عُهدة الإنتقال اليمني

اليمن أهم من ان يترك ليتحول الى دولة فاشلة مرة اخرى، واكبر من ان يدار مركزياً حسب معادلة الدولة العميقة. لعل الحل في المحفز الجنوبي المفقود.

ماذا نريد لليمن، وماذا يريده اليمنيُون لليمن، ومن سيكون المؤتمن على عملية الانتقال السياسي فيه. تلك هي جملة الأسئلة الواجب التعاطي معها موضوعيا لا سياسياً لتفادي ارث دولة علي عبدالله صالح العميقة. كذلك على رعاة مؤتمر ستوكهولم قبل اليمنيين إظهار ارادتهم السياسية التي يجب ان تتمثل اولا برفض توظيف مثل هذه اللقاءات للاستنزاف السياسي. فقتامة المشهد السياسي شرق اوسطيا لن يحتمل اضافة نموذج اخر لدولةً مُعطلة تضاف لجملة الدول الفاشلة، ولا داعي لذكر الأمثلة فهي كثيرة.

الا انه من الواجب كذلك تناول التحول في الموقف الاميركي من الازمة اليمنية مع تواتر ذكر الجنوب في كل من خطاب وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس خلال ندوته في المجلس الاميركي للسلام مطلع نوفمبر المنصرم، ومن ثم خلال الإحاطة الاخيرة التي قدمها المبعوث الأممي مارتن غريفيث أمام مجلس الأمن حول اليمن. مما يدفع بالسؤال في محركات الرغبة الاميركية في تحويل الازمة من ثنائية الأبعاد (الشرعية والحوثي) الى ثلاثية الأبعاد (الشرعية، الحوثي، والجنوب). ويعتبر سحب الدعم الاميركي لقرار وقف إطلاق النار، وطلبها تأجيله الى ما بعد لقاء ستوكهولم تأكيدا على ذلك التحول الاميركي في الموقف من الازمة اليمنية. 

يبقى امر البحث في محركات ذلك التحول في الموقف الاميركي من تلكم المسألتين، اي الجنوب وطلب تأجيل قرار وقف إطلاق في اليمن الى ما بعد اجتماع ستوكهولم. فهل مصدر ذلك توافق الرؤى بشكل اكبر مع حلفائها الإقليميين (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) في أن اليمن "أهم" من ان يترك ليتحول الى دولة فاشلة مرة اخرى، وأنه "اكبر" من ان يدار مركزياً حسب معادلة الدولة العميقة. او ربما ان ملف الجنوب قد يكون المحفز "المفقود" في معادلة الدفع بجميع الأطراف الى طاولة التفاوض، وقد يكون لتأجيل قرار وقف إطلاق النار نفس الرسائل للطرف الحوثي وإيران.

اما فيما يتعلق بسر عودة ستوكهولم الى الطاولة بعد الإعلان عن تأجيله قبل العودة الى تأجيله من جديد، فقد يكون السبب من وراء ذلك هو فشل التوافق داخل إدارة ترامب على الآليات المثلى في توظيف قضية خاشقجي كرافعة ضغط جديدة على الرياض في اكثر من ملف وليس ملف الحديدة فقط. فعودة هذه المدينة الحيوية الى سلطة الشرعية سيفقد لقاء ستوكهولم واقع التوازن بين اطراف النزاع، وسيحرم ادارة ترامب من تحقيق نصر جديد لدبلوماسيتها في هذا الملف الذي توافقت عدة أطراف دولية على تحويله لساحة تزاحم جيوإستراتيجي. كذلك، حتى لا ينظر لإدارة ترامب على انها وقفت مع طرف سني ضد آخر شيعي انطلاقا من النظرة النمطية لمحرك الصراعات في الشرق الاوسط نتيجة هشاشته سياسيا منذ غزو العراق في 2003. 

ما يجب الاتفاق عليه الان هو دور ومكانة المجلس الرباعي (السعودية، الامارات، الولايات المتحدة وبريطانيا) في عموم وتفاصيل العملية الانتقالية. فهل يجب القبول بصفته الاستشارية والتمويلية فقط، إم ان يتحول هذا المجلس الرباعي اما بتوافق مع جميع الاطراف اليمنية او بتخويل من مجلس الأمن الى مجلس وصاية انتقالي لضمان عدم انزلاق اليمن مرة اخرى الى دولة فاشلة. فاستقرار اليمن حيوي في إعادة الاستقرار للشرق الاوسط وكذلك في امر أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.