عن شعبان عبدالرحيم وعمرو موسى

عمرو موسى هو أول وزير في تاريخ مصر الحديث الذي يُغنى له، والذي غنى له رجل شعبي على سجياته.

في عام 2002 كنت رئيسا لجمعية نقاد السينما المصريين. وكنت أجلس في اجتماع مع أعضاء مجلس إدارة الجمعية. ودخل علينا الناقد الراحل سمير فريد وهو يحمل كعادته، مجموعة نسخ من كتاب له كان قد صدر حديثا لإهدائها الى أعضاء الجمعية. وقد جلس معنا بعض الوقت. وكان الرئيس مبارك قد أقال لتوه السيد عمرو موسى وزير الخارجية وقتذاك. وكانت هناك دهشة واستغراب بسبب اقالة هذا الرجل الذي كان -لايزال- يمتلك دون شك، ميولا استعراضية كبيرة، كما أنه يتمتع باللباقة، ويجيد الحديث ونطق الألفاظ نطقا عربيا سليما على العكس من كثير من المسؤولين.

كان عمرو موسى قد اشتهر في الأوساط الشعبية المصرية بدوره في المقابلة التليفزيونية التي جمعت بينه وبين وزير الخارجية الاسرائيلي عام 2000 (شلومو بن أمي) وبثتها قناة سي إن إن، وفيها لقن عمرو موسى الوزير الإسرائيلي، درسا شديد قاسيا، وكان يرد عليه بقوة ويهزأ من ادعاءاته وغروره، مدافعا عن الحقوق العربية والفلسطينية مؤكدا أن الأراضي التي تحتلها إسرائيل يجب أن يطبق عليها القرار 242. وكان في ذلك يمثل الدولة المصرية بل والكرامة المصرية والعربية أفضل تمثيل. وكانت جرأة موسى (الوزير) تبدو مناقضة لمواقف غالبية المسؤولين المصريين الذين ينكمشون عادة، ليس فقط أمام الإسرائيليين وغير الإسرائيليين، بل أمام رئيس الدولة باعتبارهم مجرد موظفين عنده، هو الذي أسند إليهم وظائفهم ويملك اقالتهم. فقد كان عمرو موسى يعتبر نفسه سياسيا مسؤولا وليس مجرد موظف.

أخذ سمير فريد وقتها يتساءل وقتها عن سبب ومغزى إقالة عمرو موسى من منصبه؟ وانشغل الجميع حول المائدة بتحليل الموقف السياسي مع إسرائيل.. وما إلى ذلك. وكان رأيي الذي ذكرته بعيدا كل البعد عن التحليل السياسي الأكاديمي. وقد أدهش كثيرا صديقنا سمير فريد والحاضرين جميعا، هو أن عمرو موسى هو أول وزير في تاريخ مصر الحديث (وربما القديم أيضا - لا أعرف) الذي يُغنى له، والذي غنى له رجل شعبي على سجياته، ممن يستمع إليهم عامة الشعب في الحواري والأزقة، وهو أمر يمكن أن يصب الحاكم- الرئيس بالذعر.. فالعادة هي أن يُعنى للرئيس وللرئيس فقط وليس لسواه وخاصة لرجل يعمل في حكومته أي "وزير". ولابد أن ما غناه شعبان عبدالرحيم قد أثار غيظ وغضب حسني مبارك، فكيف يقول شعبان "بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل".. ولماذا لم يقل "بحب حسني مبارك وأحب إسرائيل" مثلا.. و.. هيههههه؟ لذلك جاء قرار مبارك بالاستغاء عن خدمات عمرو موسى. أما شعبان عبدالرحيم المؤدي- الظاهرة صاحب "اللازمة" التي كان يرددها بين كل سطر وسطر "هيييييه"، فقد عاش بعدها وغنى كثيرا بعد أن تاب عن فعلته تلك، واظن أيضا أنه قام بالتكفير عنها وقدم فروض الطاعة والولاء للرئيس لكي يتحاشى غضب الرئيس وكل رجال الرئيس!

استبعد سمير فريد يومها أن يكون هذا هو السبب. وضحك الأصدقاء والزملاء الجالسون كما لو أنني قلت نكتة، وكان الأمر يشبه فعلا النكتة. لكن الزمن أصبت أنها حقيقة، وأن إقالة عمرو موسى كانت نتيجة الكلمات التي غناها "شعبولا" في غمرة حماسه الفطري.

رحم الله شعبان عبدالرحيم (الشهير بشعبولا) الذي فارق عالمنا أخيرا عن 62 عاما، فقد ظل لما يقرب من ربع قرن، علامة مسجلة تشير على عصر "مختلف" تماما عن "عصرنا" القديم.. عصر "ناصر كلنا بنحبك" و"ياجمال ياحبيب الملايين"!