"عقلان" ثنائيات مبثوثة في مجتمع مبني على الصراع

رواية "عقلان" لليمني محمد عبده الشجاع تشكل عملا واقعيا اجتماعيا، يجسد ظلال مرحلة تاريخية مهمة في حياة المجتمع القروي اليمني بصورة بسيطة. 
"عقلان" تشرح العديد من التساؤلات 
الوعي بالحقيقة يتجسد بالوعي الحسي بعيدًا عن متاهة المتخيل

تشكل رواية "عقلان" للشاعر والروائي اليمني محمد عبده الشجاع عملا واقعيا اجتماعيا، يجسد ظلال مرحلة تاريخية مهمة في حياة المجتمع القروي اليمني بصورة بسيطة. وقد غطى واحدة من أهم فترات الصراع في المناطق الوسطى من اليمن التي عرفت لاحقًا بأحداث "الجبهة"، لعقد كامل امتد من مطلع السبعينيات حتى مطلع الثمانينيات.
ويشير الشجاع إلى أن "عقلان" عمل؛ عكس الفجوة بين هموم الكبار وهموم البسطاء، وقدم تفاعلات مجتمع خرج للتو من حرب استدعت الصراع الأيديولوجي إلى بيئة تتدين بفطرة المسلم الأول، ولا تعرف شيئاً خلف ذلك من أفكار الآخرين خارج القرية، رغم ذلك عاش في أوساطهم المتدين السلفي والإخوانِ، واليساري وتقاسموا شباب القرى كوقود للحرب الخاصة بهم. صراع سياسي كرس سطوة الحامية العسكرية على القرية، ومنحها صلاحيات ملاحقة عناصر الجبهة الوطنية ومصادرة أسلحتهم لسنوات لاحقة. إن العمل قام على بنية سردية وتفاصيل متنوعة ومختلفة شاركت المحاور الرئيسية التتابع على مدار أكثر من 470 صفحة. عشرات الأسماء قام عليها العمل بعضها اختفى دورهم وتلاشى غير أن عماد، عزيز، أمل، قادرة، فائزة، وارثة والطبيبة السويدية مارجريت "فرح" وعمر عقلان، وشخصية الصوفي ظلت تؤسس لسرد باذخ وطويل.
حول "عقلان" أقامت مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر التي أصدرتها ندوة لمناقشتها شارك فيها كل من د.رشا غانم من الجامعة الأميركية، والأديب والناقد إبراهيم موسى النحاس من مصر، ومن اليمن د.عادل الشجاع أستاذ الأدب والنقد جامعة صنعاء، والكاتب والأديب محمد الغربي عمران قرأ ورقته نيابة عنه بشير قاسم.

novel
أحداث سياسية 

كوميديا سوداء
بداية كان للأديب والناقد إبراهيم موسى النحاس جهد في تقديم مقاربات نقدية مهمة واصفًا العمل بالمجهد والمتعب، نظرًا لطبيعة الكم والأحداث وعدد الشخوص الذين قام عليهم العمل الروائي "عقلان".
النحاس جعل من المفكر لوسن جولديان مُنْطَلقًا، معتبرًا أنه من الشخصيات المحببة جدًا إلى قلبه، رغم اختلافه مع نظريته "البنيوية التوليدية أو البنيوية البنائية"؛ التي حاول أن يخفف أو يحد من وجود البنيوية ويعيدها إلى أحضان الواقع الاجتماعي في حياة المبدع، أي أن أي مبدع لا بد له أن يبدأ من واقعه الاجتماعي. 
يضيف أنه ليس بالضرورة أن يكون داخل كل عمل بنية مهيمنة وليس شرطًا أن تكون هناك مرجعية اجتماعية لتلك البنية في حياة الأديب. كانت تلك هي نقطة الاختلاف بين الناقد النجار وجولديان. لكنه عاد مستثنيًا ورأى أن طرح جولديان يمكن أن يكون بداية للتعامل مع عمل "عقلان" على المستوى الروائي. وهو هنا يسلِّم أن البنية الدالة المسيطرة على هذه الرواية إن صح التعبير، هو ذلك الصراع الأيديولوجي السياسي في اليمن تحديدًا بين قوى اليسار واليمين والسلطة.
يواصل النحاس فيبدأ من عتبة العنوان حيث يشير إلى نقطة مهمة بطريقة دقيقة فيقول "الممسك للمرة الأولى للرواية سيجد أن "عقلان" وحدها تشرح العديد من التساؤلات، قبل أن ينتقل من تلك العتبة إلى المتن، هل عقلان اسم علم؟ هل هي مثنَّى للعقل؟ وإن كانت مثنى للعقل هل تعكس ثقافة الاختلاف؟ أم النسبية أم التشتت والتفرق وسخرية الكاتب من ذلك التشرد. 
وينتقل بعد ذلك إلى الربط بين قصة آدم عليه السلام والوهم الذي استقاه من إبليس، هو نفس وهم ومصير بعض النخب أو التيارات السياسية. كما أن هناك جانبا من جوانب "الكوميديا السوداء" حسب قوله والربط بين وفاة عامل "الروث" في إحدى القرى باعتباره من الطبقات المهمشة والكادحة والمسحوقة، بجوار أخبار ياسر عرفات، وعبدالله الأصنج، ومؤلف النشيد الوطني اليمني؛ تعكس جانبًا مهمًا في رؤية الكاتب المنحاز للطبقات والكادحة المهمشة.
المرئي واللامرئي
وانشغلت ورقة د.عادل الشجاع بالأحداث السياسية وأوضاع البلد بل خطفته عن الشأن الأدبي تمامًا، كباحث متمكن وأحد الروافع النقدية الأدبية المتميزة في اليمن. انطلقت ورقته من توقفه بين "الشعرية والثنائيات المبثوثة في الرواية" حيث جعل من المفكر موريس ميرلو بونتي وكتابه "المرئي واللا مرئي" بوابة لاستعراض طرحه وورقته المهمة التي كاشفت الكاتب عن إخفاقات عديدة في تتبع الزمان والمكان في إطار الأحداث. 
ويذكر أن ميرلو في كتابه يعيد صياغة علاقة الوجود بالموجود من خلال الرؤية التي تربط بين الذات المدركة والعالم، حيث تقع الرؤية في صميم التفاصيل بين الذات ووعيها بالعالم الذي تنتمي إليه.
ويشير الشجاع إلى أنه تجمّع العالم الخارجي المحدد في الزمن والمكان مع العالم الداخلي الحاضر في الذهن، حيث تمارس الرؤية حضورها بين المرئي وبين اللّامرئي؛ لأن الوعي بالحقيقة يتجسد بالوعي الحسي بعيدًا عن متاهة المتخيل.
ويضيف "إذا كان العقل هو ما يفترض بالذات أن تفهم العالم من خلاله، فإنها هنا تستوعبه بالعين وتستوعبه كذلك بالجسد المادي، والتفاعل مع ما هو موجود بالاتصال المباشر. كاتب رواية "عقلان" يريد أن يصنع الرؤية في المقام الأول بوصفها أمرًا مهمًا في تأكيد الإدراك ليتمكن العقل من الاشتغال في مرحلة تالية. كان المتخيل أعلى من الواقعي بالرواية لكنه كان خيالًا شعريًا أكثر منه فنتازيا أو خيالًا غرائبيًا أو عجائبيًا. 
ويرى أن اللغة الشعرية أحرمت الراوي من الإطلالة الزمنية والمكانية، وغيبت التنوع وكذلك غيبت التتابع الزمني والتسلسل المنطقي للأحداث. فالسمة البارزة والحديث للشجاع في هذه الرواية، يتمثل في "الشعرية"، فقد استخدم الكاتب اللغة استخدامًا خاصًا، فتمرد على العادي منها أو المألوف ووظف كل الانزياحات الممكنة على مستوى اللفظ والمعنى، لكنه أخفق في تفعيل الزمان وتفعيل المكان، وكان بإمكان "الزمان والمكان" أن يكونا بطلين أساسيين في هذه الرواية.

رواية
الرؤية في المقام الأول

روح المجتمع الريفي
وجاءت ورقة محمد الغربي عمران بعنوان "عقلان - رواية معرفية.. تتقصّى إيقاع مجتمع جنوب شبه جزيرة العرب".. وقد اعتَبر العمل إضافة للمشهد الإبداعي اليمني من خلال ضخامته وتعمقه في روح المجتمع الريفي بكل تفاصيله، وصراعات التيارات التي شكل الريف جزءا منها. كما أشار إلى تعدد ثَيمات العمل وتنوعه، مثل ثيمة وضع المرأة وما تعانيه من صنوف العذاب ككائن مسحوق، مقابل تسلط الرجل الذي أعطته الدين والأعراف؛ موقع شبه مطلق الصلاحيات عليها. 
يُبين الغربي أن كاتب العمل يمتلك لغة باذخة في الصورة السردية، تجلت في الصفحة 1 - 15، بعدها بدأ سرد الأحداث وكأنه ينتقل بين عملين بخطابين مختلفين. الرواية سيرة وطن، وما نعيشه اليوم هو نتاج لتلك الأحداث؛ التي اتخذ الكاتب للريف قاعدة ليتطور سرده، حتى ذلك الصراع الدموي بين السلطة ومرتزقتها كما يصفهم من جهة. ومن جهة ثانية عناصر الجبهة الوطنية. 
يختم قراءته المستفيض،. بأن "عقلان" عملاً ملحمياً يؤصل لجيل بل أكثر.. لمجتمع جنوب شبه جزيرة العرب. مقدرًا الجهد الكبير، والقدرات العيمقة التي يمتلكها كاتب؛ يبرز بين كتاب الرواية في اليمن من أول عمل.