشروع ثقافي جاد وهادف يشهد بدوره الطليعي الكاتبات والكتاب في كل أنحاء الوطن العربي.
ألن يكون إذن من الحيف بل ومن الخطأ التاريخي الفادح إغلاق مجلة إلكترونية أنجزت زهاء ثلاثين حوارا مع أبرز الكتاب والأدباء والفنانين في المغرب والعالم العربي.
كما كرست مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية خلال هذه العشرية تقليدا ثقافيا جديدا غير مسبوق في الإعلام الثقافي المغربي ويتمثل في فتح ملفات للنقاش في مختلف انشغالات الحقول الثقافية والإعلامية والإثنية شارك فيها نخبة من أبرز الأدباء والمفكرين والإعلاميين لا يسع المجال لذكر أسمائهم. ومن بينها ملف حول أنطولوجيا القصة القصيرة من جيل التأسيس إلى جيل الإنترنت، وملف حول دور النخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية، وملف حول الكاتب المغربي وسؤال التفرغ، وملف حول الثقافة الأمازيغية من حراك الواقع إلى إنتظارات المستقبل، وملف حول مستقبل الملاحق الثقافية الورقية في زمن الأسانيد الإلكترونية، وملف حول الدخول الثقافي في زمن الثورات العربية، وملف حول أنطولوجيا الشعر المغربي مابين 2000 ــ 2010، وغيرها من الملفات التي تعتبر اليوم مصادر ومراجع من دون شك سوف تسعف الكثير من الباحثين للإجابة عن أسئلة الثقافة المغربية في عشرية الربيع العربي.
أما في مجال الإصدارات الإلكترونية فقد كانت مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة الإلكترونية من بين البوابات العربية السباقة إلى دخول تجربة الكتاب الإلكتروني eBOOK  متطلعة بذلك إلى هاجس التأسيس لانخراط الكاتب المغربي في تجريب سند جديد قادر على هزم وتخطي مختلف المتاريس والعقبات التقليدية التي تقف سدا منيعا لمد جسور التواصل بين الكاتب والمتلقي ولعل من بينها تكاليف الطباعة الورقية والتوزيع وتدني القدرة الشرائية.