فاز جونسون فهل ينتصر بريكست؟

زعيم حزب المحافظين بات مطلق اليدين لتحقيق بريكست بعد فوز ساحق في الانتخابات البرلمانية البريطانية، فيما تطرح تساؤلات عدة حول ماهية الانفصال عن الشريك الاقتصادي الأول وخطر تداعياته على الاقتصاد البريطاني.
فوز جونسون يرجح بقوة عملية طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
بروكسيل: الاتحاد الأوروبي جاهز لاتفاق تجاري مع بريطانيا
ماكرون: على بريطانيا ألا تتحول إلى منافس غير منصف بعد بريكست
حزب المحافظين يحقق أكبر فوز منذ 1987 مقابل أسوء هزيمة لحزب العمال منذ 1935

لندن - بات بوريس جونسون بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية البريطانية، مطلق اليدين نحو تحقيق الانفصال عن الاتحاد الأوروبي المتفق عليه في يناير/كانون الثاني سنة 2020، لكن تساؤلات عدة تطرح حول شكل بريكست الذي يريده زعيم حزب المحافظين سواء فضل البقاء قريبا من دول الاتحاد أو الابتعاد عنها.

وأظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية الخميس أكبر فوز للمحافظين في بريطانيا منذ العام 1987، مقابل أسوء هزيمة لحزب العمال منذ العام 1935، وهو ما يرجح بقوة عملية طلاق بريطانيا من التكتل الأوروبي، لا سيما مع عزم جونسون إعادة اتفاق بريكست إلى البرلمان الأسبوع القادم للتصويت عليه.

وسخر جونسون مجهوداته بسلوك اندفاعي في خدمة حملة انتخابية تمحورت بشكل أساسي حول بريكست، مرددا شعارات أبرزها "أنجزوا بريكست" "ودعونا ننته من بريكست"، مع الحرص على عدم توضيح خياره بهذا الصدد.

وتشير تصريحات جونسون إلى رغبته الملحة في حسم ملف بريكست الشائك بأسرع وقت ممكن، بعدما تأجل انفصال بريطانيا أكثر من مرة.

لكن فوز جونسون بحسب محللين لا ينفي أن هناك انقساما بالرأي العام حول الخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي، ولا يخفي صورة المظاهرات في لندن منددة بالبريكست وداعية لاستفتاء جديد، فيما يتوقع أن يتشدد زعيم حزب المحافظين بعد فوز بائن في خياراته لاسيما مع امتلاكه أغلبية من المرجح أن تدعم عملية الطلاق من الاتحاد.

وكان جونسون قد توصل إلى اتفاق مع بروكسيل يقضي ببريكست في 31 يناير/كانون الثاني المقبل، حيث ستبقى بريطانيا بمجرد مغادرة التكتل محافظة على علاقتها الراهنة بدول الاتحاد حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، وهي فترة ستستخدم للتفاوض حول اتفاق تجاري حر بين المملكة المتحدة كخامس أكبر اقتصاد في العالم وشريكها الاقتصادي الأكبر.

وفوز جونسون بأغلبية برلمانية يلغي نهائيا فكرة إعادة الاستفتاء حول بريكست التي نادى بها منافسه جريمي كوربن.

مع امتلاك جونسزن لأغلبية واسعة داخل البرلمان البريطاني بإمكانه اختياره بريكست أكثر ليونة إن شاء

وكتب مدير مركز الدراسات 'سنتر فور يوروبيان ريفورم' تشارلز غرانت على تويتر "مع امتلاكه غالبية واسعة، بإمكان بوريس جونسون تجاهل مجموعة البحث الأوروبي"، في إشارة للجناح الأكثر تشددا ضد أوروبا في حزبه المحافظ، "واختيار بريكست أكثر ليونة إن شاء".

وفاز المحافظون بقيادة جونسون الخميس بغالبية مريحة جدا في البرلمان كاسبين عشرات المقاعد الإضافية عن الانتخابات السابقة عام 2017، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد 'إيبسوس موري' عند الخروج من مراكز الاقتراع.

وتمكن المحافظون من انتزاع مقاعد من حزب العمال البريطاني أبرز منافسيه، حيث تكبد العماليون خسائر تاريخية.

وتشير النتائج شبه النهائية إلى فوز المحافظين بغالبية 364 مقعدا من أصل 650 في مجلس العموم (مقارنة مع 317 عام 2017) بفضل انتزاعهم دوائر مؤيدة تقليديا لحزب العمال.

وانهار حزب العمال أكبر أحزاب المعارضة، إلى 203 مقاعد (مقابل 262)، مسجلا بذلك أسوأ نتيجة منذ 1935، وهو ما شكل ضربة موجعة لزعيمه جيريمي كوربن (70 عاما) الذي أعلن أنه لن يقود حزبه في الانتخابات المقبلة، معربا عن "خيبة أمل كبيرة".

وأوضح الأستاذ في كلية 'لندن سكول أوف إيكونوميكس' توني ترافرز، أن "كون الحزب المحافظ يمتلك الآن مقاعد في شمال إنكلترا وميدلاندز التي لا تزال تضم عددا كبيرا من الصناعات التحويلية وبعض الزراعة، وهي مجالات ستتضرر بشدة في حال حصول بريكست متشدد أو عدم التوصل إلى اتفاق حول بريكست، فإن ذلك يجعل من الأصعب على جونسون اعتماد أي خيار غير بريكست ليّن".

فهل يود طلاقا يبقي على علاقات وطيدة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لبلاده، أو يفضل انفصالا مع الابتعاد عن المعايير المشتركة حتى الآن بين الطرفين، ولا سيما على الصعيدين الاجتماعي والبيئي؟

وأشار العديد من القادة الأوروبيين ولاسيما المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى خطر قيام منطقة أشبه بسنغافورة على نهر تيمز، تكون بمثابة جنة ضريبية تعتمد نظاما ماليا منفلتا من أي ضوابط، وتنافس الاتحاد الأوروبي عند أبوابه.

وهم يعتزمون استئصال مثل هذا المشروع قبل ولادته خلال المفاوضات حول العلاقة المستقبلية البريطانية الأوروبية التي تبدأ بعد 31 يناير/كانون الثاني موعد بريكست.

والهدف من هذه المحادثات التوصل إلى اتفاق تجاري بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020 عند انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاق الخروج المبرم بين لندن وبروكسل، والتي يمكن تمديدها لمدة تصل إلى سنتين.

وعلى ضوء حجم انتصار جونسون، ترى مجموعة 'أوراسيا' أنه "لن يكون مدينا لمؤيدي بريكست المتشددين في مجموعة البحث الأوروبية التي لكانت تمتعت بنفوذ أكبر بكثير لو لم يحصل سوى على غالبية ضئيلة. وسيترتب على جونسون أن يقرر إن كان يود المواءمة مع تنظيمات الاتحاد الأوروبي أو الابتعاد عنها بشكل واضح".

وأعطى رئيس الوزراء البريطاني بعض المؤشرات إلى نواياه هذا الأسبوع خلال الحملة الانتخابية، إذ أكد على أن "الاتفاق المبرم مع بروكسل يعني أننا نخرج من الاتحاد الأوروبي مع الحفاظ على علاقتنا بلا مساس، بدون رسوم جمركية وبدون حصص".

وقال إن "الاتفاق يحمي سلسلة مورّدينا ويضمن امتلاكنا معادلات كاملة على صعيد المعايير وحاجات الصناعة"، موحيا بأنه يؤيد المواءمة مع الاتحاد الأوروبي.

لكنه في المقابل لم يتوقف عن امتداح الاتفاق التجاري الكبير الذي يسعى لإبرامه مع "صديقه" الرئيس الأميركي دونالد ترامب، غير أن ذلك سيكون في غاية الصعوبة في ظل مثل المواءمة مع التنظيمات الأوروبية.

ورأى سام لو من 'سنتر فور يوروبيان ريفورم' أن انتصاره "يزيد من فرص اتفاق تجاري سريع مع الولايات المتحدة، ويسمح له بتقديم التنازلات التي تطالب بها واشنطن حتى لو أنها تثير استياء عدد كبير من النواب".

لكن بريطانيا مقبلة بعد ذلك على مرحلة جديدة لا تقل خطورة ستستمر لأشهر وربما لسنوات، وستشهد مفاوضات متشعبة وصعبة حول العلاقة المستقبلية مع التكتل الأوروبي، الشريك التجاري الأول لبريطانيا.

الأوروبيون يستعدون لمفاوضات بريكست شرط تكافؤ الحظوظ
الأوروبيون يستعدون لمفاوضات بريكست شرط تكافؤ الحظوظ

وأبدى الأوروبيون الجمعة "استعدادهم" لخوض هذه المفاوضات، لكنهم أكدوا أن ذلك لن يحصل بأي ثمن كان.

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال معلقا على المهلة الضيقة المتبقية للتفاوض بشأن اتفاق تجاري مع بريطانيا بعد بريكست "من غير الوارد إتمام المفاوضات بأي ثمن، يمكن إتمام مفاوضات حين نعتبر أن النتائج متوازنة وتضمن مراعاة المخاوف".

من جهتها، حذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأنه "سيكون هناك منافس عند أبوابنا وهو ما قد يدفعنا أيضا لنكون أسرع في اتخاذ قراراتنا"، معتبرة أن الوضع الذي سينجم عن بريكست قد يكون "محفزا" أيضا.

وهنأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جونسون على فوزه في الانتخابات، قائلا إنها "لحظة وضوح" لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وقال ماكرون بعد قمة أوروبية في بروكسل إن "وقت الوضوح قد جاء، وآمل أن اتفاق الانسحاب الذي تم التوصل إليه في أكتوبر/تشرين الأول أن يتم التصديق عليه في أقرب وقت ممكن للخروج في 31 يناير/كانون الثاني".

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يجب أن "يحتفظ برابط عملي وخاص، بل وخاص للغاية" مع بريطانيا، داعيا المملكة المتحدة لعدم التحول إلى "منافس غير منصف" للاتحاد بعد بريكست.

وقال خلال مؤتمر صحافي في بروكسل "آمل بأن تبقى المملكة المتحدة دولة حليفة وصديقة وشريكًا مقرّبًا للغاية.. لا نريدها بأن تكون منافسًا غير منصف".

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعم لجونسون، فوعد بـ"اتفاق تجاري جديد مهم، يمكن أن يكون أكبر وأربح بكثير من أي اتفاق قد يتم إبرامه مع الاتحاد الأوروبي".

وفي سياق انتصار جونسون، خلفت نتائج الانتخابات ارتياحا بين المستثمرين مع تبدد الغموض المحيط بالاقتصاد البريطاني، ما أدى إلى ارتفاع سعر صرف الجنيه الإسترليني.

في المقابل لم تجد دعوات جونسون إلى وحدة الصف أصداء إيجابية لدى الحزب الوطني الاسكتلندي، الذي عزز موقعه بفوزه بـ48 مقعدا مقابل 35 سابقا، ما من شأنه تشجيع الميول للانفصالية.

وقالت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن أن هذا النجاح "يعزز التفويض" من أجل تنظيم استفتاء جديد حول مستقبل اسكتلندا المعارضة لبريكست، بعدما فشل الانفصال عن بريطانيا في استفتاء أول عام 2014.

ورأت أنه يعود للاسكتلنديين أنفسهم أن يقولوا إن كانوا يريدون تنظيم مثل هذا الاستفتاء وليس للحكومة المركزية في لندن التي تعارض ذلك.

أما في إيرلندا الشمالية فتراجع الحزب الوحدوي الديمقراطي أمام الشين فين الجمهوري، ما يطرح هنا أيضا مسألة وحدة المملكة.

وتلقى الليبراليون الديمقراطيون الذين أرادوا وقف بريكست صفعة، إذ لم يفوزوا سوى بـ11 مقعدا بخسارة مقعد.