فتوى بتحريم المشاركة بالانتخابات العامة في العراق

استنفد الطائفيون والمتحاصصون كل فرصهم واكاذيبهم في نظام فاسد أسس على أكاذيب. لا اصلاح من داخل منظومة فاسدة.
عملاء إيران وإسرائيل في العراق يتنابزون بالألقاب قبل الانتخابات ويُهَدِّدون بعضهم البعض
رؤساء العصابات الطائفية الحاكمة في بغداد وأربيل لا يفقهون شيئًا عن الديمقراطية

قَرَّرَتْ حكومة مصطفى الكاظمي يوم 19 كانون الثاني/يناير 2021 أن تكون الانتخابات العامة في العراق يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021. وأَكَّد رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، يوم الأحد 11 تموز/يوليو 2021، عزم الحكومة على تلبية كل احتياجات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأصدر توجيهات إلى كافة الأجهزة الحكومية بتقديم الدعم والإسناد لإجراء الانتخابات النيابية القادمة بموعدها المقرر، بما يضمن نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، ويحقق المشاركة الواسعة فيها.

السؤال الأعظم هو: هل يُمكِن أن نُصدِّق المسؤولين في العراق عندما يتحدّثون عن النزاهة والفساد والمُفسِدين؟

فيما يتعلق بسير العملية الانتخابية، لا يوجد شك بقدرة حكومة مصطفى الكاظمي، مثل الحكومات السابقة، على تأمين سلامة ونزاهة الانتخابات من النواحي الإجرائية البحتة. ولا حاجة مطلقًا لوجود مراقبين أو مشرِفين دُوَليين لمنح "شهادة النزاهة" للانتخابات القادمة. ولكن المعضلة الكبرى من أساسها تكمن في تغييب الشعب العراقي عن صياغة الدستور والقوانين وجوهر العملية الانتخابية والأحزاب وهيكل المجلس التشريعي (مجلس النوّاب) وهيكل الحكومة والمحكمة الاتحادية وباقي المؤسسات القضائية والتنفيذية. ولأن كل هذه المؤسسات مُصطَنَعة منذ بداية الغزو والاحتلال الأميركي البريطاني سنة 2003 عندما أسَّسَها مجرم الحرب الأميركي والحاكم العام المطلق، بول بريمر، والأميركي الإسرائيلي الصهيوني، نوح فيلدمان، وبالتعاون التام مع عملاء مؤتمر لندن 2002 وعملاء إيران وإسرائيل، فإنها أصبحت "بذور الفساد الشامل في العراق" إلى يومنا هذا. وحسب تلك الصيغ المزيفة تكون نسبة لا تقل عن 70% من النوّاب العملاء المخلصين، بينما تَبنَّت النسبة المتبقية طريقة الحصص الطائفية كَحَلّ أمثل للحصول على الامتيازات. وقامت سلطات الاحتلال الأميركي البريطاني بتشكيل رئاسات ثلاثة، للوزراء والجمهورية ومجلس النوّاب، ولكل واحد منهم نوّاب وحرس وحماية وسيارات مدرَّعة وقصور وامتيازات مدى الحياة، بحيث يكون رئيس الوزراء منسوبًا إلى العرب الشِّيعة، ورئيس مجلس النوّاب منسوبًا إلى العرب السُّنَّة، ورئيس الجمهورية منسوبًا إلى الأكراد السُّنَّة الانفصاليين. وكذلك تمّ تقاسم الوزارات والسفارات والوظائف الخاصة بينهم حسب نظام وعَقْدٍ شفهي مقدس على طريقة "المافيات الإيطالية" أسموه "التوافقات السياسية" وهي في حقيقتها "المحاصصة الطائفية" على الطريقة اللبنانية. ومنذ ذلك الوقت نجحوا بتأسيس "الدولة الفاشلة" المبنية على الفساد الشامل والنهب المنظَّم لثروات الشعب العراقي والاستقطاب الاجتماعي والحروب الأهلية والعصابات المسلحة. وأسموا هذه الدولة الفاشلة "جمهورية العراق" لتنضم إلى "منتدى الدول الفاشلة" الذي يشمل سوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان وجيبوتي والصومال، إلخ. وحسب المعايير العالمية أصبح العراق رمزًا لكل شيء سيء وفاسد ولا يمكن إصلاحه.

ولا يقتصر التزييف على المؤسسات الكاذبة وإنما على التسميات المتغيرة للأحزاب والقوى والتكتلات والتيارات السياسية التي تعكس حجم التحايل والتضليل والضحك على الناخبين للاحتفاظ بالكراسي والسلطة والثروة المنهوبة من الشعب العراقي.

ومنذ مجيئهم مع قوات الاحتلال الأميركي البريطاني سنة 2003، شاهدنا وقرأنا وسمعنا عملاء مؤتمر لندن وعملاء إيران وإسرائيل وهم يتنابزون بالألقاب قبل الانتخابات ويُهَدِّدون بعضهم البعض أنهم سينشرون ملفّات الفساد التي تفضح هذا أو ذاك. وبعدما يتقاسمون المناصب والغنائم الجديدة بينهم يسكتون عن تلك التهديدات، بل ويظهرون أمام عدسات التلفزيون وهم منبسطون وفرحون بما هم فيه من امتيازات وثروات إضافية.

فهل يُمكِن أن نصدِّق هؤلاء المسؤولين في العراق عندما يتحدّثون عن ملفّات الفساد وأسماء المُفسِدين؟ الجواب، نعم، يجب أن نُصدِّقَهم وذلك لسبب واحد فقط وهو أن كل زعماء العصابات والأحزاب الطائفية العميلة الحاكمة في بغداد وأربيل هم في الواقع متكافئون في الرذيلة والفجور والفساد والجرائم، وهم يعرفون بعضهم البعض بشكل جيد. وكل الأموال التي يشيرون إليها تقاسموها فيما بينهم كل حسب جبروته. ولذلك لا ولن نرى أية قائمة تضم أقطاب الفساد في العراق ولا أي حكم قضائي يصدر ضدهم. وإنما تكتفي "هيئة النزاهة" وبعض القضاة بإصدار أحكام متفرقة ضد أسماك "أبو الزُّمَّير" الصغيرة الجارحة اللاسعة بينما تغض النظر عن أسماك القرش الضخمة والشرسة والمفترسة.

إنهم يكرهون لغيرهم حقوق الإنسان والديمقراطية

ثمة حقيقة واضحة للعيان لا يمكن إنكارها وهي أن رؤساء العصابات الطائفية الحاكمة في بغداد وأربيل لا يفقهون شيئًا عن حقوق الإنسان والحريات والنظام الشعبي (الديمقراطي)، بل إنهم يكرهونها إذا كانت لغيرهم. فأشخاص مثل، مصطفى الكاظمي ومحمد الحلبوسي وبرهم صالح ومسعود البرزاني ومقتدى الصدر وعمار الحكيم ونوري المالكي وأسامة النجيفي وهادي العامري وغيرهم... أين ومتى تعلَّموا ممارسة الديمقراطية الحقيقية والحريات الحقيقية وحقوق الإنسان الحقيقية؟ فَكُلُّهم خريجو تجمعات وعصابات وأحزاب استبدادية وإجرامية وإرهابية محترفة منذ طفولتهم حتى هذه اللحظة. لذلك حتى عندما توفّرت لبعضهم فرص الإصلاح لم يُصلِحوا شيئًا لأنهم لا يفهمون معنى "الإصلاح" مطلقًا. لقد رأينا بأنفسنا كيف أن الرؤساء الثلاثة السابقين (من سنة 2014 إلى 2018)، أي رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس مجلس النوّاب سليم الجبوري، سنحت أمامهم فرصة تاريخية وذهبية، لكونهم يحملون شهادات دكتوراه ويحظون بتأييد عراقي وأميركي وغربي واسع لمواجهة ودحر العصابات الوهّابية الإرهابية (العواهر) المُسمّاة "داعش" والقيام بإصلاحات جذرية شاملة. فماذا فعلوا بالفرصة الذهبية؟ بدلًا من التحالف بينهم والانقلاب على أحزابهم التي جاءت بهم إلى السلطة والقيام بإصلاحات جذرية، بدءًا بالدستور والقوانين والانتخابات ومجلس النوّاب وغيرها، فقد آثروا الولاء لأحزابهم الطائفية البغيضة على ولائهم للوطن والشعب العراقي. وبعدما غادروا مناصبهم واحتفظوا بكامل امتيازاتهم الرئاسية نراهم فجأة يُقدِّمون "حزمة من الإصلاحات"، كالتي طرحها حيدر العبادي بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أثناء الثورة الشعبية للشباب العراقي بعنوان "خارطة طريق بسقوف زمنية لحل الازمة". والسؤال الذي تَبادر إلى أذهان العراقيين آنذاك: إذا كنتَ صادقًا وقادرًا وراغبًا بتنفيذ تلك الإصلاحات الجذرية فما الذي منعك أنت ورفاقك في الحكم على مدى أربع سنوات؟ ولكن الحقيقة أن النمط السلوكي المتكرر لا يبارحهم وهو الكذب والدجل والنفاق والتضليل والتزييف والضحك على الجماهير العراقية المظلومة.

إيَّاكم أن تشكِّلوا حزبًا جديدًا يتنافس في الانتخابات القادمة

في أعقاب ثورة تشرين الأول الشعبية سنة 2019، ظهرت كتابات ومقابلات تلفزيونية مع بعض المثقفين وهُم يُروِّجون لفكرة مفادها أن على الناشطين تشكيل حزب أو تحالف حزبي للمشاركة في الانتخابات العامة القادمة وأنه من الأفضل أن تكون مبكرة في سنة 2021 بدلًا من 2022، حسبما هو مُقرَّر في السابق. كما وَجَّهوا نصائح للثوار الشباب أن عليهم أن يقوموا بهذه الخطوة المهمة لكي يستطيعوا الإصلاح من داخل المؤسسات الفاسدة في العراق. وبرغم اختلاف النوايا والمنطلقات لهؤلاء المُنظِّرين بين أتباع الأحزاب الحاكمة أو المعارضة، ومع أن فكرة تأسيس الحزب السياسي هي بالأساس فكرة رجعية واستعمارية وتسلطية ورأسمالية بحتة إلا أن مؤسسي الحركات المتطرّفة، الشيوعية والاشتراكية والقومية والعنصرية والدينية، تَبَنَّوا هذه العقيدة وأضفوا عليها طابعًا فلسفيًا ينسجم مع التفكير المادي الغربي. وذلك بأن يؤسِّسوا حزبًا ثوريًا خارج السلطة وبعد وصولهم إلى السلطة ينفردون في الحكم باعتبارهم الحزب الثوري الوحيد والطليعة الرائدة والقيادة التاريخية الضرورية. وإذا افترضنا جدلًا أن هذا الحزب الجديد الذي يشكله الناشطون العراقيون الشباب سيفوز ببعض الأصوات فإنه لا بدّ أن يكون جزءً من المحاصصة الطائفية وعمليات الفساد الشامل السائدة الآن، وبذلك يفقد شرعيته السياسية والأخلاقية تمامًا. لذلك، نحن نحذِّر بشدَّة من مَغَبِّة الوقوع في هذا الفخ القاتل، أي فخ تشكيل أحزاب سياسية جديدة، يمينية أو يسارية، تشارك في انتخابات 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

لقد ثَبَتَ للعراقيين قبل غيرهم بأنَّ الدستور باطل، القوانين باطلة، مجلس النوّاب باطل، الحكومات باطلة، الانتخابات مزيفة، وممارسات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كلها دعوات مزيَّفة مُوظَّفة للباطل ينطق بها عملاء مؤتمر لندن وعملاء إيران وإسرائيل بطريقة ببغاوية مُتقَنة.

لِذا فإنَّ أيَّ شخص عراقي يُريد أن يُثبِتَ عمليًا لنفسه وللآخرين أنه إنسان صادق ونزيه ومخلص للعراق فإن عليه الامتناع تمامًا عن المشاركة بالانتخابات العامة المقررة لشهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، وذلك للأسباب والمعاني التالية:

1. يعني أنّك تحافظ على أخلاقك الإنسانية وشخصيتك العراقية وهويتك الحضارية التي أرادوا مسخها على مدى 18 سنة، وتستعيد صوتك الضائع وإرادتك الحرة المسلوبة وعزيمتك على التغيير السلمي الجذري.

2. يعني أنّك مؤهّل لأخذ زمام الأمور بيديك من الآن فصاعدًا وأنّك ترفض منطق الوصاية الذي فرضوه عليك منذ 18 سنة وغَيَّبوك عن اتِّخاذ القرارات المهمة الحاسمة التي تمس حياتك ومستقبل أولادك وأحفادك.

3. يعني أنّك تَنسِفُ كل الادِّعاءات الفارغة بما يُسمّى "حزمة الإصلاحات والتغيير والثورة على الفساد" وغيرها من المسميّات المزيفة المزعومة على مدى السنين الماضية، بعدما مَنحْتَهم فرصة 18 سنة من عمرك لإصلاح أنفسهم وعودتهم إلى الإنسانية الطبيعية والصف الوطني، وبعدما نَفذَ صبرَك معهم إلى النهاية.

4. يعني أنّك لا تكافئ المجرمين والفاسدين وإنما تَقطَع دابر كل عمليات التزييف المنهجي والمحاصصات الطائفية التي جاءت بها سلطات الاحتلال الأميركي البريطاني وعملاء مؤتمر لندن وعملاء إيران وإسرائيل منذ سنة 2003 حتى الآن.

5. يعني أنّك لا تخاطب المسؤول الفاسد وتطلب منه القيام بإصلاحات شاملة، لأنك لا تريد الضحك على نفسك ولا تريده أن يضحك عليك.

6. يعني أنّك تُجَرِّدُهم من "الشرعية المحلية والدولية" تمامًا رغم إرادة الولايات المتحدة التي فَرض رئيسُها، مجرم الحرب جورج بوش الابن، "الشرعية الدولية" على مجلس الأمن سنة 2003 عندما قام بتعيين عملاء مؤتمر لندن لِسَنة 2002 وعملاء إيران وإسرائيل في السلطة ومجلس النوّاب وبقية المؤسسات المزيفة. وهذه الخطوة، أي نزع الشرعية، بحد ذاتها ستكون حجة قوية بأيدي الثوار الشباب وبداية ممتازة لإزاحة أقطاب السلطات الفاسدة الحاكمة في بغداد وأربيل وإلى الأبد.

7. يعني أنّك تَفضَح أكبر خدعة شيطانية مَرّرَها العملاء الحُكّام إلى شعوب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبقية الدول الغربية، وهي أنهم يفوزون بِانتخابات "حرة وعادلة ونزيهة بشهادة المراقبين الدوليين"، وتُثبِت للعالم أن نتائج الانتخابات محسومة لصالحهم، بوجودك أو بغيابك ورغم أنفك.

8. يعني أنّك تَكشف الجبناء والانتهازيين والمتطرفين المستفيدين من الأحزاب الطائفية العميلة الحاكمة في بغداد وأربيل، لأنهم يكونون الوحيدين الذين سَيُدْلون بأصواتهم لصالح أحزابهم الطائفية. ومع احترامنا لبعض الناس المضطرين للانتخاب لأسباب متنوعة فنحن نعتقد أنه لن يشارك الناخب العراقي الوطني المُتحَضِّر بهذه الانتخابات المزيفة، ولا توجد أية مصلحة وطنية أو دينية أو سياسية أو أخلاقية لهذا الجهد. ومع ذلك، إذا اضطُرِرَتَ للذهاب إلى المركز الانتخابي للإدلاء بصوتك وأنت غير راغب فيمكنك أن تضع خطًّا أسودًا على كل الفراغات بالطول والعرض لكي تفوّت الفرصة على التزوير وملء الورقة من قبل الموظفين الفاسدين لصالح حزبهم الطائفي.

9. يعني أنّك لم تَعُدْ تَخافُ من اتِّهاماتهم لك بأنّك "عميل أميركي، جوكري، فضائي، بعثي، عفلقي، صدّامي، شيوعي، وهّابي، صهيوني، فارسي، مجوسي، رافضي، ناصبي، مُخرِّب، مُرجِف، مُحرِّض، مُشاغِب، مُتمرِّد، عنيف"، أو أنّك "لا تطيع فتاوى المرجعية الرشيدة"، وغيرها من الأوصاف التي ألصقوها بك كلما حاولت انتقادهم أو محاسبتهم.

10. يعني أنّك لا تنخدع بترشُّح بعض الأشخاص المعروفين بِاستقامتهم لأنهم، إن فازوا ببعض الأصوات، فسيكونون جزءًا من الفساد الشامل والمحاصصة الطائفية والتمتّع بِامتيازات النوّاب، وبذلك لا قيمة لهم من ناحية التأثير الإيجابي المنشود.

11. يعني أنّك لا تحفَل بما تعلنه السلطات بأنها تُلغي انتخابات قوات الأمن والجيش والمغتربين في الخارج لضمان النزاهة، لأنك تعلم جيدًا أن العيب ليس في الإجراءات وإنما في جوهر الدستور والقوانين والأحزاب الطائفية العميلة الحاكمة في بغداد وأربيل.

12. يعني أنّك لا تَملِك شيئًا تخاف على فقده بعدما نهبوا ثروات الشعب العراقي كله وأثقلوا العراق في ديون جديدة وأعلنت الحكومات إفلاسها، إلا من رواتبهم وامتيازاتهم الضخمة وأموالهم المهربة إلى خارج العراق، وبعدما أغرقوا العراق في دماء الحروب الأهلية وأزهقوا أرواح ما يزيد عن مليون ونصف المليون مدني بريء. كما أهملوا الرعاية الصحية ونشروا الوباء العالمي "كوفيد-19" بين العراقيين وتسبّبوا في قتل عشرات الألوف من الناس الأبرياء. وحسب بيانات وزارة الصحة العراقية ليوم 14 تموز/يوليو 2021 فقد بلغ عدد حالات الإصابات الكلي حوالي مليون ونصف المليون (1,457,192)، وعدد حالات الوفيات الكلي (17,677)، بينما عدد الملقحين التراكمي حوالي مليون (1,095,686). وطبق التقارير الصحية العالمية فإن أعداد الإصابات المرضية والوفيات المشار إليها أعلاه في العراق قد تصل إلى ثلاثة أضعاف، بينما نسبة الملقحين حتى هذا التاريخ لا تتجاوز 1.7% من مجموع السكان. هذا عدا عن الانفجارات والحرائق التي تلتهم المستشفيات وتفتك بحياة المرضى الأبرياء. فقد قُتِلَ ما لا يقل عن 82 شهيدًا وأُصِيبَ 110 من المرضى والمرافقين والكادر الطبي في حريق هائل اندلع في مستشفى ابن الخطيب المخصص لعلاج مرضى "كوفيد-19" في العاصمة العراقية بغداد، يوم 24 نيسان/أبريل 2021. كما قُتِلَ حتى الآن 92 شهيدًا وأُصِيبَ أكثر من 100 شخص في حريق مُروِّع نشب يوم الإثنين 12 تموز/يوليو 2021، في مستشفى يؤوي مرضى "كوفيد-19" بمدينة الناصرية جنوب البلاد. وفي الحادثتَين كانت معظم الجثث متفحمة ومن الصعب التعرف على هُويّات الضحايا. وبذلك قام المسؤولون العراقيون بتحويل أَسِرَّة الشفاء إلى أسرَّة الموت المؤكَّد ـــــ إن لم يكن بإهمال المرضى المساكين فبالحرائق.

وفي كلتا الكارثتَين اللّتَين شهدهما العراق خلال ثلاثة أشهر فقط تكاد تصريحات المسؤولين والنوّاب وقادة الأحزاب والتيارات السياسية تتشابه إلى درجة سخيفة وكأنها نسخة طبق الأصل من تصريحاتهم عن الكارثة التي سبقتها ولا شيء يتغير إطلاقًا. والسبب الحقيقي هو أن هؤلاء المسؤولين أنفسهم هم الفاسدون والمقصّرون والمجرمون الذين يستحقون أقصى أنواع العقاب.

13. يعني أنّك تُثْبِتُ لهم وللعالم كله أنّه ينطبق عليهم ما جاء في القرآن الكريم من وصف دقيق للمنافقين والمجرمين والمفسدين في الأرض:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ﴿8﴾.

(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ﴿9﴾.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ﴿10﴾.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ﴿11﴾.

(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) ﴿12﴾.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) ﴿13﴾.

(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) ﴿14﴾.

(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ﴿15﴾.

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) ﴿16﴾.

﴿سورة البقرة 2، الآيات من 8 إلى 16﴾.

14. يعني أنّك تُفَوِّتُ عليهم وعلى أتباعهم فرصة القول "فَلْنَمنَحْهم فرصة أخيرة لعلهم ينصلحون"، لأنّ "الخنزير يبقى خنزيرًا قذرًا حتى لو وَضَعت على وجهه أحمر الشفاه"، كما يقول المثل الإنكليزي الألماني.

15. يعني أنّك تُرغِم الحُكّام، بقوة الامتناع عن الانتخاب، وما يليها من ثورة شعبية، على الفرار بجلودهم قبل فوات الأوان، تمامًا كما تفعل الجرذان الفارة من السفينة الغارقة.

للفساد في العراق أسماء وعناوين وأوصاف واضحة لا غبار عليها

كل شخص في الحكومة بدرجة رئيس وزراء ونوّابه وأعضاء حكومته ووكلائهم، وكل شخص في مجلس النوّاب العراقي بدءًا برئيسه ونوّابه، وكل رئيس جمهورية ونوّابه، وكل رئيس حزب وتيار وكتلة وتحالف سياسي، يتكلم عن الفساد بصيغة الشخص الغائب الثالث أو المبني للمجهول ولا يُقدِّم الأدلة الجنائية الكافية للإدانة القضائية فهو فاسد إلى هامة رأسه، وكل شخص يعتقد بأنه نزيه ولا يفعل شيئًا ضد الفساد فهو شيطان أخرس. وهذا الكلام يشمل كل المسؤولين منذ بداية الغزو والاحتلال الأميركي البريطاني سنة 2003 حتى هذه الساعة، وبضمنهم كل الأميركيين والبريطانيين الذين أنشأوا مؤسسات الفساد الشامل في العراق ودعموها بكل ما لديهم من سلطات محلية ودولية.

أنتم المجرمون المطلوبون للعدالة الشعبية العراقية!

إذا كان الرؤساء الثلاثة وقادة الأحزاب والكتل والتيارات والعصابات الطائفية العميلة الحاكمة في بغداد وأربيل يستنكرون الفساد علنًا ويتباكون على الضحايا الأبرياء ويشكّلون اللجان التحقيقية الكاذبة ثم لا يُقدِّمون لنا أسماء المُفسِدين والأدلة الجنائية الكافية لإدانتهم فإننا نُوجِّه إليهم هذه الرسالة المباشرة: هذا إقرار علني صريح ومُوثَّق بالكلمة والصوت والصورة بأنكم جميعًا أقطاب الفساد وزعماؤه وأركانه، لأن استمرار الفساد الشامل يعني استمراركم بالسلطة والهيمنة ونهب الثروات الوطنية مرورًا إلى نسائكم وأولادكم وأحفادكم داخل وخارج العراق. أنتم مُراؤون ومنافقون وسارقون وفاسدون حتى نخاع العظم ولو لَبستم البدلات الثمينة والعمائم السوداء والبيضاء وتَلوتُم آيات من القرآن الكريم وتَحصَّنتم في قلاعكم.

الأسباب الموجِبة لهذه الفتوى

لجأت الحكومات العراقية الملكية والجمهورية وعلى مدى قرنٍ كامل، أي منذ سنة 1921، إلى التفكير والتقرير والتدبير بِاسم الشعب العراقي. ومع بداية الغزو والاحتلال الأميركي البريطاني سنة 2003 ومجيء عملاء مؤتمر لندن لِسَنة 2002 ومعهم عملاء إيران وإسرائيل، وتدهور الأوضاع أكثر بكثير مما كانت عليه في عهد الطاغية صدام حسين، أنشأوا مؤسسات الفساد الشامل والمحاصصة الطائفية، وأشعلوا الحروب الأهلية، وشرعوا بعمليات النَّهب المنظم لثروات الشعب العراقي. وفي كل الأحوال مارست النُّخَب الحاكمة العنف والتهديد والوعود والثواب والعقاب لفرض البيانات والقرارات والفتاوى على الشعب العراقي. كما قامت بتجنيد المئات والآلاف من المتعلمين والمثقفين والمتخصصين بالإعلام وتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي لترويج أفكارهم المدمِّرة والدفاع عن سلوكهم الإجرامي واغتيال شخصيات الخصوم والمنافسين. ونشأت أجيال متعاقبة سلبية لا تجرؤ على الكلام أو القرار أو العمل إلا بعد ترخيص من السلطات السياسية والدينية. كما أصبحت كلمة "سياسة" من المُحرَّمات التي تُكَلِّف قائلها حريته أو حياته.

وهذه أول فتوى في التاريخ يُصدِرُها ويُنَفِّذها أفراد الشعب العراقي بتحريم المشاركة في التزييف والتضليل والكذب والنفاق والخداع والاحتيال والظلم والفساد والشرك والكفر والإلحاد والانحطاط والخزي والعار الذي تمثله صناديق الاقتراع والانتخابات في العراق.

وَمِيزةُ هذه الفتوى الشعبية أنها ليست ردّ فعل عابر لاعتقال أو قتل مواطن عراقي بريء يطالب بأبسط حقوقه المهضومة، وإنما هي الرد الحاسم على كل التراكمات من أشكال الدمار الشامل والنهب المنظم لثروات الشعب العراقي وإبادة الناس الأبرياء والبطالة والتضخّم وانعدام الخدمات الأساسية للمواطنين منذ سنة 2003 حتى الآن. إن تطبيق هذه الفتوى سيكون بداية حقيقية وسلمية لإسقاط النظام الاستبدادي الفاسد وبداية حقيقية لتأسيس النظام الاجتماعي والسياسي العادل في العراق.

وإذا سمعتم أو قرأتم في الأيام القادمة أن "المرجعية الدينية" أمرت بضرورة المشاركة في الانتخابات فهو كذب صريح، لأنكم تستطيعون بأنفسكم مراجعة نصوص الفتاوى والبيانات التي كانت وما تزال تحث الناس على اختيار النوّاب الصالحين والمؤهلين لخدمة الشعب، ولا تحثّ مطلقًا على انتخاب الفاسدين، ولا تؤيد أية قائمة أو مرشَّح.

إنّ واقِعَ ومستقبل العراق بأيديكم من خلال نسف عمليات الاقتراع كلها ومن أساسها.

لِذا نرجو كل مواطن عراقي نبيل ومتحضّر أن يمارس دوره ولو بأضعف الإيمان، وهو توقيع رفضه لهذه الانتخابات المزيفة في جوهرها، وذلك على هذا الرابط في موقع "إي حملات" (حملات التمدن)، والتي تستغرق دقيقة واحدة:

https://www.ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=1166

كما نرجو أن يُحيل هذا الرابط إلى كل أصدقائه في قائمة العناوين بوسائل التواصل الاجتماعي.