كيف يمكن السيطرة على "كوفيد-19" في العراق؟

في وسط عالم مشبع بالفساد، لا يزال بالإمكان فعل الكثير لإنقاذ العراقيين.
المستشفيات في العراق "تقتل" الناس بكل معنى الكلمة
إلزام الناس بأخذ لقاح كوفيد-19 واجب مقدس على الحكومة
فيروس كورونا يكشف عن مواطن القوة والضعف في كل دولة عظمى أو صغرى

ملاحظة: أُهدِي هذا البحث القصير إلى أرواح الضحايا العراقيين الأبرياء الذين قضى نَحبَهم في المستشفيات العراقية بسبب الإهمال والتقصير في الرعاية الصحية لمرضى "كوفيد-19"، ومِن بينهم شقيقي الأصغر، رحمهم الله جميعًا.

عندما يتعلق الأمر بالوباء العالمي "كوفيد-19" فإن العالم كله بكفّة والعراق بكفّة أخرى. وفي مقالات لاحقة سوف نستعرض ونُحلِّل الدراسات العلمية والتقارير والإحصاءات الرسمية الخاصة بالعراق وعلى وجه التحديد الجوانب الوبائية والمناعية. أما الآن نُركّز على الجانب الإجرائي الذي يمكن تنفيذه على الفور عندما تتوفر الإرادة السياسية الجادة لدى الحُكّام في العراق.

وقبل الدخول في تفاصيل (الحملة الوطنية للسيطرة على الوباء العالمي "كوفيد-19" في العراق)، التي نضعها بين أيدي المواطنين والمسؤولين العراقيين، نشير إلى أن عنوان المقالة يتضمن ثلاثة أبعاد أساسية، هي:

أولًا: نقول منذ البداية "السيطرة على" وليس "القضاء على" لأن المعروف واقعيًا وعِلميًا أنه لا يمكن "القضاء على" أي مرض مُعدٍ وسارٍ ووبائي تمامًا، ولا بد أن تبقى بعض الجيوب المختبئة هنا وهناك. والمرض المُعدي هو الذي تُسبِّبُه كائنات حية مثل الفايروس والبكتريا والعفن والطفيلي المجهري كالملاريا والطفيلي الكبير كالديدان والحشرات، وهذه الكائنات الحية تنتقل من مُضيف إلى آخر بطرق متنوعة.

ثانيًا: نحن نتعامل مع وباء عالمي جديد تمامًا ٱسمه "كوفيد-19" وجرثومته الفايروسية المُسمّاة "سارز-كوف-2" لا تُرى بالعين المجرّدة أو بالمجهر الضوئي العادي وإنما بالمجهر الإلكتروني فقط. ولتقريب الحجم إلى خيال الإنسان نَذكُر أن شعرة الرأس بِسُمك 120 ميكروميتر (µm) تعادل 1,800 وحدة فايروسية بسمك 0.1 ميكروميتر مصطفّة جنبًا إلى جنب. بمعنى أننا في الواقع نواجِه عدوًّا لا نراه ولا يرانا لكنه يستطيع إصابتنا بالمرض وربما قتلنا.

ما سرّ خطورة فايروس كورونا؟

تكمن خطورة الفايروس كورونا في سرعة تكاثره وسهولة ٱنتشاره بين الناس، في الظروف الطبيعية وبدون إجراءات وقائية، وليس في ضراوته المرضية بذاتها، بالرغم من أنه قد "يَخنق" الإنسان من داخل الرئتَين بكل معنى الكلمة. وتشير الدراسات العلمية الدقيقة المتحفظة إلى أن العدوى بالفايروس تنتقل من شخص واحد مُصاب إلى ألف (1,000) شخص سليم في شهر واحد، وإلى مليون (1,000,000) شخص في شهرَين، وإلى مليار (1,000,000,000) شخص في ثلاثة أشهر. أما إذا أخذنا بنظر الٱعتبار بعض المناسبات الٱجتماعية والدينية والسياسية، كالتجمهر في الملاعب الرياضية وقاعات السينما والمسرح وأماكن اللهو وحفلات الزفاف ومجالس العزاء والمطاعم والأسواق المغلقة المكتظة، ورياض الأطفال والمدارس والجامعات، والمظاهرات والمسيرات الجماهيرية، وزيارات المراقد ومراسم الحج، وغيرها كثير، فإن سرعة تزايد الإصابات تكون عالية جدًّا.

غفلة الناس عن كورونا فايروس سَهَّلتْ ٱنتقاله وٱنتشاره في العالم

بين تشخيص المرض في بداية كانون الأول/ديسمبر 2019 في مدينة "ووهان" عاصمة إقليم "هوباي" في جمهورية الصين الشعبية وبين إعلان منظمة الصحة العالمية رسميًا، في 11 آذار/مارس 2020، بأن المرض الفيروسي "وباء عالمي جديد ٱسمه كوفيد-19"، كانت هذه المدة (أقل من أربعة أشهر) كافية لٱنتشار الوباء العالمي الجديد بسرعة فائقة من بؤرته الأولى في الصين إلى أقصى جزيرة في المحيط الهادي والأطلسي وحتى إلى القطب الشمالي والجنوبي من الكرة الأرضية. وفي يوم 4 آب/أغسطس 2021، بلغ عدد الإصابات المرضية المؤكدة في العالم (199,499,792) أي قُرابة مئتَي مليون ضحية، والوفيات (4,245,542) أي أربعة ملايين وربع المليون ضحية. مقابل ذلك، بلغ عدد الأشخاص المُلقَّحين جرعة واحدة على الأقل في العالم 4.21 مليار شخص، وهو ما يعادل نسبة (28.6%) من مجموع سكان العالم.

يحتاج فايروس كورونا  إلى عشر (10) دقائق فقط ليخترق غشاء الخلية السليمة التي يلتصق بها في الجهاز التنفسي للإنسان. في حالة المريض المصاب بفايروس "كوفيد-19" فإنه يكون مُعدِيًا لغيره قبل ظهور الأعراض لديه. ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن كثيرًا من المصابين بالفايروس، أكثر من نصف عدد الأطفال والمراهقين، لا تظهر عليهم أعراض مرضية إطلاقًا. وبِٱختلاف البلدان، فقد تبيّن أن نسبة المصابين الذين لا تظهر عليهم الأعراض لكنهم ينقلون العدوى لغيرهم تتراوح بين 10-80%.

وللصين علاقات تجارية مع 216 دولة ودُوَيلة في العالم، والتجار ورجال الأعمال من تلك الدول ومن الصين يسافرون بكثرة لرعاية مصالحهم التجارية. إن الأوبئة عمومًا تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية وتنتقل عن طريق المسافرين ثم عن طريق الٱختلاط بين الناس. وحتى الآن ظهر المرض الوبائي العالمي "كوفيد-19" في 220 دولة ودُوَيلة. وهذا يحتّم علينا التنسيق والتعاون مع الدول المجاورة ومراقبة المنافذ الحدودية والمطارات والموانئ النهرية والبحرية بشكل منظَّم وصارم، وكذلك التعاون مع المنظمات الصحية الدولية.

ثالثًا: ظهر الوباء العالمي "كوفيد-19" في العراق عن طريق المسافرين من إيران، التي كانت في البداية أبرز بؤرة مرضية بعد الصين في قارة آسيا، وسرعان ما ٱنتشر بين عامة الناس دون تمييز بين حاكم ومحكوم وبين فاسد وصالح. إذ تمّ تسجيل أول حالة "كوفيد-19" في العراق بتاريخ 24 شباط/فبراير 2020 في طالب إيراني جاء قبل أيام إلى مدينة النجف الأشرف. ثم توالى ظهور المرض الوبائي في مناطق متعددة وشمل كل العراق خلال أسابيع قليلة.

ما وراء التسمية: ذعر وٱرتباك وحيرة وتخبط وإنكار وٱتِّهام

إن إطلاق صفة الوباء العالمي "كوفيد-19" على هذا المرض له أسباب وجيهة وحيوية وهي أن تتخذ الحكومات في العالم كله إجراءات طوارئ بتفعيل النظام الصحي بأكمله وتوزيع المعدات الوقائية والتشديد على ٱستخدامها وفرض قيود على السفر من وإلى المناطق الأشد تأثرًا، وذلك من أجل ٱحتواء المرض والسيطرة عليه بأسرع وقت ممكن ولتقليل الأضرار الصحية والمادية.

ومنذ تلك اللحظة "كشف" الوباء العالمي "كوفيد-19" عن مواطن القوة والضعف في كل دولة، عظمى أو صغرى، صناعية متقدمة أو نامية أو متخلفة، غنية أو فقيرة. كما كشف الوباء عن حجم التلاعب السياسي الذي يمارسه الحُكّام لأغراض شخصية ودعائية وٱنتخابية في مختلف الأنظمة السياسية.

في البداية، وَجَّهت الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد دونالد ترامب، ٱنتقادات حادة للحكومة الصينية بأنها تَستَّرَت على الوباء لمدة طويلة وأنها ٱتخذت إجراءات ٱستبدادية لاإنسانية ضد الكادر الطبي والمرضى أو من تشتبه بإصابتهم وفرضت حظر التجوّل ولبس الكمامات والحجر الصحي وتقييد الحريات. ومع ذلك فقد ثَبَتَت فعّالية وجدوى الإجراءات الصينية على مستوى الصحة العامة والٱقتصاد الوطني. ولم تمضِ سوى أسابيع حتى لجأت الدول الغربية وغيرها إلى إجراءات مماثلة لما فعلته الصين. من ناحية أخرى، نعلم جيدًا أن التخبّط والٱرتباك في العالم كله بين عموم الناس والحُكّام كان واضحًا في بداية سنة 2020 بسبب ندرة المعلومات ولأن المرض يصيب الإنسان لأول مرة في التاريخ الحديث، ولا أحد يعرف على وجه التحديد كيف يتصرف للمحافظة على الحياة.

ثُمّ ظهرت المُتَحَوِّرات من فايروس كورونا

ٱِعتبارًا من أيلول/سبتمبر 2020 تم تشخيص "فيروسات مُتَحَوِّرة" في المملكة المتحدة وأُطلِق عليها لاحقًا ٱسم "متحورة ألفا". ثم توالى ٱكتشاف مُتحوِّرات أخرى خطيرة من حيث قدرتها على إصابة المريض الذي شُفِيَ من إصابة سابقة أو أخذ اللقاح ضد مرض "كوفيد-19". وحسب المعلومات المتوفرة حتى شهر آب/أغسطس 2021 تُعتَبر "مُتَحَوِّرة ديلتا"، التي ظهرت أول مرة في الهند، أخطر نسخة من فايروس "سارز-كوفيد-2" (كورونا فايروس) نظرًا لسهولة ٱنتشارها بين الناس. وهذه المتحوِّرة "ديلتا" أصبحت مسؤولة عن معظم الإصابات الجديدة في العالم وبضمنها العراق.

أما فيما يتعلق بطريقة التعامل مع المتحورات الجديدة فإن الإجراءات الصحية الوقائية المتبعة والتلقيح ضد فايروس كورونا فعّالة جدًّا ضد المتحورات. وثبت من التقارير الصحية الرسمية الحديثة (لغاية شهر آب/أغسطس 2021) حقيقة مهمة وهي أن 99% من حالات الإصابة الجديدة بمرض "كوفيد-19" تظهر بين الناس غير المُلقَّحِين، بحيث أطلق البعض على وباء "كوفيد-19" صفة جديدة وهي "وباء غير المُلقَّحين". هذا يعني من الناحية العملية والمنطقية أنه كلما كثر عدد الناس المُلقَّحين تناقصت فرصة الطفرات الوراثية لظهور المتحورات الجديدة والخطيرة من فايروس كورونا بين الناس الأصحاء. ويرى بعض العلماء أن اللقاحات ضد مرض "كوفيد-19" هي المعجزة الطبية لِسَنة 2020 بلا شك.

المركزية واللامركزية في التعامل مع الوباء العالمي "كوفيد-19"

مِن متابعة التقارير الصحية اليومية في مختلف البلدان والدراسات العلمية الرصينة خلال سنة ونصف السنة تبيّن أن السياسة اللامركزية في التعامل مع الوباء العالمي "كوفيد-19" هي غير ناجحة إطلاقًا من النواحي الصحية والٱقتصادية والعلمية، وأدَّت إلى تعاقب موجات الٱنتشار والٱنحسار ومعها تزايد الوفيات أو تناقصها، بالإضافة إلى ظهور "المُتَحَوِّرات" في بلدان معينة لتنتشر منها إلى باقي أنحاء العالم. كما تسبَّبت هذه الإجراءات المتذبذبة في تعطيل المؤسسات التربوية والتعليمية وتفاقم المشاكل النفسية والعقلية والٱجتماعية وإنهاك المراكز الصحية والكوادر الطبية بشكل لا نظير له في تاريخ البشرية، وأدَّت إلى إطالة عمر الوباء العالمي "كوفيد-19" حتى هذه الساعة.

وباء الفساد الإداري في العراق بصحبة وباء "كوفيد-19": أحدهما في ضيافة الآخر!

لكي نسيطر على الوضع المتدهور الخطير في العراق ونمنع الإعاقات البدنية المؤقتة والدائمة والموت لهذا الجيل من جَرّاء الوباء العالمي "كوفيد-19" "لا نحتاج أن نَربُطَ لِحْيَة بِلِحية"، كما يقول المثل العراقي.

وهنا نؤكد فقط ما يقوله كل المسؤولين في الحكومة والمجالس النيابية والأحزاب الحاكمة وهو أن مؤسسات الفساد الشامل في العراق راسخة وتتوسع يوميًا. ومِن الواضح والثابت أنّ الرعاية الصحية في العراق منهارة تمامًا إلى درجة أن المستشفيات "تَقتُلُ" الناس بكل معنى الكلمة، إمّا بِشِحَّة الأَسِرَّة في أقسام العناية الطبية المُركَّزة وما يترتّب عليها من إهمال ولامبالاة بحياة المرضى الذين ينتظرون الموت في ردهات الطوارئ، أو بالحرائق التي تلتهم المستشفيات و "تُحرِق" المرضى إلى حدّ التفحّم، كما حدث في مستشفى الناصرية يوم 12 تموز/يوليو 2021، وقبله في مستشفى ٱبن الخطيب في بغداد يوم 24 نيسان/أبريل 2021. ومِن السخف والعبث بالعقول توجيه اللَّوم إلى قناني الأوكسجين والجدران سريعة الٱشتعال والأسلاك الكهربائية الرديئة وكثرة المرافقين والمراجعين وإرهاق الكادر الطبي في المستشفيات المُحترقة، لأن المسؤولين عن التدهور الصحي والأمني والإداري وقتل الناس الأبرياء بالجملة هم أقطاب الفساد في العراق الموجودون الآن في الحكم، ولا غيرهم. وما أكثرَ اللجان التحقيقية التي شكّلوها خلال السنين الماضية وٱنتهت إلى "الفاعل المجهول".

ومع أن تغيير النظام الفاسد في العراق له أهمية قصوى ومُلِحَّة اليوم أكثر من أي وقت مضى ولكن نرى من الخطأ أن نَربُط ضرورة السيطرة على مرض "كوفيد-19" بضرورة تغيير النظام الآن على الفور، وإلا فلا حاجة للحديث عنه. أي أنه برغم وجود وٱستمرار المُفسِدين والظالمين في مواقعهم القيادية يمكن القيام بمجموعة من الإجراءات ضمن حملة "وطنية" متكاملة وسريعة وقليلة التكاليف نسبيًا للسيطرة على وباء "كوفيد-19"، وبالتنسيق التام مع المنظمات الصحية العالمية والدول المانحة للمساعدات. وهذه الحملة لا تحتاج إلى أكثر من توفر الحدّ الأدنى من الأخلاق الإنسانية الطبيعية والشعور بالمسؤولية والإرادة الشخصية والوطنية لدى مصطفى الكاظمي وأعضاء وحكومته، إذا أراد أن يُنجِز شيئًا مُشرِّفًا في حياته لخدمة الشعب العراقي.

حُسنُ الظنّ وسوء الظن بالحُكّام والسياسيين في العراق

إذا ٱستثنينا حسن الظن وسوء الظن بالحكومة وأعضاء المجالس النيابية فمن المناسب أن نقول إن سياستهم للتعامل مع الوباء العالمي "كوفيد-19" ٱتَّسمت بِٱنعدام البرنامج الوطني الشامل، والتخبّط والتناقض المبني على ٱجتهادات فردية لا علاقة لها بالطب والصحة العامة والسياسة الحكيمة لإدارة الأزمات وحالات الطوارئ. وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية ثبت أن حكومة مصطفى الكاظمي فشلت فشلًا ذريعًا في حماية المواطنين الأصحّاء والمرضى، وهذا ما أكَّدتْه تقارير منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود. وبسبب لامبالاة المسؤولين الحكوميين ما يزال معظم المواطنين العراقيين في صيف سنة 2021 لا يلتزمون بالحد الأدنى من الإجراءات الصحية الوقائية وكأنه لا يوجد شيء ٱسمه الوباء العالمي "كوفيد-19" على الإطلاق. وبطبيعة الحال فنحن لا نوجِّه اللوم إلى عامة الناس بل إلى الحكومة وسياستها الفاشلة.

السياسة الخاطئة لوزارة الصحة كجزء من الفساد الإداري الشامل في الدولة الفاشلة

الأوضاع اللاصحية في وزارة الصحة العراقية

من جانب آخر، نلاحِظ المسؤولين في الحكومة والمجالس النيابية يوجِّهون في تصريحاتهم وبياناتهم للمواطنين العراقيين كل صيغ الٱتِّهام والتوبيخ والتأنيب واللوم والمسؤولية عن ٱنتشار الوباء وتزايد الوفيات من جرّاء المرض و "عزوفهم عن أخذ اللقاح". ويبدو السبب واضحًا لهذا السلوك الشاذ وهو أن مسؤولي الحكومة، وبطريقة ٱستعلائية بحتة، يرون المواطنين العراقيين كأضعف حلقة في الدولة الفاشلة ويستحقون الإهانات والمعاناة بسبب جهلهم وتخلّفهم. مقابل ذلك فإن المسؤولين في الحكومة وخاصة في وزارة الصحة يتنصّلون عن المسؤولية الإدارية والجنائية والأخلاقية لمعالجة حالة الطوارئ المتعلقة بالوباء، ويرون أن أي جهد يبذلونه هو من باب "التضحية والفضل والجميل والمعروف" على الشعب العراقي.

مِن أكثر الأمور إثارة للٱشمئزاز أن بيانات وزارة الصحة تتطاول على الشعب العراقي بلا رادع أخلاقي. ويتعمّد مسؤولو الوزارة الخلط بين الجهود الإنسانية العظيمة للكوادر الطبية وبين التقصير والإهمال المتعمد من قِبَل الإدارات الطائفية والحزبية في الوزارة والمستشفيات. وكمثال واحد على هذا النهج الخاطئ نَذكر ما جاء في بيان وزارة الصحة العراقية يوم الأربعاء، 21 تموز/يوليو 2021 عن تزايد أعداد الوفيات بشكل خطير وغير مسبوق، وأن أغلب الإصابات هي حالات شديدة وحرجة وعلى وجه الخصوص في الأعمار الشابة والصغيرة. وأضاف البيان (بدون تصحيح النص من جانبنا)، "نهيب بالجميع ترك منهجية التهاون والاستهتار بالاجراءات الوقائية فالبلد على أعتاب كارثة صحية وانسانية لا يعلم مداها الا الله". وإمعانًا من وزارة الصحة بالبذاءة في توزيع في ٱتِّهاماتها الباطلة قالت، "أن المسؤولية القانونية والاخلاقية تفرض على الرموز الدينية والسياسية والثقافية والاكاديمية والرياضية والعشائرية بان يحشدوا الجهود مع الجهات الصحية المختصة لإنقاذ المجتمع من خطر الوباء وذلك بحث الناس على الالتزام بهذه الاجراءات البسيطة والكفيلة بقطع سلسلة انتقال العدوى والسيطرة على الوباء". وأغرب ما في بيانات وزارة الصحة العراقية عمومًا تبدو وكأنها تناشد دولة أجنبية ومنظمات دولية تعمل في جزر "الواق واق"، وهو موقف منسجم تمامًا مع مواقف وتصريحات الرؤساء النشامى الثلاثة.

ولغاية يوم 4 آب/أغسطس 2021، سَجَّلت السلطات الصحية العراقية العدد الإجمالي للإصابات المؤكَّدة بمرض "كوفيد-19" (1,673,084)، بينما وصل العدد الكلي للوفيات إلى (18,938). ومن المعروف محليًا وعالميًا أن العدد الحقيقي للإصابات والوفيات يفوق هذا الرقم بما لا يقل عن الضِّعفَين. لذا فإن عدد الوفيات الحقيقي والمعقول لا يقل عن ستين ألف (60,000) ضحية حتى الآن من جرّاء مرض "كوفيد-19".

أما نسبة التلقيح الكامل بجرعتَين في نفس التاريخ فهي 0.99% فقط من مجموع السكان المؤهلين لأخذ اللقاح، وهي نسبة بائسة وأقل بكثير من المعدل العالمي لهذا اليوم وهو 15%. وبلغ العدد الإجمالي للمُلقَّحين (1,953,230)، أي بنسبة 1.7% من مجموع السكان. وعلى ٱختلاف عدد الجرع المنفَّذة يوميًا، وإذا بقيت السلطات الصحية على هذا المعدل المُتَدنِّي فإنها ستحتاج إلى حوالي سنة كاملة لتلقيح عدد إضافي من السكان بنسبة 10%. هذا على ٱفتراض أن عدد نفوس العراق حاليًا هو (41,203,385).

إعلان حالة الطوارئ لا بدّ منها ضمن حملة وطنية مدروسة ومنظمة

ونظرًا إلى أن الإحصاءات الرسمية العراقية لا تكذب حتى لو كانت غير دقيقة، ولأن حوادث المستشفيات المحترقة والجثث البشرية المتفحمة لا تكذب، ولأن كل وفاة من جرّاء مرض "كوفيد-19" يمكن تفاديها وهي ليست من القضاء والقدر المحتوم، ولأن وفاة كل شخص هي خسارة عظيمة وفاجعة مؤلمة لكل المعنيين.

لهذه الأسباب جميعًا، نأتي إلى تلخيص الجانب الإجرائي من الحملة الوطنية للسيطرة على الوباء العالمي "كوفيد-19" في العراق.

إنَّ مِن أبسط واجبات السلطة الوطنية، إن كانت موجودة، أن تمارس حالة الطوارئ الجادة لمواجهة الوباء العالمي "كوفيد-19"، وتفرض إجراءات الصحة الوقائية الشاملة والتحصين على جميع السكان المشمولين بدون ٱستثناء لحفظ الأرواح. وهذا الإجراء لوحده أعمقُ أثرًا وأشدُّ وجوبًا من الحرية الشخصية التي يُسِيء ٱستخدامها بعض الأفراد بالٱمتناع عن التحصين أو تنفيذ الإجراءات الصحية الوقائية الفعّالة، وبالتالي يُسبِّبون نشر وباء "كوفيد-19" وقتل الناس الأبرياء.

ومن هذا المنطلق يمكن تحديد الهيكل العام لإجراءات الحملة الوطنية للسيطرة على وباء "كوفيد-19" في العراق بما يلي:

1. تطلب الحكومة العراقية رسميًا المساعدات العاجلة من منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود والهلال الأحمر والصليب الأحمر ومنظمة الإغاثة الدولية والدول التي شاركت في التحالف ضد العصابات الوهّابية الإرهابية (العواهر) المُسمّاة "داعش" في سنة 2014. وتكون المساعدات بشكل لقاحات وأدوية ومعدات ولوازم طبية ميدانية ووجبات طعام وشراب جاهزة ومغذية كافية لواحد وأربعين مليون نسمة مع كوادر إدارية تعمل مع الفرق الصحية والأمنية العراقية لتسهيل عمليات توزيع اللقاحات بأسرع وقت ممكن. ويجب أن لا تُسلِّم الحكومة هذه اللقاحات بأيدي الجمعيات الخيرية المزعومة التابعة للأحزاب الطائفية الحاكمة لأنها محترفة بالفساد والجريمة.

2. تستغرق الحملة الوطنية للسيطرة على الوباء العالمي "كوفيد-19" مدة ثلاثة أشهر متواصلة تقوم فيها الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي بمجموعة من الإجراءات المتكاملة والمتسلسلة والشاملة لكل أنحاء العراق بلا ٱستثناء.

3. تكثيف الحملة الإعلامية التي يتولاها ٱختصاصيون بالدعاية والعلاقات العامة والتسويق لتوعية الناس وترغيبهم بالإجراءات الصحية الوقائية عمومًا والتلقيح على وجه الخصوص، وتحذيرهم من العواقب الوخيمة للمرض على الفرد والمجتمع كله. وبالمناسبة، يجب تغيير كل الموظفين العاملين حاليًا في المكاتب الإعلامية للمسؤولين لأنهم جهلة ومتخلفون ولا يجيدون حتى اللغة العربية التي يتحدّثون بها، ويبدو أنه تمّ تعيينهم بالواسطة وليس حسب الكفاءة والمنافسة الحرة. ومِن الضروري جدًّا التركيز على الحقيقة المهمة المعروفة التي تحثُّ عليها منظمة الصحة العالمية وكل المؤسسات الصحية الدُّوَلية، وهي أن اللقاح يحفظ الأرواح، ومرض "كوفيد-19" يمكن تفاديه، وهو ليس قضاءً وقدرًا محتومًا. كما يجب إبراز حقيقة أخرى وهي أنه بينما يحتفل العالم الإسلامي ظاهريًا وشكليًا بعِيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوي الشريف ورأس السنة الهجرية بظروف ٱستثنائية في ظل الوباء العالمي "كوفيد-19" خلال سنة 2020 و2021 وربما في سنة 2022، فإن بعض المسلمين منهمكون بدفن موتاهم الأعزاء ويعيشون في حزن عميق وغضب شديد بعدما فتك الوباء بذويهم وتسبّب بفواجع كبيرة في الأرواح والمصالح وعلى كل مستويات الحياة.

4. نظرًا لأهمية الفتاوى الدينية في حياة العراقيين ولأن كثيرًا منهم يتذرَّعون بعزوفهم عن أخذ اللقاح ضد مرض "كوفيد-19" بأنه لم تصدر فتوى صريحة من المراجع الدينية تطلب منهم ذلك، لذا يجب تفعيل كافة الفتاوى والبيانات والتوجيهات الصادرة من مختلف الأديان والمذاهب. والمتهاونون بالتلقيح يقيسون هذا الأمر على فتوى الجهاد الكفائي سنة 2014 ميلادية التي أصدرها المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني وأحدثت منعطفًا كبيرًا وساهمت في دحر العصابات الوهّابية الإرهابية المُسمّاة "داعش" في نهاية سنة 2017.

5. إنّ إلزام الناس بأخذ لقاح "كوفيد-19" هو واجب مُقدَّس على الحكومة وسلطاتها الصحية والأمنية لحماية الأمن الوطني العام وأرواح الناس الأبرياء والمصالح العامة في البلاد، ولمنع ظهور جيوش من المُعاقين مؤقتًا أو مدى الحياة من جَرّاء الوباء.

6. بالنسبة لعامة الناس فإن أخذ اللقاح الفعّال ضد مرض "كوفيد-19" واجبُ عَيْن مُقدَّس، أي فرض على كل مواطن مؤهّل له وليست له أسباب صحية تمنعه من ذلك حسب تقرير طبي موثوق. ولا يجوز مطلقًا ترك التلقيح للإرادة الحُرّة لكل مواطن أن يقرّر لنفسه وعائلته ما يشاء بغض النظر عن النتائج الوخيمة التي قد تَترتَّب على العزوف عن أخذ اللقاح. ومن يقول هذا ٱستبداد وسوء ٱستخدام السلطة نقول، نعم، إنه شيء من الٱستبداد تُوجِبُه حالة طوارئ خطيرة جدًّا تعصف بالعراق والعالم كله، ولكن لا علاقة له بسوء ٱستخدام السلطة لأنه مؤقت ومحدود، وتمارسه كل الدول بدرجات متفاوتة، وينتهي مع الظرف الطارئ.

7. الشروع بالحملة الوطنية للتلقيح الإلزامي الشامل ضد مرض "كوفيد-19" في العراق، وذلك بفرض حظر التجوّل لمدة أسبوعَين، وهي قابلة للتمديد عند الضرورة. ونظرًا لحدوث تزوير في بطاقات التلقيح الحالية، فيجب على كل مواطن إبراز البطاقة أمام فرق التلقيح. وإذا تبيّن أنها مزيفة يتم ٱعتقاله فورًا وسجنه بدون محاكمة في زنزانة ٱنفرادية لمدة 30 يومًا، ولا يخرج منها إلا بعد تلقيحه للمرة الأولى وأخذ تعهد خطي منه بحضوره للجرعة الثانية. وبالنسبة لعامة الناس تكون الجرعة الثانية بعد مضي 30 يومًا من الجرعة الأولى، وذلك ضمن حملة تلقيح ثانية لمدة أسبوعَين أيضًا.

8. يجب تحديد الٱستثناءات الطبية الفردية سلفًا لبعض الشرائح السكانية مثل المرضى بالجهاز التنفسي والحوامل والأطفال دون سنّ 12 سنة إذا قرّرت ذلك الشركات المنتِجة والجهات الصحية. كما يجب أن تكون قائمة الٱستثناءات واضحة وصريحة وبِٱتفاق اللجان الطبية الٱستشارية في وزارة الصحة ونقابة الأطباء العراقيين، وأن تكون التقارير مُوحَّدة في صيغتها الرسمية لعموم العراق ومُصدَّقة من المستشفيات والمراكز الطبية العراقية الحكومية.

9. طَبْع وتوزيع النقود الورقية بما يكفي لكل أفراد الشعب (حوالي 41 مليون نسمة) لمدة ثلاثة أشهر تدفعها الحكومة بشكل أقساط كل أسبوعَين، وتكون الوجبة الأولى متزامنة مع بداية التلقيح الإلزامي لكل العراقيين. يستمر صرف الرواتب للموظفين الحكوميين ولكل العاطلين والمتضرِّرين في المصالح الأهلية حسب عدد أفراد العائلة الواحدة. وبهذه المناسبة تستطيع الحكومة إعادة تقييم العملة العراقية بحيث يكون الدينار العراقي الجديد مساويًا لألفي دينار عراقي قديم (2,000 قديم = 1 جديد).

10. توزيع الكمّامات ومواد التعقيم لليدين مع التحذير من وصولها إلى الأطفال، وتوزيع وجبات الطعام الجاهزة والمجففة والمواد الغذائية لمدة أسبوعَين لكي لا تتلف بسبب الحر وٱنعدام الكهرباء. كما تَشتري الحكومة كل المنتجات النباتية والحيوانية سريعة التلف من المُنتِجين مباشرة وتُوزِّعها فورًا على المواطنين حسب عدد أفراد العائلة الواحدة.

11. تتولى الفرق الصحية المدرَّبة الجوّالة تطعيم المواطنين المؤهَّلين في مناطق سكنهم بحيث لا تسبب مشقة للناس عمومًا والمرضى وكبار السن. ويشمل ذلك المناطق النائية في الأرياف والبوادي.

12. تطلب الفرق الصحية تقارير طبية مصدَّقة من المستشفى تُثبِت عدم أهلية المواطن للتلقيح بسبب الأمراض التنفسية أو الحمل.

13. إلزام كافة الموظفين الحكوميين والأهليين ومنتسبي وطلاب المؤسسات التعليمية والتربوية العامة والخاصة بالتلقيح ضد مرض "كوفيد-19"، وبخلافه يتم طرد الموظف أو الطالب أو ولي أمره من وظيفته.

14. يجب على كل مواطن دون ٱستثناء الٱلتزام بالإجراءات الصحية الوقائية خارج حدود البيت، مثل، لبس الكمّام، تعقيم اليدين، التباعد البدني، تجنُّب الزحام في الأماكن المغلقة، الٱمتناع عن المشاركة بالزيارات والمسيرات العامة، تجنُّب المصافحة والمعانقة مع أي شخص من خارج الأسرة حتى لو كان من الأقارب والأصدقاء. وتتولى دوريات القوات الأمنية التنبيه والتحذير ثم فرض الغرامات الفورية والحبس الٱنفرادي على كل مخالف عنيد، وتكون الغرامات تصاعدية لمن يكرر المخالفات.

15. إغلاق دور العبادة والمراقد الدينية لمدة ثلاثة أشهر متواصلة وبدون ٱستثناء، ويتمّ تعفيرها بالكامل، ومنع التجمهر حولها أو المسيرات بِٱتجاهها.

16. إغلاق الحدود والأجواء بشكل صارم لاسيما لأغراض السياحة بكافة أنواعها والزيارات الخاصة والزيارات الحكومية الرسمية وشبه الرسمية التي يمكن تعويضها بقنوات آمنة للفيديو. وبالنسبة للمصالح العامة والخاصة التي لا يمكن إغلاقها، مثل الإسعاف والمراكز الطبية وإطفاء الحريق والقوات الأمنية وتوزيع الأغذية والأدوية والمحروقات والتنظيف وعمليات الٱستيراد والتصدير الضرورية، فيجب أن تخضع لإجراءات مشدَّدة عند المراكز الحدودية والمطارات والموانئ.

17. تستطيع الحكومة الٱستفادة من إجراءات المفوضية العليا للٱنتخابات في ضبط السجلات الورقية والإلكترونية لكافة المواطنين الملقَّحين ضد مرض "كوفيد-19"، وهو عمل إنساني نبيل يحفظ أرواح الناس بدلًا من بعثرة أموال الشعب وجهوده على ٱنتخابات مزيفة وفاسدة وتافهة ومعروفة النتائج وتعزز المحاصصة الطائفية والظلم والتخريب والنهب المنظَّم لثروات الشعب العراقي. ويمكن أن تكون لهذا الإجراء فوائد ٱقتصادية وإدارية وأمنية عظيمة وهي كشف الموظفين الوهميين التابعين للأحزاب الطائفية الحاكمة في بغداد وأربيل، وكشف الإرهابيين والمخربين الذين سيلجؤون للهرب من العراق أو للٱختفاء أو لتزوير البطاقات الصحية الخاصة بالتلقيح والهويات الوطنية. أي أن الحملة الوطنية للتلقيح ستحقق أهدافًا كثيرة في آنٍ واحد.

بادِروا بالخير ولا تنتظِروا حدوثه!

إن إجراءاتٍ وطنيةً شاملةً كهذه في عموم البلاد ولمدة ثلاثة أشهر كفيلة بالسيطرة على مرض "كوفيد-19" في العراق، بحيث يتحوّل من وباء عالمي خطير إلى مرض مستوطن وخفيف الشدة، كأي مرض آخر مثل الإنفلوانزا. ومَن لا يُصدِّق فَلينظر إلى تجارب الشعوب الأخرى في طريقة تعاملها مع الوباء العالمي "كوفيد-19". فقد ٱحتلت النرويج المرتبة الأولى، وجاءت سويسرا في المرتبة الثانية، ونيوزيلندا في المرتبة الثالثة، وهذه ليست من الدول العظمى ولكن فيها حكومات مخلصة وفعّالة. بينما جاء العراق في المرتبة 43، وذلك حسب تقرير دُوَلي نشرته مؤسسة "بلومبيرغ" الأمريكية يوم 28 تموز/يوليو 2021. أما بالنسبة لمعدلات التلقيح الكامل بجرعَتَين ضد مرض "كوفيد-19" فقد جاءت جزيرة مالطا بالمرتبة الأولى حيث بلغت نسبة التلقيح الكامل 77.07% من مجموع السكان، لغاية يوم 4 آب/أغسطس 2021. ونُشير إلى أن مالطا جزيرة صغيرة في البحر المتوسط، نفوسها حوالي نصف مليون نسمة ومواردها محدودة جدًّا.

كلمة أخيرة لمن يسمع ويفهم ويعمل الشيء الصحيح

بغض النظر عمّا إذا كان لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي طموحات ٱنتخابية فإن هذه الإجراءات الجادة آنفة الذكر عند تحققها قد تعيد شيئًا من الثقة المفقودة تمامًا بين الشعب العراقي والحكومات الظالمة الفاسدة التي تعاقبت بالحكم منذ الغزو والٱحتلال الأمريكي البريطاني سنة 2003.

ونأمل أن يَتبنَّى العراقيون (الحملة الوطنية للسيطرة على الوباء العالمي "كوفيد-19" في العراق)، وأن يضغطوا على السياسيين ويطالبوهم بالكفِّ عن التلكؤ والتقاعس والمماطلة والتشكي والتظلم من الماضي والحكومات السابقة والمراوغة والمشاغلة بالٱنتخابات القادمة المزيفة، وأن يلحّوا عليهم بِالٱرتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية لإنقاذ الشعب العراقي من جرائم القتل الجماعي. نعم، نقول "جرائم القتل الجماعي" لأن الجرائم لا تحدث فقط بالرصاص والقنابل والعمليات الٱنتحارية والٱغتيالات وإنما تحدث أيضًا بإهمال المؤسسات الصحية والرعاية الصحية ومعالجة حالات الطوارئ بشكل صحيح.

ونُذَكِّرُ هنا بما يقوله القرآن الكريم:

(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ﴿سورة المائدة 5، الآية 23﴾.

أمّا مجموعة الفتاوى والبيانات والتوجيهات الصادرة من المرجع الديني الأعلى في النجف الأشرف، السيد علي الحسيني السيستاني، بخصوص الوباء العالمي "كوفيد-19" منذ ظهوره في مطلع السنة الماضية 2020، وحتى الآن فهي موجودة على الموقع الرسمي للمرجعية لمن يحبّ القراءة (https://www.sistani.org).

وفي الختام، نقول لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، الذي يتحكم بوزارة الصحة ووزارات أخرى، بصوتٍ عالٍ لعلّهم يسمعونه: ولو أنّكم قَتلتُم شقيقي الأصغر وقرّة عيني، رحمه الله، وأيتمتم عياله قبل أربعين يومًا، وكذلك عشرات الألوف من أهلنا الضحايا العراقيين من جرّاء مرض "كوفيد-19" بسبب إهمالكم المتعمَّد للمؤسسات الصحية، لكن هذه هي فرصتكم الأخيرة في الحياة للتوبة النصوح؛ فإمّا أن تكونوا شيئًا مُشرِّفًا لأنفسكم وأهليكم في الحاضر والمستقبل، برغم كل ما فعلتم في السابق، أو لا تكونوا شيئًا على الإطلاق، هذا إذا أنصفكم مُدَوِّنو التاريخ.

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفِّق الجميع لإنقاذ الشعب العراقي من هذه المحنة الخطيرة.