علامات رحّالة: أسفار الخطوط العربية

هدى أبي فارس: من خلال "علامات رحالة"، يتمثل الهدف من تعريف دقيق للهوية الثقافية واقتراح هوية متعددة أكثر شمولية ودقة.
معرض "علامات رحّالة: أسفار الخطوط العربية" يأتي مختلفا ومغايرا من حيث رؤاه وأفكاره
المعرض يتماشى مع رؤية معرض 421 المتمثلة في تقديم أعمال الفنانين والمصممين الموهوبين من مختلف أنحاء المنطقة العربية

يأتي معرض "علامات رحّالة: أسفار الخطوط العربية"، الذي افتتحه أخيرا المركز الفني والإبداعي في أبوظبي "معرض421" بالتعاون مع مؤسسة خط، معرضا مختلفا ومغايرا من حيث رؤاه وأفكاره حيث يستكشف الدور المهم الذي لعبته النصوص القديمة في رسم وصون الهوية الثقافية لحضارات منطقة الشرق الأوسط، وخبايا حكايات قديمة عن تطور ستة من الأبجديات الأشد تأثيرا في تاريخ الشرق الأوسط والعالم، مازجا بين عناصر علم الآثار والتاريخ والفن والتصميم ليسلط الضوء على ما أسهم به التبادل التجاري والثقافي التفاعل بين الشعوب على مر العصور في نشر تطوير الأبجديات وأساليب الكتابة والخط في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى الرغم من أن المعرض يركز على حكايات مرت عليها قرون عديدة، إلا أن موضوعاته الأساسية ـ وفقا لفيصل الحسن المشرف على المعرض ـ حاضرة ولها صدى قوي في عالمنا الذي نعيش فيه. ففي وقت تتنامى فيه النزعة القومية في بقاع كثيرة من العالم، يأتي هذا المعرض تذكيرا بأن المجتمعات استفادت على مدار التاريخ من بعضها البعض، وأحيانا ما تحقق ذلك بطرق غير متوقعة، وساد بينها التفاعل بين البشر والثقافات، ولم تكن ميالة لمقاومة تلك التأثيرات، بل العكس حرصت على الاستفادة منها. وكان لذلك الفضل في انتشار ممارسات الكتابة وفنون الخط في جميع أنحاء المنطقة.

وعلى الرغم من أن المعرض يركز على حكايات مرت عليها قرون عديدة، إلا أن موضوعاته الأساسية ـ وفقا لفيصل الحسن المشرف على المعرض ـ حاضرة ولها صدى قوي في عالمنا الذي نعيش فيه. ففي وقت تتنامى فيه النزعة القومية في بقاع كثيرة من العالم، يأتي هذا المعرض تذكيرا بأن المجتمعات استفادت على مدار التاريخ من بعضها البعض، وأحيانا ما تحقق ذلك بطرق غير متوقعة، وساد بينها التفاعل بين البشر والثقافات، ولم تكن ميالة لمقاومة تلك التأثيرات، بل العكس حرصت على الاستفادة منها. وكان لذلك الفضل في انتشار ممارسات الكتابة وفنون الخط في جميع أنحاء المنطقة.
يتماشى المعرض مع رؤية معرض 421 المتمثلة في تقديم أعمال الفنانين والمصممين الموهوبين من مختلف أنحاء المنطقة العربية، حيث يشتمل على تسعة أعمال جديدة لفنانين ومصممين من الإمارات والسعودية والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، تعكس طيفا عريضا من الفنون، منها الأعمال الفنية التركيبية والخزف وتصميم الحلي والمجوهرات والنسيج والأزياء وتصميم الأثاث والمقتنيات التذكارية.
كما يعد المعرض بحثا عميقا في سبل استخدام الشعوب المختلفة للنصوص الأجنبية، قبل أن يعمدوا إلى تكييفها لأساليب عملية وثقافية وجمالية، كما يبرز العلاقة بين الشكل والوظيفة، التي مثلت ركيزة العديد من الإبداعات الإنسانية عبر التاريخ، وهي من الموضوعات التي يهتم بها معرض 421. 
تزامنا مع افتتاح المعرض تم إصدار كتاب ينطوي على بحث مفصل ومختصر في تاريخ وتطور أبجديات الشرق العربي الرئيسية أي موضوع المعرض. وضم عرضا تفصيليا للأعمال الجديدة وللأفكار وعملية التصميم وراء إبداعها من خلال مجموعة من المقالات التي تؤطر وتضع سياق كل من البحث التاريخي في النصوص القديمة والتكليفات الفنية والتصاميم، والتي تتناول الهوية الثقافية في نطاق الثقافات العربية المعاصرة، من منظور شخصي لممارسي فن التصميم ومؤرخيه في المنطقة. 

fine arts
صون الهوية الثقافية 

ورأت د. هدى أبي فارس التي أسهمت بالتصميم والتقييم الفني للمعرض أنه "لطالما كان الشرق الأوسط مهدا لعدة حضارات وديانات وتقاليد. كان ملتقى طرق التجارة التي تمر عبر الممالك والأراضي. ولم يقتصر الأمر على السلع فحسب بل والمعرفة أيضا، التي اجتازت عبر القرون الحدود المسافية على امتداد طرق القوافل والمراكز التجارية حيث يتحدث الناس بعدة لغات ويكتبون بخطوط مختلفة ويقتبسون عن بعضهم البعض ويطوعون الأفكار والمهارات والخبرات وفق احتياجاتهم. وفي حكاية الخطوط في الشرق الأوسط العربي ما يشهد على هذه الثروة والتنوع والسيولة الثقافية.
وقالت: من خلال "علامات رحالة"، يتمثل الهدف من مسألة تعريف دقيق للهوية الثقافية واقتراح هوية متعددة أكثر شمولية ودقة قد تمثل أفضل وصف للعرب في العصر الراهن. فهذه المنطقة صورة صغيرة لعالم اليوم بفضل موقعها المتميز الذي جعل منها بوابة بين الجنوب والشمال والشرق والغرب. لقد عبرت جميع طرق التجارة القديمة مدن المنطقة ومراكزها التجارية، وجميع حضارات العالم الكبرى مرت من هنا، ومعها ثقافتها، وبدورها تمازجت بثقافات المنطقة. تعرضت الحدود للتجاوز، وخضعت للحماية، وفقدت، وأعيد ترسيمها، ولكن الشعوب التي ـ ربما غيرت ولاءاتها ولغاتها وأديانها وجنسياتها ـ تعيش اليوم مستمرة في العيش في المستقبل المنظور. 
إن شعوب الحضارات التي طال أمدها تستمر عبر روابط الدم والوراثة؛ فنحن أهل هذا الشرق العربي غالبا ما نجد أنفسنا نتحدث معتذرين عن "هويتنا المتعددة الأوجة" كما لو أن هذا مصدر للعار وليس للفخر. إن تعدد هويتنا هو في الحقيقة دلالة ثراء، ويمكن أن يسهم في منظور إيجابي لمواجهة "سياسة الهوية" الضيقة الأفق التي تتزايد انتشارا في جميع أنحاء العالم. ونأمل أن نقدم، من خلال قصص الخطوط والأعمال الإبداعية، صورة لهويات متعددة تتعايش وتتكاثر بشكل متجانس جنبا إلى جنب. إننا بحاجة، أكثر من أي وقت مضى إلى ترسيخ أركان مجتمع عالمي أكثر انفتاحا وشمولية لا يحتاج إلى أن يكون منفصلا عن التراث الثقافي القديم أو بديلا عنه. ترتبط جميع الحضارات العالمية في الواقع من خلال العلاقات التجارية والتبادل الثقافي، ومن الطبيعي أن تؤثر في بعضها البعض. ومع ذلك، فإننا إذا نظرنا إليها نكتشف فيها سمات فريدة تستحق الاحتفاء بها.
ولفتت أبي فارس إلى أن المصممين أكثر من مجرد تشكيليين، فهم لا يصيغون الشكل بل العقول أيضا، يصنعون الأفكار ويغيرون المجتمعات. يتعاونون مع أصحاب مهن آخرين عبر تخصصات وثقافات وحدود دولية، ينتجون القطع الفنية أو الصور التي يمكن أن تحرك وتحول وتغير الطريقة التي نعيش ونفكر ونوجد بها في هذا العالم. وتمتلك ابتكاراتهم القدرة على تغيير مسار التاريخ البشري، وكانت الكتابة، خاصة الأبجدية، بكل تأكيد من المحفزات التي غيرت عالمنا، فكانت نتائج اختراع الأبجدية بطبيعة الحال أبعد بكثير مما تصوره مبتكريها الأصليين؛ الشعب الكنعاني/ الفينيقي من الشرق، وقد خلقت هذه الأبجدية أساس العديد من الأبجديات خلال آلاف السنين التي أعقبت ذلك. وتبرز أهمية اختراع الأبجدية في اعتمادنا على نصوصنا المكتوبة في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، وأصبح النص والخطوط الرقمية جزءا جوهريا من مساحاتنا العامة ويحددان أسلوب الحياة المعاصرة المتعددة الثقافات.
وأكدت أن الحضارات البشرية خلفت أثرا ملموسا وراءها، وفي محاولتها التوصل أو السيطرة على عالمها رسمت على جدران الكهوف، وصنعت رموزا، وابتكرت أنظمة كتابة خطية مجردة. 
وقالت هدى أبي فارس إن المعرض يتأمل الدور الذي لعبته الخطوط في تحديد الهوية الثقافية للحضارات الماضية والحالية والحفاظ عليها. وهو يقدم منظورا جديدا عن الطبيعة المهاجرة والتحويلية للنصوص المكتوبة. كما يؤطر أحد الآثار "العلامات" التي تركتها المجتمعات الغابرة؛ أي خطوطهم. ونعرف عن الحضارات القديمة من خلال هذه التجسيدات البصرية لأفكارهم، على أمل أن نجد في قصصهم بعض الصدى في حياتنا المعاصرة. إن الكتابة أكثر حرية في الترحل من البشر؛ وأخف حملا وأشد مرونة. وصار الجيل الجديد من مواطني العالم ينتقل افتراضيا كل يوم، إنهم "الرحل" الجدد الذين يحملون معهم ثقافتهم وجذورهم وينشرونها عبر مسيرتهم. 
وينقل معرض "علامات رحالة" نظام الكتابة الخطي الأبجدي من الورق إلى نسيج الحياة اليومية، وشاعريا يربط الماضي بالحاضر، ويظهر على وجه الخصوص ثروة التراث العربي من خلال خطوطه القديمة العديدة الصادرة من الشرق العربي: وهي الخط الفينيقي، الآرامي، المسند، التدمري، النبطي، والعربي. تلك الخطوط هي العناصر الموثقة لهذا المعرض. ويتم الاحتفاء بها من خلال موضوعات وأعمال فنية تعيد بطريقة شاعرية، ربط التراث بفن التصميم المعاصر. وهي تشكل المادة الأساسية لإنتاج أعمال جديدة لمصممين من جنسيات مختلفة "إماراتية وسعودية وسورية وأردنية وفلسطينية ولبنانية" وتخصصات متنوعة. وتتأمل الأعمال، وتفسر بالنص والشكل، مفهوم "الرحل المعاصرين" بالإحالة إلى الحرف التقليدية واستكشاف إمكاناتهم في التصميم المعاصر. وتشمل الأعمال المعروضة التكوينات الفنية، المجوهرات، الأزياء، تصميم المنسوجات، الأثاث، تصميم المنتجات، والخزف. 

المعرض مكون من طبقتين: غلاف خارجي يحمل المعلومات التاريخية والتيبوغرافية للخطوط الستة القديمة، ومساحة داخلية تعرض فيها تسعة أعمال فنية وتصميمية حديثة. وتلك الطبعات قابلة للأختراق، والقديمة منها في تفاعل مباشر مع الحاضر، وبالتالي تدعو المشاهد للتجول واستخلاص استنتاجاته الخاصة والانغماس في تخيلاته. وتستهدف هذه المقاربة الشاعرية لعرض المواد التاريخية الوصول إلى جمهور غير متخصص نأمل في مشاركته في التعرف على أسس تراثه الثقافي. ومثل هذه المعرفة الأثارية الأساسية غائبة عن مناهج التعليم بشكل عام في العالم العربي، في حين أنها تكون أحيانا عنصرا حاسما لإبداع التصميم الجيد الذي يتفاعل معه المتلقي. ويمنح عرض الروابط بين علوم الآثار والتاريخ والتصميم نظرة ثاقبة على الماضي، كما يوضح أهمية تلك المعرفة كمصدر لأعمال التصميم مستقبلا. فعندما نعرف أصلنا نكون مؤهلين بشكل أفضل لرسم طريقنا إلى الأمام. 
وأوضحت أبي فارس "وصلتنا الآثار القديمة للنصوص، والتي نجت من مؤثرات الزمن والحروب والكوارث الطبيعية، على مواد صلبة أو أشياء ثمينة مختزنة في المقابر والقصور "أو القصور الفنية الحديثة التي نطلق عليها اسم المتاحف". ونحن عبر هذا المعرض، ومن خلال أعمال المصممين المعاصرين، نحيي هذا التقليد. وقد استخدمت النصوص بشكل جوهري لتكون جزءا من هذه الأشياء الجديدة، لتمنحنا الشكل والمضمون بالقدر ذاته. النصوص إما مطبوعة أو منسوجة أو محرقة أو مستكشفة بوسائط مختلفة، بسبل تتيح التعليق الشخصي حول قضايا ذات صلة بالمجتمعات العربية المعاصرة. والأعمال مبتكرة وتقدم وجهات نظر حساسة للفنانين والمصممين الشاب "العرب". وتتكون تلك الطبقة الداخلية للمعرض، قلبه، من موضوعات تتنوع في أبعادها وموادها ومقاصدها، ولكنها أوضح في الرسائل التي تنقلها عن الحالة البشرية المعاصرة؛ أي حياتنا في عالم العولمة. يقوم كل فنان ومصمم بالتعليق من خلال عمله على معضلة إقليمية محددة ذات صلة بالتصميم. 
وقالت أبي فارس "من خلال وسيط مثل تصميم المجوهرات، تتناول مارغيريتا أبي حنا إحساس فقدان الهوية عند الشباب اللبناني، بينما تبرز نادين قانصو خرافات المنطقة وحرية التعبير بشكل غير مباشر، بحيلة بصرية بسيطة. وتعمل مصممة الأزياء ميليا مارون على نسج سرد شعري وإيجابي لثراء تبادل الثقافات بين الشرق الأدنى والشرق الأقصى، في حين يستحضر مصمم النسيج خالد مزينة القوة السحرية الواقية للكلمات، لينسج حكايات بصرية متعددة الثقافات لرموز الماضي والحاضر كتعليق على هوياتنا المعاصرة المتوسطة والمفرطة الفردانية، وتستخرج فنانة الخزف زينة المالكي نصا ميتا من الرماد لتدسه في فرن لتعاود إحيائه، وبذلك لإحياء ذكرى ثقافات مفقودة ولإدانة الدمار الجنوني. وتقدم المصممة الجرافيكية رشا الدقاق موضوعات "تذكارات" تربط بين خطوط قديمة والأخرى من سلاليها التي لا تزال مستخدمة، وتقدم منتجات كبديل لتذكارات الثقافة النمطية والمعلبة. ويتبنى مصمم المنتجات حمزة العمري نهجا أشد تجريدية، حيث ينظر إلى البنى الداخلية ومبادئ فن الزخرفة الإسلامية الهندسية، ليصنع قطعة أثاث بسيطة وحديثة وعملية. ويستخدم كل من الفنانين ناصر السالم وسارة العقروبي جملة من نص قديم للتعليق على قضايا اجتماعية وسياسية معاصرة؛ فيستخدم السالم آية من القرآن الكريم في التلميح إلى التوسع الحضري وحقبة ما بعد الاستعمار.