عصا أجنبية امتدت على عاملات تونسيات فيما غابت الجزرة

موجة استنكار واسع تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي بعد اعتداء جسدي لمستثمر اجنبي على عاملات تونسيات ومطالبة بمراجعة قوانين يرى البعض انها تتساهل جبائيا واداريا مع رأس المال غير المحلي دون ان تعود على الاقتصاد بالنفع المطلوب.

تونس - أطلق اعتداء صاحب شركة نسيج ايطالي في تونس على عاملات بمصنعه موجة تضامن معهن وغضبا ضد الأول، مجددا الجدل حول ما يراه كثيرون تسهيلات مبالغ فيها لاستقطاب رأس المال غير المحلي وتساهلا من السلطات مع تجاوزات المستثمرين.

والخميس الماضي تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لعاملات في مصنع نسيج بمدينة القيروان (وسط) وسط مستشفى محلي تظهر كدمات على أيديهن  إثر ضرب قلن انهن تعرضن له بهراوة من مشغلهن.

وقالت العاملات إنّ مدير المصنع الإيطالي حاول منعهن من تنظيم اجتماع عمّالي قبل أن يعنّفهنّ بواسطة العصيّ بعد تمسكهن بحقهن في العمل النقابي.

وفي تصريحات لإذاعات محلية قالت ممثلة الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في البلد) بالمصنع إن "أحد المسؤولين بالورشة والإيطالي الجنسية حاول استفزازها أثناء اجتماعها بالعمال وعند مطالبته بالكف عن هذا التصرف تهجم عليها واعتدى عليها بقضيب حديدي" مضيفة أنه "واصل الاعتداء على بقية العاملات اللاتي حاولن إنقاذها".

وسارع الاتحاد العمالي الوازن في البلاد اجتماعيا وسياسيا، لتبني رواية العاملات، مستنكرا بشدة ما سماه بـ "الفعل الاجرامي".

وادانت قيادة المنظمة في بلاغ "التصرّف الهمجي للمدير الإيطالي للمصنع".

واعتبرت المنظمة أنّ هذا التصرف يكشف الطابع الاستعماري لبعض المستثمرين الأجانب، مطالبة رئاسة الحكومة بالتنديد بهذه العملية ودعوة وزارة الخارجية إلى استدعاء سفير إيطاليا ومطالبته بإدانة الواقعة.

كما طالب الاتحاد اتّحاد الصناعة والتجارة (المنظمة الممثلة للأعراف) باتّخاذ موقف تجاه هذا المؤجّر.كما طالب النقابات الإيطالية بإدانة المعتدي ومحاسبته ومقاضاة الشركة التي يمثّلها إيطالياً وأوروبياً ودولياً.

وندّد الحزب الجمهوري التونسي ايضا بالواقعة  وعبر عن "صدمته من هذا الاعتداء الوحشي الذي يترجم عن سلوك همجي ينتمي إلى عصور العبودية".

والجمعة، اصدر قاضي التحقيق قراراً بمنع السفر في حق هذا الشخص الإيطالي وفقاً للقانون التونسي من أجل استكمال التحقيق معه.

من جهته، رد صاحب المصنع باعلان إغلاقه بشكل نهائي ونقل أنشطته الى بلد اخر، وفق ما نقلته وسائل اعلام محلية.

والمصنع يزاول نشاطه في القيروان منذ  اكثر من 30 سنة  ويشغل اكثر من 500 مئة عامل وعاملة.

وقال محامي المسؤول الايطالي "على عكس رواية العاملات، فان منوبه هو الذي تعرض للاعتداء من قبلهن عندما كان يوثق بواسطة هاتفه الجوال لعملية الصد عن العمل التي قامت بها مجموعة من العاملات".
وأوضح أنهن "قمن باحتجاز هاتفه الجوال ولم يتمكن من استرجاعه سوى مع العاشرة ليلا عن طريق عمدة المكان".

وأضاف أن "مجموعة من العاملات أدلين بشهادات تساند رواية المسؤول الايطالي"، وفق قوله.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، اجتاحت موجة غضب عارمة صفحات فيسبوك وندد مدونون بما اعتبروه عودة للاستعباد واهانة لتونسيين في بلادهم من اجانب وسط تهاون رسمي وتغاض عن هضم حقوق النساء في بلد لا يفوت فرصة للمفاخرة بمنجزاته في المجال.

وعلق الصحافي ياسين النابلي على الحادثة في حسابه على فيسبوك بنشر صورة لضحايا الاعتداء في المستشفى معلقا " الصورة تعبر عن الحصيلة في مشهد عبثي هيمَني رخيص!".

وقال النابلي "هذه هي الآثار الأكثر وحشية التي يمكن أن يتركها الاستثمار الأجنبي المباشر المدلّل على النساء التونسيات وعلى الاقتصاد التونسي، بطبيعة الحال بعد تشغيلهن بأجور زهيدة وضرب حقهن في العمل النقابي".

واضاف "الشركات الأجنبية المنتصبة في القيروان وغيرها من المدن التونسية، التي يلعق أحذية أصحابها جميع حكام تونس، تتمتع بحوافز جبائية ومالية تحت عنوان التشجيع على الاستثمار، وتستفيد من اليد العاملة الرخيصة وتقوم بتحويل أموالها إلى الخارج بالعملة الصعبة. ويستغل معظم المستثمرين الأجانب سخاء القوانين التونسية من أجل تطوير آليات التهرب الضريبي،  بمعنى آخر يستفيد الاستثمار الأجنبي المباشر من جميع المزايا التنافسية دون أن يترك آثار ايجابية على الاقتصاد المحلي".

وعلق النقابي نجيب البرقاوي على الحادث تحت عنوان "استثمار هذا ام استعمار!".

من جهتها قالت الصحفية سهام عمار "مستثمر ايطالي يعتدي على عاملات احدهن حامل وحالتها خطيرة، الا يوجد حزب يغضب ويحشد الشوارع من اجل هؤلاء اللواتي تستغلوهن في الانتخابات".

وكتب توفيق رمضان معلقا "هذا هو المنوال التنموي الذي يريدونه... هذه هي حقوق العاملات التي يتحدثون عنها.. هذه كرامة المرأة التونسية المحفوظة التي يتبجحون بها".

وأردف متسائلا "ما ذا ستفعل الحكومة ؟ ماذا ستفعل الجمعيات والمنظمات النسوية ؟ام انها ستصمت لأن المعتدي اجنبي".

ويعيب كثيرون على مجلة الاستثمار التونسية المنظمة لأعمال الأجانب وغيرهم داخل البلاد تقديمها تسهيلات وتنازلات مبالغ فيها لا تعود بالجدوى المطلوبة على الاقتصاد المحلي.

وتمتع تونس منذ تسعينات القرن الماضي الأجانب بحوافز استثمارية لاستقطابهم لتوفير مواطن شغل مع ارتفاع نسب البطالة.

وتشمل التشجيعات قوانين تقدّم تسهيلات جبائيّة واداريّة للمؤسّسات التصديريّة المحلية والأجنبية، إضافة إلى حوافز لتشجيع الاستثمار في المناطق الداخليّة قصد محاولة التقليص من الاختلال على مستوى التنمية الجهويّة.

لكن مساهمة الاستثمار الأجنبي بقيت في حدود حوالي 3.5  بالمائة من إجمالي الناتج المحليّ حسب إحصائيات رسمية تعود لسنة 2012.

كما تركزت هذه الاستثمارات طوال العقدين الماضيين على قطاع وقطاع الصناعات التحويلية.

ويرى منتقدون للوضع القانوني الحالي الخاص باستثمارات الاجانب ان هيمنة هذه القطاعات يكشف عن توجه الاستثمار الخارجي نحو تحقيق الربح السريع من خلال توظيف اليد العاملة الرخيصة والتمتع بالحوافز الجبائية المبالغ فيها.

ويرى هؤلاء ان تونس فشلت في جلب استثمارات ذات قيمة مضافة عالية موجهة للتصدير.

كما شهدت تونس منذ اندلاع الثورة مغادرة عدة شركات اجنبية تحت ضغط غياب الاستقرار السياسي والتذبذب الأمني فضلا عن ارتفاع سقف المطلبية الاجتماعية.